الرسوم المتحركة وأثرها في عقيدة الطفل المسلم وقيمة

16 سبتمبر 2021 22:34

هوية بريس – عبد اللطيف خروبة

لا يشك أحد في أن للفن بصفة عامة وللرسوم المتحركة خاصة أهدافاً سامية، وغايات جليلةً؛ ذلك أنه يسهم في تربية الأطفال، وغرس العقيدة الصحيحة ، والقيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة في نفوسهم ، وتقويم السلوكات والأفعال التي تصدر عنهم ، وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم ؛ إنه يعرض للمشاكل التي يعانون منها ؛ يشخِّص أسبابها ، ويبحث عن الحلول المناسبة لها ، ويوجِّه طاقاتهم إلى الاهتمام بما هو أهم في الحياة ، كما يهدف إلى بناء مشاعرهم بشكل سوي ، حتى يكوِّن جيلاً صالحاً لنفسه ولأمته .

إلا أن المتأمِّل في أغلب أفلام الرسوم المتحركة التي تعرضها شاشات التلفزيون في البلدان العربية والإسلامية [1] يجدها قد خرجت عن الأهداف النبيلة ، وابتعدت عن الغايات الجليلة التي من أجلها وُضِعَت ؛ فلم تترك رذيلة إلا أباحتها ، ولا قبيحة إلا نشرتها وأذاعتها ؛ فصارت بذلك سلاحاً فتاكاً يستهدف عقيدةَ الأطفال وعقولَهم ونفسياتِهم وممارساتِهم في كل بلدان العالم الإسلامي ؛ فما هي مخاطرها على العقيدة والقيم التي يمتثلها الطفل المسلم ؟وما هي السبل والوسائل التي تمكِّن من اجتناب سلبياتها ؟إن هذه العيِّنة من البرامج تغري الأطفال بشكل كبير ، فيُقبِلون على مشاهدتها بَنَهمٍ شديد ، ويعتقدون أن كل المواقف والسلوكات والأفكار التي تعرضها صحيحة صالحة ، كما أن طابَع الترفيه والتسلية الذي يميزها يشدهم إليها بقوة ، وهذا فيه إهمال كبير لشخصيتهم ، وعقليتهم ، وحاجاتهم النفسية ، والأهداف النبيلة التي ينبغي أن يوجَّهوا إليها ؛ ولعل هاجس الربح المادي الذي يشغل بال المنتجين والعارضين هو السبب المباشر في ذلك ، فضلاً عن كونها أفلاماً لا تقيم وزناً للعقيدة والقيم الموجودة في العالم الإسلامي ، وما يتميز به من عادات وأعراف وطقوس ثقافية وحضارية .

أولاً: الخطر العقدي:

الإسلام عقيدة وشريعة تعبُّدية وسلوك . والعقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله ، والملائكة ، والكتب ، والرسل ، وباليوم الآخر ، وما فيه من الحساب والجزاء ، وبالقدر خيره وشرِّه ، ولها أثر بالغ في حياة الفرد والجماعة ؛ فهي قوة هادية موجِّهة ، ودافعة إلى الخير ، بانية خلاَّقة .

وإذا كانت راسخة في القلب فإنها تمدُّه بالراحة والطمأنينة والاستقرار على جميع المستويات ، ولكن حين تدخل عليها العوامل المؤثِّرة الضارة تتغير .

وبرامج الرسوم أحد أبرز هذه العوامل ؛ فهي تشكِّل خطراً كبيراً على عقيدة أطفال المسلمين ، ومن معالم هذه الخطر :

1 – زعزعة العقيدة : يجد الأطفال متعة خيالية عظيمة في الرسوم المتحركة ، وهذا يؤثر عليهم سلباً في الحال والاستقبال ؛ فقد أُجرَيت دراسات عديدة أثبتت الأثر السلبي للرسوم المتحركة على الأطفال من جميع النواحي ، وهو ما قد يدمر حياتهم بالكامل . [2]

فالرسوم المتحركة التي توجَّه إلى أبناء المسلمين هي أشد فتكاً بهم ؛ لأنها لا تعير العقيدة الإسلامية أي وزن ، ولأن منبعها غربي مسيحي أو صهيوني غالباً ؛ لذلك فهي تهدف إلى إزالة العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية من النفوس عبر زعزعتها ، وإدخال الشك فيها وفي مبادئ الإسلام ، وغرس المعتقدات المنحرفة في المقابل : كعقيدة التثليث ، وعبادة الأصنام ؛ فحين يُظهر الفيلم نجْماً يُدخِل السعادة على الناس ، أو شجرةً تحفظ من الكوارث والآفات ، أو يعرض شخصية تقبِّل الصليب وتضعه على الصدر لتجد الراحة والأمان والطمأنينة ، أو تسجد لصنم ، أو تُوهِم بأن الكون تدبِّر شؤونَه كائنات خيالية وليس الله ، عز وجل .

والطفل يشاهد ذلك ويتأثر به ، ويعتقد أنه هو الحق والصواب ، فتنعكس المشاهد على سلوكه ، فتجده يقبِّل الحجر ، أو ينحني ساجداً له ، أو يتوسل إلى الشمس من أجل تحقيق رغبة مَّا .

والأمثلة كثيرة يطول المقام لحصرها ، إنها ترسِّخ فيه معتقدات بعيدةً عن الدين الحنيف ، فيحصل اضطراب العقيدة في النفوس ؛ فلا يعيرون اهتماماً لعقيدة التوحيد ، ولا لشعائر الدين .

كما تؤدي إلى التعلق بالدنيا وإهمال الآخرة؛لأن المشاهد التي تعرضها الرسوم تحث على الحياة الدنيا فقط .

2 – تصديق السحرة والكهان : كما تعمل هذه البرامج على ترسيخ الإيمان بالسحرة والمشعوذين ، وتصديق ما يدَّعون ، والخوف منهم ، عوض الخوف من الله ؛ فهي تُظهِر الساحر قادراً على إسعاد الناس أو إشقائهم ، وتأمينهم أو ترويعهم ، وأنه قوة لا تُقهَر وليس الله ، تعالى .

وهو الشيء الذي يؤدي إلى حصول تناقض في عقيدة الطفل المسلم .

فيقدِّس الساحر ويتقرب إليه ، عوض تقديس الله وفعل ما يقرِّب منه .

تقول الدكتورة طيبة اليحيى : « إن بعض الناس – هداهم الله – يعمدون إلى تهدئة صخب أطفالهم بوضعهم أما التلفاز ، ولا يعلمون أنهم بذلك يقضون على أطفالهم ؛ فالبرامج المعدَّة للأطفال لها أثر أيما أثر على سلوك الأبناء الديني والخُلُقي والاجتماعي ؛ ففيها إظهار لشعائر أهل الكفر ورموز دينهم : كالصليب والمعابد ، وفيها نشر للسحر والشعوذة ، وفيها الأعظم من ذلك كله ، وهو التشكيك في قدرة الله ، تعالى » [3] .

إن الطفل المسلم إذا لم تتدارك الأسرة أمره وشبَّ على ما يراه في الرسوم المتحركة يكون في المستقبل كالريشة في مهب الريح ، مضطربِ العقيدةِ ، لا يستقر على حال ، يسيطر عليه القلق والحَيْرة ، لا يعرف حقيقة نفسه ، ولا سِرَّ وُجُودِه في الحياة .

ثانياً : ترسيخ القيم الفاسدة : القيم مجموعة من العقائد الدينية أو الفلسفية المفضَّلة عند أمَّة أو حضارة مَّا ، وتتحول إلى أسلوب في الحياة ؛ تحدد التصور للوجود والكون ، والحياة والموت ،والطبيعة والتاريخ ، بل تحدد الذوق والمظاهر والسلوك العام ؛ فالقيم بهذا المعنى نمط حياة ، تتغذى من أوعية متعددة لتبقى حية ، ومنها الوعاء العقدي ، والغائي ( الغاية من الحياة ) ، والسلوكي ، والمظهري ، والأخلاقي … وللقيم أهمية بالغة في حياة الأمة ؛ فهي تحفظ الهوية والعمران والحضارة ، وهذا يعطي للأمة قوة الاستمرار ، ويدفعها إلى الإنتاج والتعمير ، والتطور والبناء والعمل الجاد ، وتُعَدُّ القيم الإسلامية أرقى القيم وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنها ربانية المصدر .

ومن القيم التي يتجلى فيها الأثر السييء للرسوم المتحركة على الطفل المسلم : القيم الأخلاقية ، والقيم الثقافية ، والعلمية والسلوكية ، ومن ذلك :

1 – الميل إلى العنف : تتضمن كثير من مسلسلات الرسوم المتحركة مشاهدَ العنف والصراع ، وهذا يرسخ في وجدان الطفل الميل إلى القسوة والعنف ، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو في الشارع ؛ فيلجأ إليه من أجل تحقيق رغباته ، وقد يرتكب جريمة بشعة .

وقد أثبت عديد من الدرسات العلاقة الوطيدة بين جُنوح الأطفال وارتكابهم الجرائم ، وبين الرسوم المتحركة التي تتضمن مشاهد العنف .

وقد شهد العالم الإسلامي – كبقية بلدان العالم – العديد من الجرائم أبطالُها من الأطفال [4] ، ومن المسلسلات الكرتونية التي تقوم على العنف : « الجاسوسات » و « بيبليد » .

2- التطبُّع مع الفاحشة:

إن الطفل المسلم يتلقى قيم البلدان التي أنتجت أفلام الرسوم المتحركة ؛ وهي قيم بعيدة عمَّا هو موجود داخل البلدان الإسلامية والعربية من قيم وآداب ،ولا تعكسها من قريب أو من بعيد .

ومن هنا تؤثر على القيم ، وقد حذَّر المجلس العربي للطفولة والتنمية من الآثار السلبية لبرامج الرسوم المتحركة على قيم المجتمعات العربية وعاداتها [5] ؛ فهي في أغلبها بعيدة عن القيم النبيلة ، وصور الخلاعة ، والمجون فيها تنهال على الطفل في الرسوم من كل جانب كأوراق الشجر المتساقطة في فصل الخريف ؛ فتنسف الأخلاق ، وتذهب ببهاء الوجه ؛ فهي تُظهِر العلاقة بين الجنسين قائمة على الخلوة ، والرقص ، والخلاعة ، والتبرج ، والعناق ، وتبادل القبلات .

وهذا التوجه يشكل خطراً على الأطفال ؛ لأنه ينبِّه المشاعر الحميمية والغرائز الجنسية لديهم في وقت مبكر ، وهو ما ينتج عنه ارتكاب الفواحش والجرائم الجنسية [6] .

كما يقضي على الحياء ؛ حيث ينطق الأطفال بالكلام النابي ، وبكل الألفاظ الردئية . وسلسلة « ميكي مَاوْس » نموذج بارز في هذا المقام .

3- تقليص التواصل الأسري:

إن هذه البرامج تقضي على علاقة التواصل بين الأطفال وبين آبائهم ، وبين باقي أفراد الأسرة .

وقد يكون الأطفال قبل سن المدرسة هادئين وهم أمام الشاشة ، فتسرُّ الأمهات لذلك ؛ لأنه يساعدهن على إنجاز خدمات البيت ، ولكن طول المكث أمام التلفزيون يؤثر على أولادهنَّ وهنَّ لا يشعرنَ .

ويستفحل الخطر بعد الدخول إلى المدرسة ؛ فلا يتحدثون عن المدرسة ، ولا عن الدراسة ، ويستغنون بما تقدِّمه الرسوم عن حكايات الأم والأب والجدَّة .

والمشهد نفسه يحصل بين الإخوة ؛ فلا يتسامرون مع بعضهم بعضاً ، ولا يتناقشون ؛ فبمجرد العودة إلى البيت يفتحون التلفاز ليتفرجوا على الرسوم ، وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بينهم وبين الآباء والإخوة ، بسبب الحاجز الذي فرضه التفزيون ، ويصعب التخلص منه مع تقدُّم العُمُر ، وبعد تشكُّل شخصية الطفل وَفْقَ ما تعوَّد عليه .

4- تعلُّم الأخلاق السيئة:

إن من طبيعة الطفل أنه يقلد كل شيء يُعرَض أمامه ، أو يسمْعه بدون جدال بسبب فطرته الصافية ، ولكن بيئته هي التي تغيِّرُها ، وبكل سهولة تؤثر فيه المشاهد التي يقع عليها بصره في الرسوم المتحركة ؛ فيميل إلى تقليد الشخصيات في كل شيء ، في كلامها وحركاتها ، وفي لباسها وهيئتها ، وفي سلوكها وتصرفاتها . وبذلك يتطبع على العادات السيئة ؛ فيسرق ويحتال ويخادع ، ويدخن ، ويكذب ويعتدي على الغير ، ويسخر منه ؛ ناهيك عن الأنانية والحقد والكراهية ، وحب الانتقام وغيرها من أمراض القلوب .

وسلسلة : « توم وجيري » نموذج لذلك .

5- اضطراب المفاهيم والأفكار :

إن اعتماد الرسوم المتحركة على الكائنات والأحداث الخيالية يأسر عقول النشء ولا يتركها تتحرر ، فيفقد بذلك توازنه الفكري ؛ فتضطرب لديه المفاهيم ، وينعكس ذلك على الفكر بشكل واضح ، فيشكك في المعرفة الدينية التي يتلقاها في الأسرة والمدرسة ؛ فمفهوم الدين والإيمان بالله الذي يسمعه ويتلقَّاه في المؤسستين المذكورتين لا يوجد له أثر في الأفلام الكرتونية ؛ فيضيع ويحتار في أي معرفة يصدِّق : هل يصدِّق ما قالته الأم ، وما قرأه في الفصل الدراسي ، أم ما يشاهده على الشاشة ؟ وهو ما سينعكس سلباً على عقيدته وفكره في المستقبل .

6- استلاب الثقافة:

عندما يصبح الطفل مولعاً بمشاهدة برامج الرسوم المتحركة المبنية على الخرافة والخيال الجامح ، فيصدقها ، فإنها تضر بنشاطه العقلي ؛ فلا يقدر على التفكير الواقعي السليم ؛ فيتكلم مع الحيوانات – وخاصة الكلاب والقطط – ظناً منه أنها تتكلم مثله ، ويُجلِسُها بجانبه إلى مائدة الطعام ، وتنام معه في الفراش ، وقد يتعلق بها أكثر من تعلُّقه بوالديه وإخواته ؛ فيحزن عند مرضها ، ويبكي حين موتها أكثر مما يحزن أو يبكي عند إصابة أخيه .

ومن جهة أخرى تنقطع صلته بثقافته الأصلية ، وتهيمن عليه الثقافة الغربية الصليبية ؛ فيتكلم بلغاتها ، ويتمسك بعاداتها ، ويهمل اللغة العربية والثقافة الإسلامية ؛ فلا يسمي الله عند الأكل ، ولا يغسل يديه ، وينام بحذائه على السرير وعند التحية ينحني كما يفعل اليابانيون وأمثالهم … إنها ترسِّخ فيه الموالاة لليهود والنصارى والملحدين ، وثقافةَ الانهزام والخضوع ؛ حيث يعتبر أن الإنسان الغربي هو المتقدم ، وهو الذي ينبغي أن يُحتَذَى .

ورحم الله ابن خلدون ؛ إذ يقول في مقدمته : « إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزِيِّه ونِحلَته وسائر أحواله وعوائده » [7] .

كما تنشر هذه البرامج ثقافة الخوف من الإسلام والمسلمين ؛ فهو السارق ، وهو المعتدي وهو المتطرف والشرير ، ومن جهة أخرى توجه النشء إلى سفاسف الأمور ، وإلى كل عمل لا فائدة من ورائه .

7- الشعور بالنقص والخوف من الفشل:

كثيراً ما يقلِّد الأطفال الشخصيات التي يٍعجَبُون بها في الأفلام ، ويصعب عليهم النجاح في عملية التقليد هذه ، وخاصة قبل سن السابعة ، فيُودُون بحياتهم أو بحياة الآخرين من حولهم ، أو يتسببون في مشاكل عويصة تستعصي على الحل ؛ فقد يصعد الطفل إلى سطح المنزل ليطير كما تطير شخصية الرجل العنكبوت « سْبَايْدَرمَان » – مثلاً – فيموت إثر سقوطه على الأرض ، أو يصاب إصابات خطيرة ، أو يقلد مشهداً سحرياً ، كأن يضع يده في النار ظناً منه أنها لا تصاب بأذى عندما يقرأ تعويذات سمعها من الساحر ، وعندما يعجز ، وتحترق يده ، ينتابه الإحساس بالنقص ، فيتسرب إلى نفسه توجس الفشل كلما أقدم على عمل معيَّن .

وهذا ينعكس على حياته بصفة عامة.

كما أن الإدمان على مشاهد الرعب والخوف ، والدماء والقتلى ، والحيوانات المفترسة ، والأشباح ، وطلقات النار من الأسلحة ، يؤدي بالأطفال إلى الخوف والفزع ، وقد ينتابهم الفزع الليلي ؛ فيُحرَمُون من النوم المريح … إن المشاهد التي يقع عليها بصر الأطفال في الرسوم المتحركة تؤدي إلى الخلط بين الواقع الملموس ، وبين الواقع الافتراضي الذي تعرضه ؛ فالواقع الحقيقي شيء يختلف كثيراً عمَّا يُعرض من رسوم متحركة للمشاهدة على شاشة التلفزيون [8] .

8- تدنِّي مستوي التحصيل الدراسي:

إن خطر أفلام الرسوم المتحركة على التحصيل الدراسي قوي جداً ، هذا بشهادة العديد من الباحثين المشتغلين في هذا الحقل ؛ لأن الطفل يقضي مدة طويلة من الزمن أمام الشاشة ؛ يتفرج على الرسوم ، قد تصل إلى ما بين ثلاثين وأربعين ساعة في الأسبوع ؛ وهي مدة كافية لتُنهِك جسمه وعقله ؛ فلا يستطيع التركيز ولا مذاكرة دروسه ، وإنجاز واجباته المدرسية ، ومن ثَمَّ يضيع وقته فيما لا ينفعه .

ومشكلة انخفاض مستوى التحصيل عند الأطفال تؤرق المفكِّرين والمربين والسياسيين في مختلف بلدان العالم ، والدول الإسلامية على وجه الخصوص ؛ لِمَا يميزها عن غيرها من الدول عقدياً وفكرياً [9] .

ومن جهة أخرى لاحظ الباحثون أن المشاهد الإعلامية ذات أثر بالغ في الأطفال ؛ فهم يتذكرون المشاهد والأحداث التي شاهدوها قبل شهور ، في حين لا يتذكرون درساً تلقَّوه في المدرسة قبل أسبوع [10] .

ختاماً : إذا كانت نسبة كبيرة من أفلام الرسوم المتحركة الموجودة في الساحة الإسلامية والعربية اليوم ذات ضرر بالغ على الناشئة ؛ فلا بد من البحث عن البدائل المفيدة والصالحة لإنقاذ الأجيال القادمة من خطر يداهمها لا محالة ، والمسؤولية هنا ملقاة على عاتق الجميع ؛ لأن الكل مسؤول أمام الله – عز وجل – الذي يقول : } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } ( التحريم : 6 ) ، ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » [11] ؛ فالفنانون والسياسيون والمفكرون والمربون ، وأهل المال والثراء ، والآباء والأُسر ، والمجتمع بكافة هيئاته الحكومية والمدنية ، الكل معنيٌّ حسب المجال الذي يشغله ؛ فالمبدعون والفنانون ينتجون رسوماً متحركة تناسب عقلية الطفل المسلم ونفسيته وقدراته العقلية ، وتراعي العقيدةَ الإسلامية السمحة،والأخلاقَ والقيم الإنسانية الفاضلة .

وتبتعد عن الغثائية والعبثية والعشوائية.

كما ينبغي أن يستشيروا علماء الشريعة والمفكرين التربويين المخلصين للإسلام ؛ حتى تكون المنتوجات مبنيَّة على أساس علمي وتربوي متين .

ولهم في التاريخ الإسلامي وأبطاله مادة خصبة ، وفي الحضارة الإسلامية ومعالم الإسلام وأهدافه وقيمه وقضايا الإنسان المعاصر والحياة والموت والكون موضوعات واسعة .

وحتى لا ينصرف الأطفال عن القراءة والمطالعة ينبغي أن تتضمن البرامج المذكورة محفِّزات تدفعهم إلى القراءة والتحصيل المعرفي .

والأغنياء في الأمة الإسلامية ينبغي أن يساهموا بنصيب وافر في هذا العمل البنَّاء ، بتوفير الدعم المادي للأعمال الفنية الجيدة في هذا المجال ، وأن يستثمروا فيه أموالهم ؛ إذ لا تعدم الأمة الإسلامية فنانين أوفياء للدين والأمة ، لكن تنقصهم الأموال للإنتاج ، دون أن يُهمَلَ دور الأسرة المسلمة باعتبارها الحصْن الأَوَّل للعقيدة والقيم النبيلة التي يتلقاها الطفل ؛ فعليها أن تُخضِع البيت والأطفال لنظام محدَّد منذ الصِّغر كي ينشؤوا عليه ، وحتى لا يُفلِت الزمام من أياديها أثناء الكِبَر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هناك بعض القنوات التي تعمل على بث رسوم متحركة نقية ، إلا أنها لا تكفي أمام المد الغربي الجارف .

(2) الفن بين الواقع والمأمول ، د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي ، ص 36 .

(3) بصمات على ولدي ص 6 ، د. طيبة اليحيى .

(4) الجريدة التربوية ، عدد 28 : الأثنين 12 أكتوبر 2009م .

(5) المرجع السابق .

(6) مقدمة ابن خلدون ، ص 148 ، در القلم بيروت 1984م .

(7) التلفزيون بين المنافع والأضرار ، ص 25 ، د. عوض منصور ، ط 2 مكتبة المنار 1985م .

(8) الوعي الإسلامي ، عدد 531 ، ص 78 ، نوفمبر 2009م .

(9) التلفزيون بين المنافع والأضرار مصدر سابق .

(10) السينما فن ، ص 5 ، صلاح أبو سيف ، دار المعارف .

(11) رواه أحمد .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M