الأمر بالمعروف أولا..

15 يونيو 2019 21:22

هوية بريس – د. سعد الكبيسي

قال تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ …” آل عمران 110.
وقال: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر…”ِ التوبة 71.
وقال: “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر…”ِ لقمان 17.

تكرر هذا التوجيه القرآني كثيرا بهذا الترتيب، وهو تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر، وهذا التقديم لا يمثل أمرا بهذه الواجب فقط، بل هو منهج عملي يتمثل في كل شيء في الحياة.
إن ما يفعله البعض من تقديم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف في سلوكه ودعوته على الدوام خطأ في المنهج، وترك للحياة للفراغ دون بديل، وإن منهحية بيان الحرام دون توضيح الحلال منهجية مختلة تبغّض دين الله لعباده.
يريد الإسلام من المسلم أن يأمر بالمعروف أولا فيبني ويعمر ويملأ الفراغ بالخير، وفي طريق ذلك ينهى عن المنكر _ في حال حصوله _ فيحمي به البناء، ويفسح الطريق أمام المعروف والخير كي ينمو ويكبر.
في الحياة خير وشر وحق وباطل وملائكة وشياطين ومعروف ومنكر، هكذا خلقها الله محكومة بالمتضادات وتتصارع فيها المتقابلات والغلبة فيها للأقوى، لكن الله تعالى يرشدنا للمنهج ولخارطة الطريق، وهو أن نهتم أولا بالخير والحق ومساندة النزعة الملائكية في الحياة، وكلما قوي ذلك ضعف سلطان الشر والباطل والنزعة الشيطانية.
إن الأمر بالمعروف وُجد لبناء الحياة، والنهي عن المنكر وجد ليكون سورا حاميا لها، ولذلك كانت الشريعة والدين في معظمها أمرا بالمعروف والواجبات، وفي أقلها نهيا عن المنكر والمحرمات، ليفعل المعروف أولا، ثم ليأتي بعد ذلك النهي عن المنكر ثانيا ليحميه ويحفظه ويحرسه.
تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر منهج في:
_ تربية الفرد، حيث كثرة الطاعات تزيح المعاصي والسيئات “إن الحسنات يذهبن السيئات “.
_ ومنهج في تربية الأسرة، والأولاد كما في الحديث: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع (أمر بالمعروف أولا لثلاث سنين)، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر (نهي عن المنكر ثانيا).
_ ومنهج في بناء المؤسسة، حيث العمل الدائب لتقويتها ورفدها بكل جديد من النظم وتوفير مقومات النجاح، لتكون لائحة العقوبات في آخر القائمة “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
_ ومنهج في بناء الدولة، حيث بناء النظام السياسي العادل قبل عقوبة المتمرد، وبناء الإقتصاد والكفاية قبل عقوبة السارق، ونشر التعليم قبل معاقبة الجاهل، “الذين إن مكناهم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر”.
أو كما نعبر عنه الآن هي خطة شاملة في البناء والتنمية أولا.
_ ومنهج في الدعوة والإصلاح، حيث تعليم المدعوين دين الله وفرائضه ومقاصده ومحاسنه قبل بيان حدوده وعقوباته.
ولقد أمر الله بالصلاة والزكاة والإنفاق والعلم في عشرات الآيات وذكر الوعيد في آيات أقل منها بكثير.
وها هنا مسألتان:
الأولى: إن أولوية الأمر بالمعروف لا تعني ترك النهي عن المنكر، بل هما أمران يمضيان بالتوازي وان كانت الأولوية في الأداء والواجب هو للأمر بالمعروف .
الثانية: إن الأمر بالمعروف لا يختلف فيه عادة حيث الشرع والعقل يدلان عليه، أما المنكر ففيه الواضح البين، وهذا لا اختلاف على إنكاره، وفيه غير البين المختلف فيه، وهذا لا ينهى عنه، لذا قرر العلماء أنه: “لا إنكار في المسائل المختلف عليها”، فيكون الإنكار بهذا على المتفق على حرمته من المنكرات لا المختلف فيه.
والخلاصة: إن فلسفة الإسلام قائمة على أن الله تعالى جعلنا خلفاء الأرض نعمرها بعبادته وابتلانا بذلك، وجعل لهذا ما ينفع الناس يبقى والزبد يفنى، وجعل الحق يزهق الباطل، وجعل ذكر الله يخرس وسواس الشيطان، وجعل الأمر بالمعروف يحاصر المنكر ويقضي عليه، والإخلال بهذه المعادلة يفضي إلى نتائج سيئة ومعاكسة منهجية إصلاح الحياة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M