التربية الإسلامية والمظالم العشر

19 سبتمبر 2021 12:16

هوية بريس – أحمد شلاط

صدرت مؤخرا مذكرات في موضوع المراقبة المستمرة كانت سببا في ضجة التظلم الذي أثاره أساتذة التربية الإسلامية ومن يهتم بها ومن يغار عليها من عموم الشعب المسلم أصلا، وذكرني هذا الموضوع بحالة مشابهة ولكن كان الأمر يتعلق بالفلسفة سنة 2018حيث تمت برمجتها في الامتحان الجهوي بدل الامتحان الوطني للباكالوريا رغم أن التخصصات المهنية لا تمثل نسبة كبيرة في المنظومة رغم ذلك لم يهدأ بال أنصار الفلسفة حتى وصلوا إلى فرض الفلسفة في الامتحان الوطني بدل التربية الاسلامية التي تمت برمجتها في الامتحان الجهوي كسائر الشعب، وبقيت الفلسفة تحظى بالامتياز الغريب أنها المادة الوحيدة التي يمتحن فيها التلاميذ بجميع مسالكهم في الامتحان الوطني، والتربية الاسلامية هي المادة التي لا يمتحن فيها في الوطني لا تلاميذ التخصصات العلمية ولا الأدبية، وكتبت حينها مقالات من قبيل اغتيال الفلسفة اغتيال للعقل وما شابه، فهل يقبل قومنا أن نقول اغتيال التربية الإسلامية اغتيال للإسلام، أو اغتيال للدستور؟

المحاولة الأخيرة التي تم التراجع عنها واحدة فقط من سلسلة ما تعرضت له التربية الإسلامية من حيف وتهميش، وكانت مناسبة للتذكير بمظالمها المتراكمة والتي لم يخففها طول مقام من وصفوا بالإسلاميين في الحكومة ولو تكلمت في عهدهم لقالت صادقة: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند.

المحاولة الأخيرة لاستهداف  المادة،  والتراجع عنها لا ينبغي أن ينسينا التذكير بمشاكل المادة ومظالمها لعلها تصل إلى أهل الرشد من هذا البلد وهم كثير والحمد لله، فهم من يمنع محترفي الشذوذ عن هوية المغاربة  من المضي في مغامراتهم غير محسوبة العواقب … وهذه أبرز مظالم المادة وعددت منها عشرا وهي كالآتي:

  • ضعف الغلاف الزمني:

التربية الإسلامية في تعليمنا عموما وفي  التعليم الثانوي التأهيلي خاصة تتذيل جميع المواد من حيث الغلاف الزمني في مجموعة من التخصصات، فيدرسها تلاميذ الآداب لمدة ساعتين في الأسبوع، وينقص الغلاف الزمني بالنصف بالنسبة إلى تلاميذ الشعب العلمية كلها: العلوم الرياضية والعلوم الفزيائية وعلوم الحياة والأرض فلا يدرسون سوى ساعة يتيمة في الأسبوع، وليس هناك مادة دراسية في الثانية باك في هذه التخصصات يقل غلافها الزمني عن ساعتين إلا التربية الإسلامية. فتصل ساعات الفلسفة إلى أربع في بعض التخصصات، وتصل ساعات الفرنسية إلى ثمان ساعات، بمعنى ضعف مدة التربية الاسلامية أو أربعة أضعاف أو ثمانية أضعاف حسب التخصصات ….

وأنقل هنا فقرة من مقال الدكتور البورقادي وهو من مفتشي المادة والباحثين في قضاياها قال: “كنا نأمل أن يطبق ما ورد في وثيقة المنهاج يونيو التربية الإسلامية والمظالم العشر2016 ؛ الذي نص على ضرورة استفادة التلميذ المغربي في جميع المسالك والشعب من ساعتين كاملتين في مادة التربية الإسلامية؛ الشيء الذي لم يطبق طيلة خمس سنوات بخصوص الشعب العلمية والتقنية في السنة الثانية بكالوريا!! في مخالفة صريحة واضحة كاشفة للنوايا المضمرة تجاه المادة؛ مخالفة لما نصت عليه الوثيقة!!”

  • ضعف المعامل :

معامل التربية الإسلامية في جميع التخصصات هو: 2 في منظومة تربوية تصل فيها المعاملات إلى4 و5 و 7 وأكثر… حسب التخصصات ومعلوم تعامل المتعلمين مع المواد انطلاقا من معاملاتها فالمادة ذات المعامل الضعيف يعتبر المتعلم تأثيرها ضعيفا على نجاحه فيشجعه ذلك على التغيب في حصصها، وإذا حضر لا يبدي اهتماما .. . وفي المقابل المواد ذات المعامل المرتفع يجتهد المتعلمون في حضورها و في تحصيلها، بل يستكملون ما يجدونه من نقص بحصص الدعم المدفوعة خارج المؤسسة .

  • البرامج الدراسية

كانت محطة إخضاع برنامج المادة للتعديل والتغيير محطة محفوفة بكثير من الإشكالات ورافقتها سرعة غريبة وقياسية، فكيف يتم تغيير برنامج دراسي لمادة في جميع المستويات في بضعة أشهر ؟ وقد عاش أساتذة المادة ومؤطروها وتلاميذها في السنة  (2016-2017) سنة استثنائية، إذ انطلق الموسم وليس في حوزة الأساتذة سوى عناوين الدروس التي حصلوا عليها من شبكة المعلومات، ولم تصدر الكتب المدرسية إلى غاية منتصف شهر نونبر، وصدر الإطار المرجعي بعد صدور الكتب المدرسية، وقيل حينها عن الكتب إنها ستخضع للمراجعة ولم يحصل شيء من ذلك…. فكيف نتحدث عن الجودة بدون كتب جيدة؟ وكيف تتحقق الجودة في كتب تم تأليفها في زمن قياسي وبدون احترام الإجراءات المعمول بها في مجال التأليف المدرسي تحت ضغط الاستعجال ؟

  • اختلاف الكتاب المدرسي عن الإطار المرجعي

يكاد يكون شبه إجماع في صفوف أساتذة المادة ومفتشيها على ضعف فائدة الكتب المدرسية بصفة عامة، في السنة الأولى باك خاصة ، فالكتاب في واد والإطار المرجعي في واد آخر، والأستاذ والتلميذ ملزمان بالإطار المرجعي… مما زاد للأساتذة مهمة موافقة الدروس للإطار المرجعي، وإذا لم يقم الأستاذ بهذا المجهود يصبح المتعلم مطالبا به بجهده الفردي فإن لم يوفق سيكون في الامتحان أمام أسئلة يعجز عن الإجابة عنها، وسيكون صادقا إن قال بالقولة المشهورة : لم ندرس هذا أو الأستاذ لم يدرسنا هذا .

  • توزيع الدروس

من مشاكل المقررات الجديدة كون جميع الدروس المقررة ينبغي إنجازها خلال حصتين بدون تمييز بين درس وآخر، وبين درس القرآن ودرس المداخل، مع العلم أن أغلب الدروس لا يتيسر إنجازها خلال ساعتين، فقد تجد في درس القرآن مثلا 20 آية أو أكثر، وقد تجد في درس من التفاصيل ما يستحيل إنجازه في ساعتين كدرس الزواج، ودرس الطلاق في الأولى باك، مما يجعل إكمال المقررات في الوقت المحدد صعبا وغالبا ما يتم بحصص إضافية في وقت فراغ الأستاذ والمتعلمين … في المقابل كثير من المواد يتسع غلافها الزمني لإنجاز الدروس وحصص التطبيق وحص الدعم ويشتغل أساتذتها بدون ضغط…

  • الأستاذ المرهق أو غير المتخصص

لأستاذ التربية الإسلامية حصة الأسد من المتاعب بالاعتبارات السابقة المتعلقة بالغلاف الزمني وما يلزمه إنجازه… وكذ باعتبار عدد الأقسام المسندة في كل موسم، والذي يرتبط بضعف الغلاف الزمني للمادة، وهو ما يجعل جدول حصص أستاذ التربية الإسلامية يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من عشرة أقسام في الثانوي التأهيلي وفي التعليم الإعدادي يصل إلى 12 قسما، وفي كثير من المؤسسات بالعالم القروي تسند أقسام المؤسسة كلها لأستاذ واحد (12 قسما وثلاثة مستويات مختلفة). بمعنى المئات من التلاميذ، ويرتبط بهذا عمليات التقويم والفروض والتصحيح، فإجراء الفرض يعني تصحيح المآت من الأوراق لتصير مهمة الأستاذ لأسابيع في كل دورة هي التصحيح…

ومن مشاكل المادة المرتبطة بالأستاذ عدم احترام التخصص كما يحترم في المواد الأخرى، فمن الحالات الشاذة في هذا الباب فتح المجال أمام أساتذة اللغة العربية في الحركة الانتقالية وتخييرهم بين مادتهم و مادة التربية الإسلامية، مما يجعل عددا منهم يطلب تدريسها بهدف الانتقال لا غير، ولا يسمح بهذا في المواد الأخرى، بالرغم من تقاربها كالمواد العلمية واللغات الأجنبية… وتقاربها يفوق التقارب بين اللغة العربية والتربية الإسلامية…

  • التأطير والتكوين

من الأعطاب المزمنة كذلك ضعف التأطير والتكوين المستمر، وهو راجع بشكل أساس إلى قلة عدد المفتشين الذين يقل عددهم عن معدل مفتش لكل مديرية؛ فقد ذكر بعضهم أن عدد مفتشي المادة حوالي 60 مفتشا، فكيف يمكن لهذا العدد أن يؤطر أساتذة المادة على الصعيد الوطني؟ وكيف لمفتش تسند له مديريتان (نيابتان بالتعبير السابق) أن يقوم بالتأطير كما ينبغي؟ ومثل هذا العدد (عدد مفتشي المادة في المغرب) يستقبله مركز تكوين المفتشين في مباراة الولوج في موسم واحد فقط في بعض التخصصات، أما التربية الإسلامية فتفتح فيها مباراة التفتيش في سنة وقد لا تفتح في سنة أو سنوات، وأحيانا تفتح ويكون عدد المناصب محصورا في عشرة أو عشرين على الصعيد الوطني، فمثلا مباراة السنة الماضية تباراى العشرات من الأساتذة الذين تم انتقاؤهم على منصب واحد في كل جهة علما أن الخصاص في بعض الجهات يزيد عن ذلك بكثير …

  • طرق التدريس

في السنوات الأخيرة، أصبح تدريس التربية الإسلامية مرتبطا بالتدريس بالوضعيات، والتقويم بالوضعيات، وجرى وضع مجموعة من الشروط لصحة الوضعية. ويلاحظ الحرص الشديد من قبل المؤطرين والمكونين على هذا الأسلوب، والذي نتج عنه احتلال الوضعيات لمكانة النصوص الشرعية؛ حتى أصبحت بعض امتحانات المادة شبه خالية من النص الشرعي، وبدل أن يشتغل الأستاذ والمتعلم على النصوص الشرعية فهما وتحليلا واستنباطا، يشتغل على قال فلان وقالت فلانة، وموقف زيد وموقف عمرو …، وتأخذ دراسة الوضعية من بعض الأساتذة أكثر مما تستحق من الغلاف الزمني الضيق أصلا، ويلح بعض المؤطرين على اعتماد الوضعيات في أغلب أنشطة الدرس انطلاقا وتقويما، فأصبحت الوضعية في مركز طريقة التدريس والنص في الهامش، مما يبرر المخاوف من أن تكون هذه الطريقة تستهدف المادة من الداخل لضرب خصوصيتها ولتقزيم أثر النص الشرعي ….

  • الفراغ الديداكتيكي

منذ صدور الكتب المدرسية الجديدة في موسم 2016-2017 والمادة تعيش ما يمكن وصفه بالفراغ الديداكتيكي، نظرا لعدم صدور التوجيهات التربوية التي من المفروض أن تواكب التغيير الذي حصل في المنهاج، فإذا كان إكراه السرعة في الموسم الأول عذرا فما العذر في السنوات الموالية والمنهاج الجديد يناهز عمره الخمس سنوات؟ أم هو الإصرار على ترك المادة في وضع التخبط في طرق التدريس، فيجتهد المفتشون بشكل فردي غالبا في ملء الفراغ، وتتعدد الاجتهادات وتختلف، وكلما تغير المفتش يصبح أساتذة المادة أمام اجتهاد مخالف أو ربما مناقض لسابقه، مما يفتح المجال للاحتقان في العلاقات بين المفتشين والأساتذة . ومن الغرائب في اختبارات مباراة التفتيش للسنة الماضية تضمنها لسؤال يتعلق بالتوجيهات التربوية وهي غير موجودة أصلا !!

  • الاتهام و التحريض

ينطبق على التربية الإسلامية المثل الشعبي “طاحت الصومعة علقوا الحجام ” فكلما وقعت  كارثة أو سلوك وصف بأنه إرهابي كلما برز في الساحة الإعلامية محترفون للتحليل والتعليق والتفسير وفي كثير من الأحيان ما يفاجأ المهتمون بالمادة بتحميلها مسؤولية انزلاقات وأخطاء أو حتى جرائم ارتكبها قوم لا علاقة لهم بالتربية الإسلامية بل منهم من لم يدرسها أصلا، ومن لديه الجرأة لوصف الرسول صلى الله عليه وسلم أو وصف رسالته إلى هرقل بأنها إرهابية كيف يتورع عن وصف المادة بما شابه من أوصاف قدحية ؟ أمثال هؤلاء يستغلون كل فرصة وكل مناسبة لنفث كراهيتهم للمادة ومضامينها وتحريض المسؤولين على  تقزيمها تارة وعلى تعديل برامجها تارة أخرى .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M