الجزيرة: ذهب تحت الأرض وفقر فوقها.. هنا يعيش فقراء جبال الأطلس

10 يناير 2019 23:38
الجزيرة: ذهب تحت الأرض وفقر فوقها.. هنا يعيش فقراء جبال الأطلس

هوية بريس – الجزيرة

فركت زهرة أصابع يديها المتشققتين الباردتين، ورمشت عيناها بسرعة وهي تدافع الخجل والتوتر، واحمرت وجنتاها وارتجفت شفتاها وهي تقول متنهدة: “كنت أحلم أن أصير طبيبة”.

بعربية تغلب عليها لكنة لغتها الأم الأمازيغية، تابعت زهرة ذات السبعة عشر ربيعا حديثها مع الجزيرة نت، ودموع عينيها تتراقص بين أهداب ترفعها على استيحاء: “ظروف المنطقة والعزلة ووضع عائلتي المادي حال دون متابعتي للدراسة”.

أطفال دوار إمتيلي بآيت حدو يوسف بالأطلس الكبير تبدو عليهم علامات الفقر وقساوة البرد (الجزيرة)

سجن كبير مفتوح
قبل أن تسمح زهرة لدموعها بالانسياب، تحشرج صوتها وتقطعت كلماتها وهي تحكي عن برنامج يومها هي ومثيلاتها من بنات دوار “إمتيلي” ودواوير جماعة “آيت حدو يوسف” بمرتفعات الأطلس الكبير بالمغرب.

تنعت ما تفعله باللاشيء رغم كثرته وصعوبته، “أستفيق كل صباح، أساعد والدتي، أعتني بإخوتي، تارة أنظف، وتارة أهيئ الطعام، وأخرى أخرج للحقول لجمع الحطب والكلأ”.

وبصوت مبحوح وعيون شاخصة ترقب المجهول، تقول زهرة التي لم تغادر منطقتها يوما “أريد أن أخرج من هنا، أن أرى العالم والناس، أن أغير حياتي، لكن لا فكرة لي كيف، ولا أعرف متى”.

فيما يشبه سجنا كبيرا مفتوحا على السماء، تعيش زهرة وأبناء قرى جماعة حدو يوسف العزلة وقلة ذات اليد، يقاومون قساوة المناخ الجاف والقاري، البارد شتاء والحار صيفا، إضافة لوعورة المسالك.

قريبا من العالم بعيدا من البلد.. استئناس وقرب ولغة الموسيقى تجمع سكان المنطقة (الجزيرة)

عزلة وشظف عيش
لتصل دواوير جماعة آيت حدو يوسف من أقرب مركز قروي ‘إيمين تانوت” تلزمك ثلاث ساعات، كلها منعرجات صعبة. تتكون الجماعة من حوالي 15 منطقة، أغلبها معزول لا تصلها الطريق، ولا يمكن دخولها إلا مشيا على الأقدام، ويجمعها سوق أسبوعي “خميس حدو يوسف”.

لا وجود هنا لنقل عمومي، سيارات الدفع الرباعي الخاصة بالطرقات الوعرة معدودة على رؤوس الأصابيع، تقدم خدمة النقل بالتوافق، إن أخلفت موعدها في الخامسة صباحا فإن عليك أن تنتظر إلى يوم غد.

الجزيرة نت زارت أحد الدواوير (إميتلي) وعاشت مع الساكنة أسلوب حياتها.

أطفال يخبئون وجوههم بدءا، قبل أن يقتربوا منك والفضول دافعهم، وفتيات في عمر الزهور، لا شقراوات ولا سمراوات، تلونت بشرتهن بلفحة الشمس القاسية، وتشققت من قساوة الصقيع، يلتحفن أثوابا بالية، ويخبئن خصلات شعر متمردات بغطاء للرأس على طريقة الكبيرات، يرقبن كل زائر جديد لعله يحمل معه أملا أو عطاء أو حلما.

وحدها نار الحطب بالكانون تواجه صقيع الخارج (الجزيرة)

ثلج وجوز ونار
وقفنا على قسوة المناخ وجفافه، وبعد الطريق وعزلة الساكنة في بيوت صغيرة مصنوعة من المواد الأولية تشبه في لونها الجبل الذي تؤثثه، تدب الحياة في القرية رويدا رويدا، تبدأ أشعة الشمس في فك عقدة الصقيع عن الأحياء والنبات، ويتسلل الإنسان خارج البيوت ليعانق الشمس ويبدأ الكدح.

يتوجه الصغار للمدرسة المكونة من قسم واحد يجمع المستويات الستة للابتدائي، وتتجمع الفتيات اللواتي لم يتجاوزن المستوى السادس من التعليم في دوائر يتبادلن أطراف الحديث، قبل أن يتوجهن لجلب الماء أو الحطب من أجل الطهي والتدفئة. أما النساء فتتجاذبهن أعمال شاقة بين إعداد ما يأكله الأطفال وما تأكله النار.

يعمل سكان الدوار المتكون من حوالي 27 كانونا (الكانون قد يضم أسرة نووية من ثلاثة أفراد أو أربعة) بالزراعة المعيشية البسيطة، يربون بعض الماشية والدواجن، ويستغلون شجر الجوز وبعض شجيرات اللوز.

أطفال عيونهم متطلعة لكل أمل قادم من بعيد (الجزيرة)

سفر في الزمن
في زيارتنا التقينا سهام بن إبراهيم من سكان آيت حدو يوسف دوار تسا، وهي مستشارة جماعية، حكت لنا عن سفرها في الزمن بين الدواوير والمراكز الحضرية والمدن الكبرى.

قالت سهام والحسرة تخنق صوتها “أزور مناطق عدة، وأرى أين وصلت المرأة المغربية وأعود إلى قريتي لأجد الزمن توقف في حقبة غابرة، أحاول الولوج إلى حلم النساء، عسى الواقع يتغير. أكتب للمسؤولين، وأبعث المراسلات، عسى الواقع يتغير”.

وتضيف سهام “لا تعرف نساء بلدتي غير حجارها وجبلها وحطبها، لا يغادرنها إلا انتقالا من شقاء بيت الأهل إلى شقاء بيت أهل الزوج، أو على نعوش الموتى للولادة، ولا يستطعن ولوج المستشفيات ولا التطبيب”.

نساء يدرن في فلك صغير شاق وشظف العيش لا تخطئه العين (الجزيرة)

النساء يعانين الأمرين
حكى لنا يوسف حجي (25 سنة) -وهو واحد من الشباب القلة المقيمين في الدوار الذي لاحظنا أنه ممتلئ بالنساء والأطفال والعجزة، وقد رافقنا في جولة بالمنطقة- عن أهم الأنشطة، وقال “إذا كان التطور يطال كل مناطق العالم، فالوقت هنا يتوقف عن الدوران”.

ويوضح يوسف وهو ناشط اجتماعي يطمح للإسهام في تنمية منطقته؛ كيف تعاني النساء الأمرّين من الجهل والفقر والمرض، وكيف يضطر السكان حين تحاصر القرية الثلوج من كل ناحية، إلى حمل الحالات المستعجلة من المرضى فوق نعوش الموتى ليوصلوها إلى الطريق.

الخبز على النمط القديم وتمرير المهارات بين الأجيال (الجزيرة)
حكاية فقر وذهب
وفيما يشبه الأساطير، يحكي سكان الدوار عن وجود ذهب في الجبل المقابل لهم، وتجزم سهام ويوسف وغيرهم بأن الجبل الذي يعاني ساكنته من التهميش والفقر والهشاشة، ينام فوق الذهب؛ وهو ما لم نستطع إثباته أو نفيه، ولا أحد يعرف اسم الشركة التي تظهر معداتها في المكان.

في رحلة نحو قمة الجبل المقابل للدوار، رصدنا مكانا لرسو مروحية ومعدات للحفر والتنقيب، في حين حكى لنا سكان القرية أن الشركة تستخرج المعدن ولا يعرفون عنه أية تفاصيل، ويظهر بالجبل ثقب كبير كأنه تهوية لمنجم يوجد في سافلة الدوار، كان يشتغل وتوقف حديثا.

ويعرف الناس أن نحاسا يستخرج من هناك، في حين تقول سهام “إنهم يستخرجون الذهب ويوهمون الناس أنه نحاس”. وفي سفح الجبل صادفنا حجارة ثقيلة يظهر منها أنها أحجار رخامية.

عدنا من إيمتلي ومعنا سؤال يؤرقنا “هل ينام فقراء آيت حدو فوق الذهب وهم يعانون شظف العيش؟!”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M