أيها الخطباء استمعوا وأنصتوا ثم اصمتوا يرحمكم الله

05 فبراير 2016 21:26
درس من المغاربة بالكَمُون إلى «بان كي مون»

د. رشيد نافع

هوية بريس – الجمعة 05 فبراير 2016

أخرج الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صمت نجا“.

وأخرج أحمد والترمذي أيضا بسند صحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك“.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه “الصمت وحفظ اللسان”: يذكر عن رجل من بني إسرائيل أنه كان طويل الصمت، فأرسل إليه ملكهم رسولاً يحاول أن يحركه لعله يتكلم بكلام، فقلبه يمنة ويسرة فما تكلم الرجل، فقال هذا الملك: اذهبوا به معكم في رحلة الصيد، لعله يرى شيئاً يعجبه فيتكلم، فذهبوا به معهم في رحلة صيد، فمروا من عند طائر، فلم يكونوا يعلمون بهذا الطائر، وكان معهم صقور ومعهم وسائل الصيد، وكان هذا الطائر مختفياً في شجرة فما عرفوا أنه موجود، وما انتبهوا له، فصاح الطائر وتحرك، فسمعوا صوته، فأرسلوا إليه صقراً بازياً فأمسك به، فتبسم هذا الرجل، وقال: الصمت جيد حتى للطيور!! أي أن هذا العصفور لو لم يصوت ولو لم يصح، لما انتبهوا له ولما صادوه، لكنه لما صوت فضح نفسه فصادوه، فهذه هي الكلمة التي مسكوها عليه، قال: “الصمت جيد حتى للطيور”.

لقد كان السلف يتعلمون الصمت، كما يتعلمون الكلام، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه فيما روى الخرائطي في مكارم الأخلاق، قال: “تعلموا الصمت كما تتعلمون الكلام“.

يقول أبو العتاهية:

قد أفلح الساكت الصموت***كلامه قد يعد قوت

ما كل قول له جواب***جواب ما يكره السكوت

معاشر الخطباء: هل أدركتم الآن فضيلة الصمت وبركاته العظيمة؟

حاولوا أن تدربوا أنفسكم حتى تتعودوا على هذه الفضيلة الجميلة “ألا وهي الصمت”.

ومثلكم لا يخفى عليه فقه حديث أبي هريرة في الصحيحين الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام:

إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت“.

لعل فقهاء الحداثة والفكر التنويري لا يجعلون حكمه على المخاطَبِين بل وعلى الخطيب سواء بسواء.

وفي الختام أقول لإخواني الخطباء: إن الناظر في هذا الزمن ليدرك حقيقة إهمال أهل الإسلام لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسبب ذلك تخاذل أهل الحق، وتطاول أهل الباطل، فأدى ذلك الصمت المشين إلى انتشار الفسوق والعصيان، بل تعداه إلى الكبائر من الذنوب والآثام، بل إلى الوقوع في الكفر وكل هذا ضريبة للصمت من الآمرين، والمجاملة في الحق والدين.

إن هذا الصمت أدى إلى ضعف الحق والدين، وتطاول البغي والعدوان، فاتسع الخرق على الراقع، حتى أصبحنا نرى من يتكلم بالكفر، وينطق بالفسوق، ويدعو إلى الفجور من خلال المهرجانات الصاخبة والأفلام الهابطة والمواقع الحارقة لكل حياء وفضيلة، ولا راد له ولا منكر.

أيها الخطيب: لماذا هذا الصمت الرهيب عن إقامة هذه الشعيرة المتينة؟!

أليس الذي أمرك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هو الله -جل جلاله- في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؟!

أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة الأنبياء والرسل؟!

أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان لهذه الأمة؟!

أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم ما تحفظ وتصان به الأعراض؟!

هل هناك حل لعلاج كثير من أخطاء الأمة بغير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!

أم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح مخيفاً إلى درجة أنه يُظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُقَدِّمُ موتًا ويؤخر حياة، ويجلب ذلاً ويرفع عزاً!!

هل أصبح مخيفاً إلى درجة أن الإنسان لا ينكر حتى بقلبه؟!

نحن في هذا الزمن لفي أشد حاجة إلى ناصحين صابرين، ومحتسبين مخلصين لا يريدون إلا ما عند الله -عز وجل- وإن ضاع مع هذا الصدق شيئاً من دنياهم، فلم يهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، بل يعلمون أن ما عند الله خير للأبرار، قال الله تعالى: “مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً“.

وهنا أتساءل: هل نعذر جميعاً أمام الله -تعالى- بهذا الصمت؟!

الحق الذي لا مرية فيه أننا لن نعذر، وسنُساءل عن صمتنا، فماذا ستكون الإجابة، وبماذا تكون الحجة؟!

علينا أن نُعِدَّ للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، فإننا سنُسأل ممن لا تخفى عليه خافية.

كان الله في عونكم.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. ليس الصمت فقط ، وإنما تملق كثير من الطلبة والمشايخ للظالمين فتجدهم يطبلون ويزمرون للمجالس العلمية ويثنون عليها خيرا وهي تقمعهم ، فأي ذل هذا ؟
    لما تسمع طالب علم سلفي يقول بأن العقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي لا غبار عليه ، وتسمع من يدافعون عن الاحتفال بالمولد … فهل سننتظر منهم أن يصدعوا بالحق ؟؟

  2. السﻻم عليكم ان بعض الخطباء اصابعم داء الصمت ﻻن السنتهم تقلت عن قول الحق ولكن جيوبهم امتلئت بالاموال وباعوا اﻻخرة بالدنيا وزينتها وفضلوا اﻻعتدالية الكادبة بالوسطية الحقة ولكن لقد ابقي الله لهده اﻻمة رجال ﻻيبيعون دينهم وﻻ مبادئهم بقليل من المال اوحب الدنيا بل اخدوا على عاتقهم اﻻمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M