“الحَيَّاحة” والحريات الفردية والنموذج التنموي الملكي

10 أكتوبر 2019 17:52
"الحَيَّاحة" والحريات الفردية والنموذج التنموي الملكي

هوية بريس – ذ. إبراهيم الطالب

أعلن العاهل المغربي ملك البلاد في خطاب سابق له موجه إلى المغاربة أن النموذج التنموي الذي كان معمولا به قد أثبت عدم قدرته “على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”.

كل المغاربة ملكا وشعبا وحكومة يعلم أن المغرب على وشك الانهيار، وأن كل المرافق الاجتماعية الكبرى مثل التعليم والصحة مفلسة فاسدة، كما يعلم الجميع أن المواطن محتقن غيظا، مستاء من سوء التدبير، ومن الفشل المتكرر المتراكمة آثاره منذ عقود.

فساد متنوعة وجوهه ومستوياته، وخطيرة آثره على أداء أهم شريحة في المجتمع وهي الشباب عمدة نهضة الأمم.

الشباب المغربي ضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض من حوله رغم غناها باطنا وظاهرا، فآثر المنفى الاختياري، فصار رقما كثير الأصفار في ملف “هجرة الكفاءات”، وكيف يلام من لم يستطع فرارا من هيمنة البطالة التي بلغ معدلها 40%، شبابنا هؤلاء صرفت عليهم ملايير الدولارات التي كانت موضوع قروض سابقة استدانتها الدولة من الصناديق الدولية لتمويل النموذج التنموي الفاشل، فبقينا نحن نتخبط في سداد أصل الدين وما شروطه الربوية.

في حين استقبلت مصانع ومختبرات الدول المانحة صاحبة الدين أبناءنا اليائسين لتستكمل بهم نموها، وتضمن بهم استمرار هيمنتها العلمية والاقتصادية؛ فلما عقمت بطون نسائها أن تلد أكثر من ولد واحد في أحسن الأحوال تفاؤلا، استطاعت بفعل الفساد المستشري في بلادنا أن تستقطب خيرة أبنائنا. هذا فيما يخص الكفاءات العالمة.

أما آلاف الشباب الضائعين ضحايا الهدر المدرسي سياسات التفقير، فاستحبوا الموت في خضم البحار على الحياة في الذل والفقر واليأس، ومن نجا منهم كان عاملا أجيرا بجنب الكفاءات المغربية التي ذكرنا سالفا.

في وضعية مثل هذه وفِي أوج الحديث عن المشروع التنموي الجديد، تتداعى جوقة الحريات الجنسية وتوحّد أصواتها لتضغط بقوة على واضعي سياسات النموذج المذكور، حتى تشرع للمغاربة المسلمين حريات تمكن الرجل من أن ينكح رجلا، والمرأة من أن تعاشر امرأة، يضغطون لـ”يستمتع” الشعب المغربي الذي يعيش أغلبه تحت خط الفقر بالزنا وممارسة الجنس خارج إطار الزواج.

جوقة الحريات الجنسية هذه تمثل في أدغال المغرب الموحشة دور “الحياحة” الذين يستنفرون الطرائد حتى يتمكن القناصون من ضربها في مقتل.

القناصون في هذا المشهد هم المنظمات الدولية التي تفرض نظرتها العلمانية على شعوب كل الدول لإلحاقها ثقافيا بالنموذج الحضاري الرأسمالي الغربي، القناصون هم من مول خطة إدماج المرأة في التنمية التي جاء بها “التقدميون” “الحياحة”، فغابت التنمية ولَم يحصل منها شيء بعد 25 سنة من التطبيق، في حين شطب ركن الولي من عقد الزواج، وكثر الأطفال المتخلى عنهم نتيجة الزنا، وارتفعت معدلات الإجهاض، ورأينا النساء العاملات أغلبهن خادمات في البيوت، أو نادلات في المقاهي، أو راقصات في العلب الليلية، يتاجر بأجسادهن أرباب الأموال الذين يقيمون لهن تكريما في عيد المرأة لتحسيسهن في يوم واحد فقط أنهن من البشر.

“الحياحة” هم أولئك الذين يركزون في كل محطة تحاول فيها الدولة الخروج من حالة الإفلاس أن يُحوّلوا النقاش من الحديث عن العدالة الاجتماعية إلى الحديث عن حق اللواطي في العيش بكرامة وممارسة ميوله الجنسي دون مضايقات.

“الحياحة” هم أولئك الذين يبيعون وهم الحرية لمواطن يشكو التهميش والقهر والفقر والمرض.

“الحياحة” يعلمون يقينا أن المغربي البئيس المقهور له “حرية” كبيرة في اقتناء قنينة خمر حمراء سموها له باسم أكبر قبيلة مغربية مجاهدة، له كل الحرية في احتسائها دون أن يتعرض لاعتقال، فالأرقام التي أعلنتها الشركة السويسرية، المفوض لها تقديم خدمات وضع العلامات الضريبية لبعض المنتجات الخاضعة لضريبة الاستهلاك المحلي، تفيد أن المغاربة استهلكوا في 3 سنوات الأخيرة ما يعادل 310 ملايين لتر من الجعة فقط، أي ما يعادل 103 ملايين لتر في السنة.

“الحياحة” عندما يطالبون بإسقاط التجريم عن تناول المخدرات والخمور من باب الحرية الفردية، يعلمون أن الفقراء الذين لا يجدون المستوصفات والمدارس لأبنائهم، تُوفَّر لهم قنينة الجعة أو “البيرة” أكثر مما يوفر لهم دواء الأنسولين مثلا، إذ يصل عدد نقاط بيع نوع الخمور المذكور إلى 60 ألفا، بمعدل 4 نقاط لكل 1000 نسمة بالوسط الحضري، في حين للمقارنة فإن المعدل بفرنسا هو نقطة واحدة لكل 10 آلاف نسمة، حسب دراسة للمهندس نور الدين بلفلاح تناولتها وسائل إعلامية بالتحليل والنشر.

“الحياحة” أعضاء جوقة “الحريات” لا يناضلون من أجل عشرات الآلاف من الشباب الذين اجتمع عليهم الفقر والجهل وضعف التدين ليجدوا أنفسهم في مستنقعات الجريمة، يتخبطون فيها طيلة شبابهم، كلما خرجوا من السجن عادوا إليه بتهم أكبر وأشنع، لا يهتم “الحياحة” الحقوقيون جدا، بحالة العود التي أصبحت ظاهرة خطيرة أثبتت الدراسة الميدانية فظاعتها.

“الحياحة” لن يناقشوا أرقام الدراسة الرسمية التي أنجزتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حول ظاهرة العود، والتي خلصت إلى أن 80% من حالات العود للجريمة لم تتلق أي علاج، وأن المخدرات والكحول على رأس أسباب الجرائم.

لن يطالب “الحياحة” سواء من “وليدات فرنسا” أو من المنظمات الحقوقية وزعامات الأحزاب المفلسة الغارقة في التقليد لكل ما هو غربي دون وعي ولا دراسة ولا نقد؛ لن يطالب هؤلاء بدراسة علاقة الخمور التي تنتجها الدولة وتستفيد من ضرائبها في تمويل المشاريع التنموية وعلاقتها بارتفاع معدلات الجريمة وحالات العود إليها.

لن يطالبوا بدراسة العلاقات بين الحريات التي توسعت في المغرب بخصوص ممارسة الجنس خارج إطار الزواج (الزنا/السفاح) وعلاقة ذلك بارتفاع معدلات الإجهاض، ومعدلات التخلي عن الأطفال الرضع نتاج الزنا ورميهم في المزابل وفِي الطرقات.

حتما سيقولون: انظروا إلى الدول المتقدمة كيف وجدت الحل، وصارت تنشئ ما أصبح يسمى بالبيبي بوكس؛ «Baby box»، يُتخلص فيه من الرضع لتجنب رميهم في القمامة.

“الحياحة” هم أولئك الذين يقدمون الأسرة المغربية فريسة للصناديق المُموِّلة للمشاريع التنموية، ويخرجون في وسائل الإعلام الدولية ليبينوا للغرب أن المغاربة مع المفهوم الغربي للحريات والحقوق دون تحفظ، ويضغطون على الدولة حتى تستجيب للضغوط الغربية، هؤلاء في الحقيقة أعداء كل تنمية؛ هم ليسوا أعداء الدين لأنهم لا يعرفونه، فهم يكرهون سماع أي خطاب ديني؛ هم فقط أعداء للمغاربة.

هؤلاء المساكين لما دَفنوا أنوفهم بين أفخاذهم، صارت ألسنتهم تلهج بكل ما اتصل بالأجهزة التناسلية، لا يناقشون آثار ما يدعون إليه، لا يستفيدون حتى من دراسات الغرب لمآلات تطبيق النظرة العلمانية الفردانية على الفرد والأسرة والمجتمع.

ولأن الدين الإسلامي دين اعتدال ووسطية في كل شيء، فهم يَرَوْن القيود التي وضعها الشرع وما تبقى منها في القوانين المغربية رغم تحريفها وإضعافها، منتهكة للحريات وقامعة لهم.

وصدق الله الذي بيَّن لنا تدبير الحريات الفردية وتصريف الشهوات الجنسية وأوضح لنا التناقض الأزلي بين إرادة الإصلاح  وإرادة الإفساد وصراعهما الدائم في قوله الكريم: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) النساء:26-28.

إن على العلماء والدعاة والمثقفين وكل النخب المغربية التي يعنيها أن يبقى المجتمع المغربي مسلما متماسكا أن ترفع صوتها عاليا، حتى يسمعها من يضع خطوط الطول والعرض لنموذج تنموي سيحكمنا جميعا بقوانينه التي ستُشرَّع تباعا في القابل من الأيام.

فالصوت الوحيد الذي يصل إلى الملك هو الصوت القوي، وللأسف فبعض المؤسسات التي ينبغي أن تمثل المواطن المغربي وتدافع عن هويته تدار من طرف أشخاص يتماهون مع ما تفرضه المنظمات والتقارير الدولية، فأمثال أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأحمد رضا الشامي رئيس المجلس الإقتصادي والاجتماعي، يُسخرون مؤسستين دستوريتين في الانتصار للنظرة العلمانية على حساب مقومات الهوية والدين. فكيف لا يتملك المغاربةَ الخوفُ على مستقبل أسرهم ودينهم؟!

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. ولكن غالبية الناس رضوا بان يباع دينهم واعراضهم على حساب الشاي والسكر
    و الماء والكهرباء فقدموا بطونهم على دينهم فكيف ينصلح قوم يسمعون ربهم سبحانه وتعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون ويستهزأ بهم من الحياحة والملحدين وآخرهم المجرم عصيد ثم ماريو شدا اف ام !!!! اين فيديوات النكير والغضب لله ورسوله صلى عليه وسلم ام ان حقوق الصحة والاكل والشرب اعظم عندنا من الله ورسوله !!!!؟ ان على اصوات الحق الغيورين ن يرفعوا اصواتهم عاليا وبشكل يومي بان يوقر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في بلدنا حتى يخرص الملحدين بل تطبق عليهم العقوبات المفروضة دستوريا وهذا اقل ما نصنع معذرة الى الله تعالى وابراء للذمة والافالخزي والذل والصغار والبلاء والوباء وتسليط الظالمين عنا ليس ببعيد وسنن الله في من خذل الاسلام معلومة عبر الامم ولا امن ولا رخاء الا باعلاء كلمة الله تعالى او يلبس بعضنا بعضا ولاراد لغضب الله نعوذ بالله من سوء العاقبة

  2. الثروة الظاهرة بحرية نهرية غابوية والثروة الباطنة مائية غازية معدنية هي كلها كاملة لأهل ذلك الوطن كلهم وليست لملكهم أو رئيسهم أو جيشهم،هي كما هي في بطن الأرض يجب أن تُصعد من بطنها لظهرها وتوزع على أبناء الوطن فردا فردا بدون اسثناء وكما هي في ظهر الأرض يجب أن توزع على أبناء الوطن من أولهم لآخرهم.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M