“البربر” في الإتنولوجيا الاستعمارية بالمغرب

09 أبريل 2019 18:05
قصبة «آيت بن حدو»: قلعة التراث الأمازيغي والإسلامي

هوية بريس – د. عبد الله الشارف

لقد كان دور الباحث الإتنولوجي، بالنسبة للمستعمر، لايقل أهمية عن دور الكولونيل في الجيش. وقد يكون الأول أكثر قيمة من الثاني، لأن هذا الأخير لا يخطو خطوة إلا بعد أن يعبد له الباحث الاتنولوجي الطريق، ويقدم له وصفا دقيقا للجهة التي يقصدها أو ينـوي محاربة أهلها. ومن هنا خصصت إدارة المستعمر أموالا طائلة في سبيل البحوث الإتنولوجية والأنتربولوجية والنشرات المتعلقة بها، وكذا إنشاء مؤسسات لتكوين وتأطير الباحثين.

وهكذا استمرت “البعــثة العلمية “ Mission Scientifique التي تأسست قبـل الإســتعمار بسنوات، في نشاطها وبحــثها، وبقيت مجلة “الوثائق المـغربية” Archives Marocaines التي ظهرت سنة 1904م تشق طريقها إلى منتصف الثلاثينيات. ولم تترك هذه المجلة مجالا من المجالات الاجتماعية المغربية دون دراسة وتحليل، حيث نشرت مقالات مطـولة عن تقاليد المغرب وأعرافه في المدن و القرى، وكتبت عن الدين وعن كيفية ممارسته لدى المغاربة، كما اهتمت بالكتابة عن الزوايا والطرق الصوفية والشيوخ وتأثير ذلك في عقلية المغاربة. وتناولت بالنسبة للجانب الاقتصادي؛ الحرف والمهن التقليدية، وبعض أنواع التجارة في المدن، ثم أساليب الزراعة والنشاط الفلاحي في البوادي إلى غير ذلك من المواضيع.
وانصب النشاط الإتنولوجي والأنتربولوجي أيضا، على القبائل والقرى البربرية، وما يتعلق بها من خصائص اجتماعية وثقافية، خصوصا بعد تأسيس المدرسة الفرنسية البربرية بالرباط سنة 1914م، والتي كانت تصدر مجلة شهرية تحمل اسم “الوثائق البربرية“، حيث بسطت المعلومات والأخبار والدراسات الأنتربولوجية عن النواحي والمجالات الاجتماعية البربرية. وبعد ذلك أطلق على هذه المدرسة سنة 1920م اسم “المعهد العالي للدراسات المغربية“. ولقد لعب المعهد دورا أساسيا فيما يتعلق ب “سياسة وحرب التهدئة”، التي كانت تستهدف إخضاع القبائل البربرية. وهكذا ظهر كثير من الباحثين الذين يتقنون اللهجات البربرية، والذين قاموا بمجهودات جبارة في سبيل قهر تلك القبائل.

وفي هذا الصدد يقول محمد المختار العرباوي في كتابه؛ “البربر عرب قدامى”،(منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، روما 1993، ص10):

“وسار الاستعمار الفرنسي في هذا الاتجاه وذلك من خلال:
1 ـ عزل العربية عن الحياة العامة في التعليم والادارة وغيرها، كما هو معروف في الأقطار الثلاثة: المغرب ـ الجزائر ـ تونس.
2 ـ محاولة جعل البربرية كبديل عن العربية حيث كتبت بحروف لاتينية، وصارت تدرس بصفة رسـمية سنة 1913م بمعهد الدراسات الشرقية ببــاريس، وقام أنـدريه باسي بنشاط حثيث طوال إقامته بأرض المغرب العربي لتحقيق هذا الغرض، والذي مارس هو الآخر تدريس اللهجات البربرية بالمعهد المذكور. ولم يكتف المستعمر بذلك، بل أنشأ في نطاق هذا المخطط “متوسطة أزرو” بمراكش لتعليم اللهجات البربرية.
وفي سنة 1925م أدمجت مادة اللغة البربرية في مقــــررات معهد الدراسات العليا بمراكش.
والاستعمار الفرنسي لا يقصد من وراء اهتمامه المزعوم، تطوير البربرية وجعلها أداة لغوية مقتدرة، وإنما اتخذها كخطوة تكتيكية لعزل العربية، مما يفسح له المجال لإحلال الفرنسية محل الإثنتين. وليس هذا القول مجرد استنتاج تم التوصل إليه من خلال التحليل لأساليب الاستعمار الثقافية في المنطقة، وإنما هو حقيقة تضمنتها مخططاته المبيتة. وقد عبر عنها الأستاذ جول فري ديمونبين بصورة لا لبس فيها بقوله: “يجب أن تقوم اللغة الفرنسية لا البربرية مقام اللغة العربية”.
وعلى صعيد آخر فقد أنشأ الاستعمار الفرنسي ما سمي “بالمدارس البربرية” وهي مدارس لا تدرس البربرية، وإنما الهدف منها فرنسة أبناء البربر لا غير، وهذا ما عبر عنه الكومندان “مارتي” أحد كبار دعاة السياسة البربرية، بقوله: “إن المدرسة الفرنسية البربرية هي مدرسة فرنسية بتعليمها وحياتها، بربرية بتلامذتها وبيئتها”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M