أما يخشى العلماء الكنز الذي لا يؤدون زكاته؟

15 يناير 2019 22:51
الاجتماع على نوافل الطاعات

هوية بريس – د. محمد بولوز

قال الله عز وجل في سورة البقرة: “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم“.

وقال أيضا في نفس السورة: “إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم“، خشي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوعيد فأدى كما أنزل عليه ،روى الترمذي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية “وإذ تقول للذي أنعم الله عليه” يعني بالإسلام “وأنعمت عليه” يعني بالعتق فأعتقته “أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه” إلى قوله “وكان أمر الله مفعولا“.

وخشي الصحابة رضي الله عنهم عاقبة الكتمان فبلغوا كما سمعوا،روى البخاري عن عطاء بن يزيد أن حمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء (فتوضأ به) ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه “وفي رواية للبخاري عن حمران أيضا وهي موضع الشاهد عندنا فلما توضأ عثمان قال ألا أحدثكم حديثا لولا آية ما حدثتكموه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها قال عروة الآية “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات”.

ونفس الخوف من الوعيد الوارد في الآية كان يدفع أبا هريرة للتحديث بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن ماجة في سننه عن الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: والله لولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدثت عنه يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا لولا قول الله إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب إلى آخر الآيتين”.

وفي الوعيد الوارد في الكتمان أيضا ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سئل عن علم علمه ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار” (حديث حسن).

وكان الصحابة رضي الله عنهم يتناصحون ويحذر بعضهم بعضا من كتمان العلم أو الإحجام عن بثه لاعتبارات معينة، فهذا عمر بن الخطاب وهو يهم بتعيين أحد ولاته يطلب من أبي بن كعب أن يذكر الوالي الجديد ومن في المجلس بما عنده من توجيهات نبوية مناسبة للمقام، ومحذرا إياه من آفة الكتمان. روى أحمد في مسنده عن أبي المخارق زهير بن سالم أن عمير بن سعد الأنصاري كان ولاه عمر حمص، فذكر الحديث، قال عمر يعني لكعب “إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئا أعلمه، قال: ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: “أئمة مضلين” قال عمر: صدقت، قد أسر ذلك إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وهذا ابن عباس يبث العلم مخافة وقوع الناس في الحرام وتعديهم حدود الله روى مسلم في صحيحه عن يزيد بن هرمز قال: “كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس قال فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه وحين كتب جوابه وقال ابن عباس والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين قال فكتب إليه إنك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكر الله من هم… وسألت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل من صبيان المشركين أحدا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل منهم أحدا وأنت فلا تقتل منهم أحدا إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الغلام حين قتله..” إلى آخر ما قال.

وكان نجدة بن عامر هذا من الحرورية أي من الخوارج، ولم يمنع ذلك ابن عباس من مكاتبته ومراسلته وبيان العلم له، فقد جاء في نفس الحديث من رواية أحمد في مسنده “قال ابن عباس: إن الناس يزعمون أن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علمي لم أكتب إليه، كتب إليه نجدة أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء معه وهل كان يضرب لهن بسهم..” إلى آخر الحديث.

وقد كان السلف رحمهم الله يرون حرمة كتمان العلم، روى الدارمي في سننه عن معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: قال القاسم: إنكم لتسألونا عن أشياء ما كنا نسأل عنها وتنقرون عن أشياء ما كنا ننقر عنها وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي ولو علمناها ما حل لنا ان نكتمكموها” واخشى أن يكون كنز العلم بلا انفاق اشد عند الله من كنز المال بلا زكاة والذي قال فيه “وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” (التوبة34).

آخر اﻷخبار
2 تعليقان

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M