إصلاح التعليم في المغرب أو صخرة سيزيف!

03 ديسمبر 2021 08:33

هوية بريس – د.عادل بنحمزة

يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير Michel Serres في حوار مع “Philosophie magazine”: “عندما كنت طالباً شاباً في دار المعلمين، اشتركت في جريدة لوموند – Le Monde، وكنت أقرأها كل يوم، ولم أطالع فيها إلا الأخبار السيئة! وفي نهاية ثلاثين سنة من هذه القراءة، أعلن عن نهاية الثلاثين سنة المجيدة! يا للسخرية، وفي أثناء قراءتي للجريدة، كنت أعتقد أنني أعيش الثلاثين سنة الفظيعة أو شيئاً من هذا القبيل…”، بعض من هذا المنطق، وإن عكسياً، ينطبق على إصلاح التعليم في المغرب، فبالرغم من المناظرات والمجالس والخطط التي حملت شعارات الإصلاح على مدى عقود، نجد أنفسنا باستمرار في سقوط حر عقداً بعد آخر، توّج ذلك بالقانون الإطار الرقم 51.17 الذي مضى في اتجاه الحلقة المفرغة نفسها، لا من حيث وضعه بعيداً من أي حوار وطني، ولا من حيث ضعف صياغته القانونية، ما حوّله إلى مجرد إنشاء، أو من حيث مضمونه الذي يبدو بعيداً كل البعد من قانون إطار يمكن أن يكون مرجعاً لإصلاح التربية والتعليم في أفق 2030.

قضية التربية والتعليم ليست قضية مزايدات أو تقاطب سياسي أو حزبي، بل هي قضية مصيرية، تهم مستقبل المغرب والأجيال المقبلة التي ستكون في مواجهة عالم متغير كلياً عن العالم الذي نعيش فيه اليوم، كما أنه موضوع يجب أن يمثل لحظة توافق وطني كبرى، مشكلته تكمن في كون لحظات التوافق الكبرى تحدث في تاريخ الشعوب في محطات التحول المفصلية، وهي في قمة دينامياتها، وليس في لحظات السقوط والتيه والضبابية كما يحدث اليوم، كما أن قانوناً بأهمية قانون إطار يهم التربية والتعليم، كان من المفروض أن يصدر قبل الانتهاء من أمرين حاسمين، الأمر الأول يتعلق بالانتهاء من الكتلة الدستورية، وذلك بإخراج كل من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، فلا يعقل أن يتحول قانون عادي مرجعاً لقانونين تنظيميين. الأمر الثاني يتعلق بالنموذج التنموي للبلاد، إذ لا يعقل وضع أهداف للعملية التعليمية في ظل ضبابية الاختيارات الاقتصادية النابعة في جزء كبير منها من انحراف مسار الإصلاح السياسي وهشاشة البناء الديموقراطي، والحاصل أن القانون الإطار صدر قبل استكمال الكتلة الدستورية، وقبل صدور التقرير الخاص بالنموذج التنموي.

الحكومة السابقة أحدثت بدعة التعاقد مع الأساتذة، حيث تم إغراق هيئة التدريس بمتعاقدين من دون أي تكوين مسبق، وأمعنت في إغلاق المراكز الجهوية للتكوين والمدارس العليا للأساتذة، فتحوّلت تلك المؤسسات إلى مجرد فضاءات للندوات والخطب النظرية وبعض التكاوين السريعة. خيار التعاقد بكل ما يحمله من مقاربة تقنية محاسباتية لضخامة كتلة الأجور مقارنة بالناتج الداخلي الخام، يمثل تهديداً حقيقياً للمدرسة المغربية في السنوات القليلة المقبلة، وقد لا تكون إجراءات الحكومة الجديدة في ما يتعلق بالتكوين وشروط الانتقاء الخاصة بالأساتذة، كافية لتجاوز المخاطر الآتية في حالة إمعان استمرار العمل بنظام التعاقد.

لقد بلغت النفقات العمومية في قطاع التربية الوطنية بالنسبة المئوية للناتج الداخلي الخام نسبة 6% سنة 1987، ثم تراجعت إلى 5.2% سنة 1998، وواصلت تراجعها إلى 5.15% سنة 2013، بينما المعدل الدولي بحسب اليونسكو هو 13%. هكذا لا تنتبه الحكومات المتتالية للمعدلات الدولية بالنسبة الى الناتج الداخلي الخام سوى عندما يتعلق الأمر بكتلة أجور الموظفين، علماً أن عدد الموظفين في القطاع العام في المغرب يقل بنحو 20% عن المتوسط الدولي، ومع ذلك فإن الحكومة السابقة لجأت إلى بدعة التعاقد بشعارات شعبوية ستظهر نتائجها الكارثية مستقبلاً. أما بخصوص النفقات العمومية في قطاع التربية الوطنية بالنسبة الى كل تلميذ بالنسبة المئوية، مقارنة بالناتج الداخلي الخام بالنسبة للفرد، فنجد أنه في سنة 1987 بلغت النسبة 31.3%، ثم تراجعت سنة 1998 إلى 25.7%، وواصلت تراجعها سنة 2013 لتبلغ 20.4%، بينما المعدل الدولي سنتي 1987 و1998 كان يصل إلى 48%، وارتفع ليبلغ 78.5% سنة 2013. الأرقام لا تكذب ولا تخلق الأوهام والأساطير… واستمراراً للأرقام المخيفة، فتقارير اليونسكو تشير إلى أن نسبة التمدرس بالنسبة الى الفئة العمرية 15-17 سنة؛ لم تتجاوز سنة 2013 نسبة 32.1%، بينما النسبة التي توصي بها اليونسكو لهذه الفئة العمرية هي نسبة 100%، ترى ماذا سيفعل هؤلاء في زمن العلم والمعرفة؟

تبقى الأسر هي من يتحمل هروب الدولة من مسؤوليتها تجاه التعليم، لكن كما يقول المثل “خطاف واحد… لا يصنع الربيع”، لكنه أيضاً لا يمنع حدوث الكارثة…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M