“أبناء الأعيان” في تعليم الحماية بالمغرب (1912-1956) (ج2)

18 مايو 2021 16:48
"أبناء الأعيان" في تعليم الحماية بالمغرب (1912-1956) (ج1)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

– خصائص المدرسة فرانكو-بربرية:

لقد كان إنشاء تعليم فرانكو-بربري خلال سنوات العشرين (1920) تعتمد نهجا سياسيا رئيسيا للإدارة الفرنسية، يتمثل في أن تكون المدرسة( فرانكو-بربرية) مدرسة فرنسية من خلال التعليم والحياة، بربرية من خلال المسجلين بها، والوسط التي هي فيه، لا يوجد وسيط أجنبي بين المكونات السابقة، فلا تعليم للعربية، ولا تدخل للفقيه، وكل مظهر إسلامي سيتم استبعاده بشكل صارم، بناء عليه تم إنشاء 6 مدارس فرانكو -بربرية في عام 1923 و18 أخرى في عام 1928 لنفس الغاية تم تأكيد (فصل البربر عن العرب لحمايهم من النفوذ العربي) في سنوات الثلاثينيات (1930) بإصدار الظهير البربري في 16 ماي 1930 الذي أثار حفيظة الوطنين.

المدرسة الابتدائية (فرانكو-بربرية) بأزرو تم تحويلها لكوليج في 1934 مكون من ثلاثة مستويات، لكن نجاحه ظل متواضعا، أردنا تكوين أبناء أعيان البربر، فجاءنا أطفال فقراء جذبهم المطعم المجاني.

من خلال المراقبات المخترقة لمعلم فرنسي تمَّ شرح سبب بعض الإحجام عن الالتحاق بالمدرسة، من قبل أبناء الأعين المرغوب فيهم تمثل في الغضب الذي كان يثيره الشكل المنمق المميز لطلابها، لأنه لا يعبر عن شخصيتهم الحقيقية، فقد أدرك بإحساسه العميق أن عقدة النقص عند تلامذته، (أنهم يخجلون من قبائلهم وعاداتهم، فهم لا يريدون أن يكونوا مختلفين عن سكان المدن العرب، الأكثر أدبا، والأكثر تحضرا في نظرهم) وهو يوافق التلاميذ على أن يكونوا متلائمين مع أنفسهم.

جاء في شهادة إحدى إنشاءاتهم بموضوع يقول: مرَرتَ في الجبل بقصبة في حالة خراب، أكتب وعبر عن المشاعر التي انتابتك من هذا المنظر.

في جواب التلاميذ:

هي تذكير بمجد الأقدمين وهمتهم العالية موضوع آخر مثير جدا:

مُحَا يُريد وضْع ابنه في الكوليج، فاستشار أعيان قبيلته، وأفراد عائلته، أُذْكر الحُجج المقدمة له، واختتم بقرار موحا.

المعلم يؤكد على أنه من الضروري إعطاء هؤلاء الأطفال ثقافة عربية جيدة، لإخراجهم من حرجهم، وأن يشرح لهم، سبب تحولات قبائلهم، وأن عودتهم لبربريتهم تشبه عودة الفرنسي للغته الإقليمية.

بالطبع يركز كوليج أزرو على ملمح الوطنيين في الخشية من سَيْبَة البرابر وعصيانهم ومطالبتهم بنفس فرص التعليم لكل المغاربة، وعمليا، سار كوليج أزرو (بربري) مقرا للتعريب.

التعليم المهني:

المدرسة المهنية في صفرو تؤدي بالتلميذ للمستوى التعليمي الثالث المهني في بداية سنة 1920 كان شكل وأسلوب التصور للتعليم الأهلي أن يتخذ شكل تخصص مهني، فالتعليم المهني الأهلي إما أن يكون متخصصا، أو لا يكون، كما يقرره جورج هاردي مدير التعليم العمومي بالمغرب، لأنه الطريقة الوحيدة كما يعتقد لربط المغاربة بالتنمية الاقتصادية للبلاد ودفع رواتب محترمة للخريجين من غير المخاطرة بإيقاظ روحهم النقدية والمطلبية.

في مدرسة صفر وعرف إنشاء القسم الفلاحي سنة 1932 نجاحا كبيرا، حيث كانت المدرسة تعمل بشكل جيد، كما قال شاهد عيان، وقد أدرك التلاميذ ذلك، فعملوا معنا باحترام وتفان، وقد وجد قدماء التلاميذ تقديرا كبيرا، فاشتغلوا بسهولة في أعمال البستنة بالمدن، وضيعات التجارب أو القطاع الخاص.

زوجي يعلم البستنة، ويتكلف بحديقة المدرسة

(…) وأنا بدأت سنة 1938 في الدروس التحضيرية، عندي 92تلميذ، في السنة الموالية تضاعف العدد، في 1940 كلفت بتدريس الفرنسية للقسم التحضيري كان عندي 56 تلميذ.

هذه الشهادة تشير لبعض من الحياة اليومية.

قبل دخول الصباح يقف الموبوؤون بالقرع في صف طويل أمام حنفيات المغسلة، فيغسل الواحد تلو الأخر رأسه بالصابون ثم يدهنه بزيت الكاد، ولمحاربة الجرب يغسل الأطفال أيديهم بصابون مرسيليا

صباح يوم السبت يصطادون القمل من بعضهم، حيث يعتني الصغار بالكبار، في كل صباح يطاف بدفتر تسجيل المرضى على الأقسام لتسجيل كل طفل مريض رفع أصبعه قائلا (أنا مدام بطني) (أنا مَدام أُذني) وفي الاستراحة، تذهب المسجلون في دفتر المرضى مثنى مقنى تحت إشراف أكبرهم سنا لمستوصف صفرو، حيث يوجد طبيب وممرضة فرنسية، وفي منتصف النهار يفتح المطعم ليقدم للأهالي مغرفة حساء ونصف خبزة.

أثناء الحرب طلبت الرباط من المدارس الإسلامية تربية ديدان الحرير، لسد حاجة أقسام الجراحة من الخيط بالمستشفيات، وقد كان القسم الزراعي الذي يشرف عليه زوجي مسؤولا على ذلك، حيث تحول لمزرعة تربة دودة القز، وقام التلاميذ بجمع أوراق التوت ووضعها في الصَّواني وتنظيفها وإطعام اليرقات ومراقبة نموها الخ وتنتهي العملية التي بجمع خيوط الحرير.

إلى جانب تعليم الفرنسية، كان هناك تعليم للغة العربية على يد معلم مغربي، وتعليم القرآن على يد فقيه، (…) ذات يوم عدت للفصل في الساعة الوحدة والنصف، فلاحظت إحراجا بين المتدربين، ولمحت أحدهم يقف في زاوية بأخر الفصل وقد أعطاهم ظهره، فقال لي متدرب: مدام إنه يصلي! لقد كانت الفصول الدراسية بالنسبة للمتدربين كمنازلهم، لذلك بدأت منذ ذلك في احترام خصوصياتهم بها، فلا أدخل الفصل إلا بعد الاستئذان، وقد قدروا لي تلك المبادرة.

عدد كبير من “أبناء الأعيان” تمنى قبوله في مدارس أبناء الأعيان على وجه السرعة،.مدرسة أبناء الأعيان، المدرسة القرآنية، كوليج افرانكو-إسلامي، شهادة الدروس الابتدائية الإسلامية، شهادة الدروس الثانوية الإسلامية،

وابتداء من 1918 تم قبولهم بها دون مشاكل بعد اختبارهم، وقد اختلف عددهم من مدرسة لأخرى، في فاس حيث يزدهر كوليج مولاي ادريس الفرنسي الإسلامي، والمدرسة الفرنسية المختلطة ذكورا وإناثا، و التي لا يوجد بها سوى عدد قليل من المسلمين، حتى بعد الحرب العالمية الثانية بخلاف وجدة الذي لا يوجد بها أي كوليج فرنسي إسلامي، المغاربة قبلوا بالليسي الفرنسي ابتداء من 1934 وبعد عشرين عاما قدر عددهم بربع أو ثلث المنتسبين له.

وجود هؤلاء المحليين بين الفرنسيين لم يطرح أية صعوبة كبرى، كان متحفظا أكثر منه ممكن، المتعلمون يثنون على الوحدة واختيارهم التعلم والتطبيق، والمواهب التي تتخطى حواجز اللغة لا شيء يميزها عن زملائها الأوربيين، ومع ذلك تكشف بعض العلامات وبعض الحكايات، عن تناقض ذلك الوجود

المشهد التالي أفادتنا تقارير كثيرة عنه بأشكال مختلفة:

أعطيتُ موضوع امتحان للفصل 5 عنوانه “الحرب البونيقية الثانية” جعلني أكتشف من خلال مراجعة أجوبة التلاميذ، أنهم حافظون للدرس الذي أعطي لهم بنصه، فواجهت أحذهم متهما إياه بالنقل، فرفض التهمة، وتحداني بأن أعطيه سؤالا أخر مباشر بيني وبينه، ولما فعلت كان الجواب الأول كأنه منقول من الدفتر وليس من حفظ التلميذ، فلم يسعني إلا الاعتذار له، ولأبيه الذي رافقه هندي في الغد، وكان يعمل نائبا للباشا، والذي أفهمني بأن المدارس القرآنية تدرب التلاميذ على الحفظ، بحيث يسترجعون بسهولة ما حفظوه عن ظهر قلب، لأنهم رُبُّوا ذاكرة قوية.

نموذج ثاني من أستاذ للتاريخ يدرس حق الشعوب في تقرير مصيرها والثورات الوطنية.

من فرسينجيتوريكس إلى غاريبالدي، كانت هناك لحظات حاسمة، يجب أن أقول إنني لم أغير أي شيء في دروسي، ولم أتلق تعليمات أو نصحا من أحد لتغيير أي شيء فيها، ومع ذلك كنت أذكر أحيانا أن بلاد الغال سبق استعمارها من قبل الرومان، ولم يجدوا في ذلك بأسا وسوء.

مدرس يرى أن التلميذ بالمغرب منذ الرابعة من عمره يكتشف من أول قسمه (في بور-ليوطي القنيطرة في 1952) أن معرفته بالمغاربة سيئة:

أول صدمة تلقيتها بواسطة موضوع إنشاء طفل في القسم الخامس، كان هو الموضوع المعالج التالي:

صف المكان أو المسكن الذي تقطنه.

(مسكني من الحديد، مسقوف بالورق…) هذا صحيح، يسكن منزلا مصنوعا من علب القزدير المرمية ومُغطى بورق مُزَفَّت، حيطانه الحديدية مزخرفة بألوان مطبوعة بعناية ورقة جعلت مصطلح Bidonville بالنسبة لي يتغير معناه، إنه الفقر لكننه أيضا الفخر، والتضامن، والشجاعة.

من جهة طالب فرنسي قديم، بِلِيسِي بالدار البيضاء، قال:

أبي (مراقب تَرْتِيبْ-ضرائب-) يعرف كثيرا من رؤساء الأهالي، تم حثهم على بعث أبنائهم للدراسة بِالِّيسي lycee لكن المساكين أحسوا بالضياع في هذه البنايات الضخمة، المسيرة وفق نظام صارم، إضافة لتسلط الأقران القدامى الخشن على الملتحقين الجدد بالمدرسة أثناء bizutage الذي لم يحتمله البعض منهم، معتبرينه اضطهادا وإهانة للمغاربة، ففر منه واختبأ، في حين قبل به آخر ومعتبرينه اعترافا من الآخرين بهم وقبولهم بينهم.

لقد جاؤوا جميعا عندي لأني الفرنسي الوحيد الذي كانوا يعرفونه، ولأني كنت أتحدث العربية مثلهم، كنت حاميهم، كانوا يغشون في تسنينهم، مثلا في الرياضة عندما يكون السن المحدد في نوع رياضي ما هو 16 يأتي صاحب 19ويزعم أن سنه 16 وعنما يلعب مع الصغار يفوز بسهولة.

التعليم الخاص ازدهر، في زمن الحماية ولاسيما الكاثوليكي

في 1959 بلغ عدد مارس التعليم الكاثوليكي 35 مؤسسة، بالنسبة لمدرسة فوكو بالدار البيضاء كان بها 15 مدرسا من الآباء، وفي الرباط كان 5 آخرون، وكان عددا من إخوة القديس المعمدان منتشرون، بالدار البيضاء والرباط، وقد أسس الساليزيون مدرستين في كل من لمعاريف بالدار البيضاء وأخرى ببور-ليوطي للأطفال الأوربيون من ذوي الحال المتواضع.

على العكس، رحبت نساء القديسة مور بالرباط بالفتيات الصغيرات، من خلفيات متميزة، كما وجد بوجدة معهد القديس أنطوان للأولاد، ومؤسسة جان دارك للبنات إلى آخره.

المؤسسة الذكورية التي يتم ذكرها بكثير من الثناء هو كوليج تمارة، بالرباط تم تأسيسه سنة 1950 على يد أحد اليسوعيين يدعى الأب جيلو الذي جاء من معهد كاثوليكي بالجزائر حيث توجد مدرسة فلاحية، كان الطلاب بها يغادرونها للعمل في تونس أو المغرب ومن هنا جاء فكرة تزويدهم بمركز مناسب في الموقع الذي يتواجدون به، خلال السنة التحضيرية.

كانت تتخلل الدورات التدريبية التي تقدم بتمارة حصص تطبيقية عملية عند المعمرين colonts هؤلاء الشباب الفرنسيون أرادوا حمل فوائد مسيحية، مقترحين إنشاء كوليج يضم أبناء الكولون، مع التمني بأن يقبل عليه أبناء المغاربة للاستفادة من هذا التعليم.

في البدء تم قبول أبناء كبار الملاك المغاربة لكن سرعان ما تم قبول أبناء المعوزين بفضل المنح التي كان يؤديها أغنياء الكولون أو الدولة، فتضاعف عدد الممنوحين في الكوليج ولأن أحد الآباء اليسوعيين كان طبيبا، استمر هذا الكوليج في العمل دائما، كما احتفظ المسؤولون المغاربة ببعض المدربين اليسوعيين.

أعرب المغاربة عن تقديرهم للمدارس الكاثوليكية، ولاسيما أقسامها الداخلية، لأنهم كانوا يولون أهمية كبرى للتربية، كانوا يحرصون بأن يأخذ أبناءهم عادات التدين والاحترام، والتواضع وفقا لتقاليد ثقافتهم الخاصة.

عواقب توطين الفرنسية بالمغرب سنة 1922

أثر التعليم الفرنسي على الشباب المغربي:

لتقييم تأثير التعليم الفرنسي على الشباب المغربي، يجب أخذ شهادات المهتمين، وهو أمر صعب على الأقل بالنسبة للمحققين الفرنسيين، لذلك سيكون من الضروري تحليل الأدبيات التي أنتجها المؤلفون المغاربة.

تتميز ذكريات المعلمين الفرنسيين أحيانا بخيبة الأمل والاستياء، وهم يرون العديد من طلابهم يرحبون بفارغ الصبر بخطب الوطنيين.

في 1937 (مسبقا كان عاما مضطربا) أبانت مظاهرات الشوارع والصمت في الفصول احتجاجا احتياطيا معاديا سواء قل أو كثر.

الحرب العالمية الثانية حررت تعابير بعض المنشقين العصاة، تذكرت معلمة ذلك فقالت:

دخل الفصل رجل ضخم الجثة صارخا بإعجاب، وفي يده صحيفة، انتهى، لقد دخل الألمان باريز، إنهم أقوياء، لقد حسموا القضية، المعلمة قالت بأن هتلر استعد للحرب من مدة، آه هتلر إنه الأقوى والأكثر مهارة.

أبكى بعض كِبَار المتكبرين

في كوليج مولاي إدريس، بفاس هذا العام، قام تلميذ بمدح عبد الكريم وسط الفصل، فعوقب إلا أن تلك العقوبة التي فرضت عليه، أثارت إضرابا عاما للتلاميذ.

في 1955، 1956 وجد المعلمون الفصول فارغة من التلاميذ أكثر من مرة، أو في ثورة مفتوحة، وفي دجنبر 1955 معلمة صفرو السابق ذكرها واجهة المضربين قائلة:

من وقت لآخر كان رجال f.l.n يتحدون كبار تلامذتنا، الأطفال ساروا في الشوارع حاملين راية f.l.n فوق رؤوسهم، وتوجهوا لمكتب المراقب المدني (…) استؤنفت الدروس، لكن المحبة ضاعت، النشاط لم يعد كما كان.

في يوم سألت تلاميذي (ماذا سيحدث للمغرب بعد رحيل الفرنسيين؟)، كان الجواب: (مدام الروس والمريكان سيقدمون الدعم لنا).

تاريخ التعليم بالمغرب ورش كبير، بالكاد فتح، وسيكون من الضروري المضي فيه قدما عبر الإثنوغرافيا والتاريخ، مثل هذا الفهم سيساعد على فهم تنوع الثقافات وتراء التواصل.

———————————

يوفون اكنيبيهلر: جامعة بوفونس (489-498) من Revue d histoire moderne et contemporaine1941

للاطلاع على مراجع البحث يرجع للموضع بالمجلة أعلاه.

العناوين الداخلية من وضع المترجم وكذا مفاتيحه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M