الرد على شبهة صاحب كتاب (نهاية أسطورة البخاري) حول حديث: «لولا بنو إسرائيل، لم يخبُثِ الطعام»

26 أكتوبر 2017 19:41
أمور ينبغي مراعتها عند التعامل بالذهب والفضة

هوية بريس – قاسم اكحيلات*

يقول صاحب كتاب (نهاية أسطورة البخاري): “هذا الكلام انفرد به أبو هريرة منسوبا لرسول الله: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا بنو إسرائيل، لم يخبُثِ الطعام، ولم يخنَزِ اللحم، ولولا حواء لم تخُنْ أنثى زوجها الدهر))!!. والبخاري قد ترك حديثه أبو زرعة وأبو حاتم، كما انه كان يدلس اسم الذهلي”.

والحقيقة: هذه ليست شبهة وإنما هي وهم وجهل، ونرد عليها بكل يسر:

أولا: الحديث لم يتفرد به أبو هريرة رضي الله عنه، بل روي من طريق ابن عمر أيضا، قال العقيلي:” حدثناه أحمد بن داود بن موسى، قال: حدثنا عمار بن مطر الرهاوي، قال: حدثنا الليث بن سعيد، عن صفوان بن سليم ، عن سليمان بن يسار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لولا بنو إسرائيل خبئوا اللحم ما خنز اللحم، ولولا حواء خانت آدم في قولها لإبليس ما خانت امرأة زوجها”.

قلت: وهذا الشاهد ضعيف، وآفته عمار بن مطر العنبري، وثقه بعضهم كما ذكر الذهبي، لكن توثيقهم لا ينفع، بل هو ضعيف الحديث وقد ضعفه البيهقي والداراقطني، وقال العقيلي: “يحدث عن الثقات بالمناكير”. وقال الرازي: “يكذب”. وقال ابن حبان: “يسرق الحديث ويقلبه لا اعتبار بما يرويه إلا للاستئناس إليه”.

وبهذا فقوله (ذا الكلام انفرد به أبو هريرة ) لا يصح.

ثانيا: الحديث موجود في (صحيفة همام) وقد جمع همام بن منبه مرويات أبي هريرة التي سمعها منه مباشرة، ثم تلقاها عنه تلميذه معمر وبثها في (الجامع) ثم أخذها عنه عبد الرزاق وجعلها في (المصنف) وعنه أخذها أحمد وجعلها في (المسند).

فانتقلت الصحيفة من أبي هريرة إلى همام ثم إلى الجامع ثم إلى المصنف لتنتقل إلى المسند. وقد عثر على الصحيفة وهي مطابقة تماما لما في هذه الكتب الثلاثة. ومن بينها هذا الحديث.

رابعا: الذهلي لم يتهم البخاري ب(خلق القرآن) بل (خلق لفظ القرآن) وبينهما بون، فلا بد لكم من التعلم.

فقد اتهم محمد بن يحيى الذهلي الإمام البخاري بمسألة اللفظ بالقرآن، وقال يوما لأهل مجلسه وفيهم الإمام مسلم -تلميذ البخاري-: “ألا من كان يقول بقول البخاري في مسألة اللفظ بالقرآن فليعتزل مجلسنا.

فنهض مسلم من فوره إلى منزله، وجمع ما كان سمعه من الذهلي جميعه وأرسله إليه وترك الرواية عن الذهلي بالكلية فلم يرو عنه شيئا لا في صحيحه ولا في غيره، واستحكمت الوحشة بينهما.

فكان الأولى بالبخاري ترك الرواية عنه لكنه لم يفعل، بل روى عنه في صحيحه وغيره. (أنظر: البداية والنهاية. ابن كثير).

وقد كان لا يصرح باسمه بل ينسبه مرة إلى جده ومرة إلى جد أبيه، وهذا ليس من التدليس في شيء، لان التدليس هو إخفاء عيب، ولا عيب في الإسناد، ولكن خوفا من الطعن في الذهلي.

قال ابن المنير:” لأنه لما اقتضى التحقيق عنده أن تبقى روايته عنه خشية كتم العلم، وعذره في قدحه فيه بالتأويل خشي على الناس أن يقعوا فيه، فإنه قد عدد من جرحه، وذلك يوهم أنه صدقه على نفسه فيجر ذلك وهنا إلى البخاري. فأخفى اسمه وغطى وسمه وما كتم، عليه فجمع بين المصلحتين والله أعلم بمراده”. (النكتب.الزركشي).

وهذا لم يتفرد به البخاري بل وقع لأبي عمرو الفاسي، قال ابن فرحون: “سمع من أبي ذر ثم ترك أن يسميه لشيء جرى بينهما فكان يقول فيما سمع منه: حدثني الشيخ أبو عيسى إذ كان يكنى بذلك”. (الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب. ابن فرحون).

والذي جرى بينهما: “أن الفقيه أبا عمران الفاسي مضى إلى مكة، وقد كان قرأ على أبي ذر شيئا، فوافق أبا ذر في السراة موضع سكناه، فقال لخازن كتبه: أخرج إلي من كتب الشيخ ما أنسخه ما دام غائبا، فإذا حضر، قرأته عليه.

فقال الخازن: لا أجترئ على هذا، ولكن هذه المفاتيح إن شئت أنت، فخذ وافعل ذلك.

فأخذها، وأخرج ما أراد، فسمع أبو ذر بالسراة بذلك، فركب، وطرق مكة وأخذ كتبه، وأقسم أن لا يحدثه.

فلقد أخبرت أن أبا عمران كان بعد إذا حدث عن أبي ذر يوري عن اسمه، فيقول: أخبرنا أبو عيسى”.(سير أعلام النبلاء. الذهبي).

خامسا: كلام أبي زرعة وأبي حاتم، ليس فيه اتهام للبخاري بالكذب أو الضعف، إنما قالا ذلك لكلام بلغهما عنه، فلم يصح ذلك الكلام. وهذا من كلام الأقران لشبهة، والحامل عليه هو المذهب.

قال الذهبي: “كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى ويطرح ولا يجعل طعنا ويعامل الرجل بالعدل والقسط”.(الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم).وقال الإمام مالك رحمه الله في ابن إسحاق: “دجال من الدجاجلة” وقال ابن إسحاق في مالك: “هاتوا علم مالك فأنا بيطاره”. فهل نتهم مالكا بمجرد قول صدر عن شنآن؟.

قال ربيعة في أبي الزناد”: ليس بثقة ولا رضي “. علق الذهبي:”ولا يسمع قول ربيعة فيه ، فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة”.(ميزان الاعتدال).

فالعبرة ليس برأيهما بل به رحمه الله، وما يصدر عنه، قال الذهبي:”إن تركا حديثه، أو لم يتركا، البخاري ثقة مأمون يحتج به في العالم”.(السير).

سادسا: ليس في متن الحديث ما يستنكر، أما قوله: “لولا بنو إسرائيل، لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم”. وهذا لا إشكال فيه، فما المانع من أن يكون الطعام في فترة لم يكن يخنز؟.، وإنما ظهر في مرحلة معينة وذلك لسبب أحدثه القوم، وهذا دليل على أن المعصية يتسلسل شؤمها، كفعل ابن أدم فهو أول من سن القتل.

أما قوله: “ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر”. فالخيانة المذكورة ليست خيانة الفراش، قال العراقي:” وليس المراد خيانة في فراش فإن ذلك لم يقع لامرأة نبي قط حتى ولا امرأة نوح، ولا امرأة لوط الكافرتان فإن خيانة الأولى إنما هو بإخبارها الناس أنه مجنون، وخيانة الثانية بدلالتها على الضيف كما ذكره المفسرون”.(طرح التثريب).

وعندي أن خيانتها له في أنها لم تنصحه وتشدد عليه، قال ابن الجوزي: “وأما خيانة حواء زوجها فإنها كانت في ترك النصيحة في أمر الشجرة لا في غير ذلك”. (كشف المشكل).

والله الموفق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مفتي بموقع الإسلام سؤال وجواب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M