التكافل الاجتماعي في الإسلام: أسسه ومظاهره

24 يوليو 2019 19:33
التكافل الاجتماعي في الإسلام: أسسه ومظاهره

هوية بريس – د . محمد بنينير

تمهيد:

لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً ببناء أمة ومجتمع متعاون متكافل يتناصح أفراده بالمعروف، ويتناهون عن المنكر «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ »[آل عمران: 110].
ومن الواضح أنَّ تكوين الأمة لا يتم إلا من خلال الاهتمام بالعلاقات التي تربط بين أبنائها المنضوين تحت لوائها، وبين الجماعات الأخرى التي تتعاون معهم على الخير، ولذا فإنَّ الإسلام في عقيدته، وشريعته يهدف إلى بناء المجتمع الإسلامي بصورة سليمة لينال الإنسان فيها سعادته ورفاهيته، ويشكل التكافل الاجتماعي بين المسلمين أبرز الدعائم الدينية والإنسانية التي تصنع سعادة الإنسان ورفاهيته، وتوفر له أسباب العيش الكريم وتمكنه من أداء رسالته في الحياة على أحسن وجه.

أولا.. القواعد الأصول لبناء المجتمع المتكافل:

1- رابطة العقيدة السليمة: وهي توحيد الله عز وجل، فقد دعا الإسلام إلى اجتماع الناس على توحيد الله تعالى، لأنَّ عقيدة التوحيد أعظم رابطة في توحيد الأمة، لا تفوقها رابطة أخرى، فالوحدة العقدية تجمع قلوب الناس على مبدإ واحد، وتدفعها في اتجاه واحد، وتُذَيبُ جميع الفوارق الأخرى سواء كانت اقتصادية، أو قومية، أو عرقية أو غير ذلك، يقول تعالى: « إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ »[الأنبياء: 92]. وهكذا يثمر التوحيد الوحدة الاجتماعية بين مختلف أفراد المجتمع الإسلامي بدون استثناء «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» [الحجرات: 10].
2-  الولاية بين المؤمنين: يقول عز وجل: « وَالْمُومِنُونَ وَالْمُومِنَاتُ بَعْضُهُمُ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُوتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  » [التوبة: 71] وهي بمعناها تشمل: المحبة، والتناصر، والتعاون على البر والتقوى، وهذه الرابطة هي فرع لرابطة التوحيد، فإنَّ المؤمن يتولى المؤمن، لأنَّهما يرتبطان برباط التوحيد لا غير، فولاية المؤمن للمؤمن فرع عن موالاة الله عز وجل وموالاة رسوله ، لأنَّ الولاية بالأصل هي لله تعالى، وغيرها فرع عنها ويرجع إليها، وعلى هذا الأساس جُعِلَ المؤمنون في ترابطهم كمثل الجسد الواحد يحس كل عضو بآلام الأعضاء الأخرى، يقول الرسول : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى «  صحيح مسلم.

وكما يتبادل المؤمنون الحب فإنهم يتبادلون العطاء مما أنعم الله عليهم به بمقتضى هذه الولاية، ولذلك قال  «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ…» صحيح مسلم.

ومن هنا وُصِفَ المتوالون بأنهم (جيران الله في دار رحمته)، أي أنهم حازوا أسمى منازل القرب من الله، وهو تعبير دقيق عن المنزلة الرفيعة التي منحها الله لأوليائه، قال : «إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الشهداء والنبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه، فجثا أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله صفهم لنا وجلهم لنا ؟ قال :  قوم من أفناء الناس، من نزاع القبائل، تصادقوا في الله وتحابوا فيه، يضع الله عز و جل لهم يوم القيامة منابر من نور، يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله عز و جل الذين “لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” » السلسلة الصحيحة للألباني.

3-  رابطة الإنسانية: فالبشر أبناء طينة واحدة، مصدرهم واحد، ومآلهم واحد، منه يصدرون، وإليه يرجعون، أبناء أب واحد وأم واحدة، قال  « الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب » رواه الترمذي بسند حسن، هكذا أقر الإسلام الرابطة الإنسانية بين أبناء البشر في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» [الحجرات: 13].

ومن أكبر مظاهر التعارف بين الناس إشاعة خلق الكرم والجود بين الناس، حتى قال بعض الفلاسفة قديما “الوجود ينفعل بالجود”، أما الإسلام فقد بين أن طريق محبة الله يسلكه العبد عبر بوابة الإحسان إلى الخلق، ولذلك قال الرسول : «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا، أو يطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ( يعني : مسجد المدينة ) شهرا … ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام… ] . السلسلة الصحيحة ( حسن ).

وقد حقق المسلمون قديما نظاما للتكافل الاجتماعي شمل جميع الناس مسلمهم وكافرهم، فقد خصص عمر بن الخطاب رضي الله عنه معاشا من بيت مال المسلمين ليهودي مسن كان يسأل الناس من شدة فقره، فرأى عمر بثاقب فقهه أن الدولة كانت تأخذ منه الجزية في أيام قوته ورخائه، ولذلك يلزمها أن تخصص له معاشا في حال شيخوخته وضعفه.

ثانيا.. موجبات التكافل في الإسلام ومظاهره:  

1- العبادة هي شكر النعم: التعرف على الله بالإحسان إلى خلقه

تقوم عبادة الله على معرفته بما أفاض علينا من الخيرات والنعم أولا، حيث تقر قلوبنا بذلك وتسلم به، ثم تفيض قلوبنا وألسنتنا حمدا لهذه النعم وشكرا لها ، ثم تتحرك أيدينا بذلا وعطاء مما أفاء الله علينا، ولذلك كانت العبادة هي التعرف على الله والاعتراف بفضله، ثم التعرف على خلقه بالإحسان إليهم، فقد قال سبحانه وتعالى «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» [الذاريات: 56 – 58].

وقد روي عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما أنهما فسرا قوله تعالى “إلا ليعبدون” ب “إلا ليعرفون”.

وقال ابن الجوزي في تفسيره “زاد المسير” في تفسير قوله تعالى : « ما أُريدُ منهم من رِزْقٍ » { أي : ما أُريدُ أن يرزُقوا أنفسهم « وما أُريدُ أن يُطْعِمون » أي : أن يُطْعِموا أحداً من خَلْقي، لأنِّي أنا الرَّزّاق. وإنما أسند الإطعام إلى نفسه، لأن الخلق عيالُ الله، ومن أطعمَ عِيالَ أحد فقد أطعمه }. انتهى كلام ابن الجوزي.

وقد اعتمد ابن الجوزي على ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” يقول اللهُ عز وجل يوم القيامة : … يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ” . رواه مسلم “.

2- التحلي بصفات الخالق: الرحمة بالخلق

جاء في “المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى” للإمام الغزالي رحمه الله، في شرحه لاسمي “الرحمن الرحيم” قال «اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة تستدعي مرحوما ولا مرحوم إلا وهو محتاج، ورحمة الله عز و جل تامة وعامة، أما تمامها فمن حيث أنه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها، وأما عمومها فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق، وعم الدنيا والآخرة، وتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما، فهو الرحيم المطلق حقا…الرحمن أخص من الرحيم، ولذلك لا يسمى به غير الله عز و جل».

ثم بين بعض تجليات الرحمة التي ينبغي أن تظهر في سلوك العباد وهم يهتدون بأحد أعظم أسماء الله الحسنى، حيث قال « وحظ العبد من اسم “الرحيم” أن لا يدع فاقة لمحتاج إلا يسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيرا في جواره وبلده إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره، إما بماله، أو جاهه، أو السعي في حقه بالشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك فيعينه بالدعاء، وإظهار الحزن بسبب حاجته، رقة عليه وعطفا حتى كأنه مساهم له في ضره وحاجته سؤال وجوابه».

3- أداء الحقوق الواجبة حسب الأولويات:

قال الله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا» (النساء:36).

ففي هذه الآية الجامعة يبين الله تعالى مراتب الحقوق التي تحقق معنى التكافل بين المسلمين، وقد بدأها عز وجل بذكر أصل هذه الحقوق وهو عبادته وتوحيده أولا، ثم ثنى بحق الوالدين في الإحسان إليهما قبل غيرهما لأنهما أعظم الناس فضلا على الإنسان بعد الله الكريم المتعال، وفي المقام الثالث ذكر سبحانه ذوي القربى، وترتيبهم في الشريعة الإسلامية يبدأ بالأبناء والزوجة، ثم الإخوة والأخوات، ثم الأعمام والعمات وأبناؤهم، ثم الأخوال والخالات وأبناؤهم. وفي المقام الرابع ذكر سبحانه اليتامى والمساكين لأن اليتامى لا كافل لهم، والمساكين لا يجدون كفايتهم من العيش، ويزداد حق اليتامى والمساكين إذا كانوا من ذوي القربى. وفي المقام الخامس ذكر الله تعالى قرابة السكن وهم الجيران، فبدأ بذكر الجار القريب ثم أتبعه بالجار الجنب وهو البعيد، ومحددات القرب والبعد تدخل فيها ثلاثة عناصر: حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، فنقدم الجار القريب المسلم لأن له ثلاثة حقوق، ثم يليه الجار المسلم لأن له حقان، وأخيرا يأتي الجار غير المسلم الذي له حق الجوار فقط، وإذا تساوى الجيران في الحقوق السابقة فإن الإسلام يضيف ضابطا رابع من ضوابط القرب وهو قرب المسكن،  فعن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال : ” إلى أقربهما منك بابا ” رواه البخاري.

أما الصاحب بالجنب فهو الذي يجاورك مؤقتا كالصاحب في العمل، أو في السفر، أو في المجلس الواحد، أو غير ذلك، وتسري عليهم نفس الضوابط السابقة في مسألة التكافل والصلات معهم.

وسادسا و أخيرا ذكر رب العزة ابن السبيل وهو المسافر الذي افتقر في سفره، ثم ملك اليمين (الرقيق: العبيد والجواري)، وقد أخر الله ذكرهم لأنهم في العادة يعتاشون من نفقة الإنسان على نفسه وأهله، لكن الله حذر من إهمالهم وتضييع حقوقهم، وقد انقرضوا في زماننا هذا والحمد لله.

4- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم:

قال الله عز وجل: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: 4)، ومن عظمة أخلاقه  أنه كان أجود الناس، وكان يعطي من يسأله كيفما كان حاله، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان يحب نماذج الجود والتكافل الموجودة بين أصحابه ويثني عليها، فقد فرح كثيرا لنموذج التكافل الفريد والمتميز بين الأشعريين من أهل اليمن، فعن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي  «إنّ الأشْعريّين إذا أرملُوا (افتقروا) في الغزْو، أو قلَّ طعامُ عِيالهم بالمدينةِ؛ جَمعُوا ما كانَ عندَهم في ثوْبٍ واحدٍ، ثم اقتسمُوه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسَّوِيَّةِ، فهم منّي وأنا منهم» (متفق عليه).

أما عندما رأى قوما من عرب مضر في حالة يرثى لها من الفقر  فقد تمعر وجهه  (تغير لونه من الحزن) لِما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى، ثم خطب في الناس وحثهم على الصدقة  حتى قال: “ولو بشق تمرة”. فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى اجتمع كومان من طعام وثياب، فتهلل وجه رسول الله  كأنه مذهبة (الذهب اللامع)، ثم قال رسول الله  : ” من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء “. رواه مسلم، وهكذا حبذ  وضع السنن الاجتماعية التي تقوي جانب التكافل بين المسلمين، لأنه عبادة اجتماعية تتطلب ابتكار أساليب جديدة (سنن حسنة) تناسب متغيرات الزمان والمكان، حتى يصل نفعها لكافة الفئات الضعيفة والمحرومة، وبالمقابل حذر  من السنن السيئة التي تقتل روح التكافل وتنشر أخلاق الأنانية والشح والأثرة بين المسلمين، وتقتل روح التماسك في المجتمع الإسلامي.

 خاتمة:

قال الشاعر قديما:

إِذا العِبْءُ الثقيلُ تَوزَّعَتهُ    ///       أَكُفُّ القومِ خَفَّ على الرِّقابِ

هكذا هو التكافل الاجتماعي بين المسلمين، إنه الصورة المثلى للعمل الجماعي المشترك، حيث تتآزر الأيدي لحل معضلة الفقر والحرمان وكل المعضلات التي تهد كيان المجتمع، والتي تشكل خطرا على أمنه وسلامته وتعطل تنميته وتضعف قوته، لأن الفرد الواحد يعجز عما تقوم به الجماعة، فإرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد:

تأبى العِصِيُّ إذا اجتمعنَ تَكسُّراٌ    ///    وإذا افترقنَ تَكسَّرتْ آحادَا

لكن التكافل الاجتماعي يتطلب شروطا وآدابا لا بد من استحضارها واصطحابها ليكون مفعوله أقوى، وتكون نتائجه مضمونة بنسبة عالية، وأول شروطه الإخلاص لله تعالى ونكران الذات، ثم تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وكذلك الصبر والتضحية وعدم الاستسلام للكلل والملل، مع توخي الإحسان والإتقان في العمل، وعدم الالتفات للمثبطين من أصحاب النقد الهدام وقد يكون منهم بعض المستفيدين من العمل التكافلي ممن ينكرون الجميل، وهنا نستحضر الحكمة التي تقول “اثنان لا تنساهما: اللهُ والدارُ الآخرة، واثنان لا تذكرهما: إحسانُك للناس وإساءةُ الناس إليك”، وقد قيل قديما “اتق شر من أحسنت إليه”، لأن من أخلاق التكافل عدم المن والأذى، فصانع الخير يتقرب به إلى الله عز وجل ولا يهتم بمن يمدحه أو يقدحه على صنيعه للخير، والناس عامة لا يعدم فيهم أهل المروءة والفضل ممن يعترفون بالجميل ويساعدون على فعله، وهؤلاء بقدر ما نحسن إليهم فإننا نكسبهم كطاقات جديدة عاملة في هذا الميدان، لأن من بركة التكافل التربية على التكافل خاصة عند ذوي القلوب الطيبة الذين يجازون على الحسنة بمثلها أو بأحسن منها، ولذلك وجب العمل واستحضار الأمل وتجنب اليأس والتشاؤم، ورب خطوة صغيرة نُؤسس لها اليوم تصير غدا جبلا عظيما من المنجزات التي تتحقق بها أحلام الحاضر، وصدق رسول الله  حينما قال “أحب الأعمال إلى الله أدْومُها وإن قَلَّ”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M