الشذوذ والعلة والضبط وأحكامها عند المحَدِّثين والأصوليين(2)

22 يوليو 2020 10:10
بيان تلبيس متهم الصحابة بالتدليس

هوية بريس – د.عبد العزيز خُمسي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد، فقد بَينتُ في المقالة السابقة أن المحدثين اتفقوا على شروط خمسة لصحة الحديث، وأن للفقهاء والأصوليين منهجا وطريقا آخر للتصحيح، يطلق عليه “طريقة الفقهاء”[1] أو “طريقة الأصوليين”. كما بَينتُ أن مصنفات المصطلح والفقه والأصول أظهرت أنهم لم يكتفوا بإسقاط شرطي العلة والشذوذ، بل تهاونوا كذلك في أمر اتصال الأسانيد وانقطاعها، وأظهرتُ ذلك بالأدلة من خلال النظر في مفهوم المرسل، وزيادة الثقة، وتعارض الوقف والرفع، والوصل والإرسال.

ووعدتُّكم بالحديث في هذه المقالة عن شرطَي الشذوذ والعلة، وهكذا سأتحدث في هذا المبحث عن اعتراض الفقهاء والأصوليين على المحدثين اعتبار الشذوذ والعلة ركنين من أركان الحديث الصحيح، وقد أضفت إلى هذه المقالة موقفهم أيضا من شرط الضبط، فمعتمدهم في قبول الرواية هو الصلاح والتقوى، ولا ترد روايته وكان يخطئ الخطأ الكثير.

فلماذا نص المحدثون على الشذوذ والعلة دون غيرهما في تعريف الحديث؟ وهل يغني أحدهما في تعريف الحديث الصحيح عن الآخر؟ وهل يصح اعتراض الفقهاء والأصوليين على هذا التنصيص؟ وهل الاكتفاء بالشروط الثلاثة الأولى للحكم بصحة الحديث منهج سليم؟ ثم لماذا اشترطوا في المحدث أن يكون ضابطا لمروياته؟

فهذا المبحث نُصِبتْ أعلامه للرد على هذا الاعتراض، وهل المحدثون زادوا فعلا هذين الشرطين من غير حاجة إليهما، أم أنهما ركنان لا يصح الحديث إلا بوجودهما، إذا تخلَّف شرط منهما، ضَعُف الحديث ولم يَقْو على القيام إلا بعاضد ومعين؟ وهل يصح الحديث، وإن كان الراوي يخطئ كثيرا؟ أم أن عدالة الراوي تكفي لقبول حديثه، وسأجيب عن هذه الأسئلة من خلال ثلاثة مباحث، أولهما الشذوذ والعلة. وثانيهما الضبط. وثالثهما قصر قبول الحديث على عدالة الراوي، فإلى بيان ذلك.

المبحث الأول: الشذوذ والعلة:[2]

نقل الحافظان العراقي والسخاوي عن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد قوله في هذين الشرطين:”إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح، قال وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء[3]. وزاد على هذا في “الاقتراح” فقال:”فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء”[4].

ثم قال رحمه الله:”لأن من لا يشترط بعض هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف. ومن شرط الحد أن يكون جامعا مانعا”[5].

وقال أيضا:”الذي تقتضيه قواعد الأصوليين والفقهاء أن العمدة في تصحيح الحديث على عدالة الراوي وجزمه بالرواية… وعدم غلطه”[6]. ويؤيد هذا ما قاله الإمام الخطابي رحمه الله في حد الحديث الصحيح حيث اكتفى بقوله:”فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته”[7].

فأما الجواب على عدم ذكر الإمام الخطابي للشذوذ والعلة فذكره الإمام السخاوي فقال:”ولا يخدش عدم ذكر الخطابي لهما إذا لم يخالف أحد فيه”[8].

وأما اعتراض ابن دقيق العيد الذي سقته من قبل، فقال السخاوي أيضا :”وهو- أي ما أجاب به عن اعتراض الخطابي- مقتضى توجيه ابن دقيق العيد قوله…”، ثم ساق كلامه الذي حكيته من قبل، ثم أضاف:”إذ ظاهره أن الخلاف إنما هو فيما يسمى علة فالكثير منه يختلفون فيه، والبعض المحتمل لأن يكون إلا أكثر أو غيره يوافق المحدث على التعليل به. ولذلك احترز بقوله كثير”[9].

ولكلام ابن دقيق العيد تخريج آخر غير ما تقدم، ذكره الإمام الصنعاني ولفظه:“كلام الشيخ تقي الدين تنظير على شرطي السلامة من الشذوذ والعلة، ولم يبين وجه النظر إلا في اشتراط السلامة من العلة دون الشذوذ؛ فالعلة قاصرة عن المدعى، ثم لا يخفى أنه قد حصل مما ذكر أن اصطلاح الفقهاء في صحة الحديث غير اصطلاح المحدثين؛ إذ المحدثون يشترطون خلوه من العلة مطلقا، والفقهاء يشترطون خلوه من العلة القادحة، فهو باصطلاحهم أخص منه باصطلاح الفقهاء، وإذا كان كذلك فلا يتم جمع الخاص والعام في رسم واحد، فاعتراض الشيخ تقي الدين على رسم المحدثين بأنه غير موافق لاصطلاح الفقهاء غير وارد، بل لا بد من مخالفة الرسمين لاختلاف الاصطلاحين”[10].

وقال أيضا بعد الذي نقلته عنه في اشتراط وصف العلة بالقادحة:”وبهذا التحقيق تعلم أن اعتراض الشيخ تقي الدين ليس في محله”[11].

لكن قول ابن دقيق العيد رحمه الله:”فإن كثيرا من العلل…” استظهر الحافظ ابن حجر منه“ما يدل أن من العلل ما يجري على أصول الفقهاء، وهي العلل القادحة[12]، وحكى الإمام الصنعاني قول ابن حجر على سبيل التأييد[13]، وربما لهذا نص الإمام الشوكاني رحمه الله عليها في تعريفه للحديث الصحيح حيث قال:”… من غير شذوذ ولا علة قادحة”[14].

ولكن بقي أمر آخر، لا تقل أهميته عن الاعتراض الذي مضى؛ وهو أن الشذوذ والعلة ليسا إلا سببين من أسباب ضعف الحديث، بل الشذوذ نوع من أنواع العلل، ثم“الشذوذ يتحقق بالشروط السابقة”[15] أي الاتصال والعدالة والضبط. ومع ذلك جعلهما المحدثون ركنين من أركان تعريف الحديث الصحيح، دون سائر أسباب الضعف الأخرى، فهل جاءوا لهذا الصنيع بحجة تطمئن لها قلوب الناظرين، وتنال عند الفقهاء مكانا عليا؟

والجواب أن علماء الحديث قسموا العلل المضعفة للحديث إلى قسمين؛ عللٍ ظاهرة كالحديث المعلق والحديث المعضل والحديث المرسل وغير ذلك، وعللٍ خفية، ذلك أن العدالة قد تتحقق في الراوي فلا يطعن بجرح، ويُخْتبرُ ضبطه فلا يزلق إلا لماما، وهو بَعْدُ لا يروِي إلا ما اتصل سنده، إلا أنه“يحتمل أن يقع منه وهم في حديث ما، دون أن يفقد صفة الضبط لسائر حديثه، فهذا يخل بصحة الحديث الذي وهم فيه فقط”[16].

فالعلة إذا أطلقت لا يراد بها عند المحدثين إلا العلة الخفية، لذلك قال الإمام ابن الصلاح في تعريف العلة:”هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه. فالحديث المعلل: هو الحديث الذي اطُّلِعَ فيه على عِلَّةٍ تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها”[17]، ولذلك لا سبيل إلى معرفتها “إلا الحفظ والفهم والمعرفة”[18].

وفي هذا دليل، من دلائل علمية كثيرة أخرى، على أن علماء الحديث لا يكتفون بالنظر إلى ظاهر الأسانيد ورواتها، بل يعمدون إلى ما راء ذلك، من مقارنة رواية الراوي بغيره إن شارك غيره من الثقات أو انفرد عنهم، وهل يجوز أن ينفرد من غير قرينة كعلو سن أو كثرة رحلة، أو ملازمة للشيخ دون غيره من الأقران.

وهذا المنهج من المحدثين في التتبع “يحقق ويؤكد ضبط هذا الحديث الذي نبحثه بعينه وأنه لم يدخله وهم”[19]، وبيِّنٌ أنْ ليس للفقيه ولا للأصولي أن يبث في مثل هذا، فما هذا لواحد منهما بميدان، ولا هما له بفرسان، إذن لزلَّت الأقدام واندكَّت الأعناق، فهل بعد هذا من جدال فضلا عن حجاج؟

وأما العلة فهي أيضا مثال آخر على أن المحدثين لم يكن تنصيصهم على نفي العلة في الحديث عبثا، بل في ذلك أمارة على الخبرة أوقفتهم على مداخل الضعف في الحديث، لا يراها من لم يكن صاحب صناعة حديثية وملكة علمية اكتسبها بعد طول زمن، ثم“الغلط والسهو ممكنٌ في حفظ أحفظ الناس وفي نقلِ أشدِّ الناس توقّياً وإتقاناً، فربّ خبرٍ ظاهره السلامة لثقةِ رجالِه واتصال سنده من حيث الظاهرُ، اطلع الحفاظ الجهابذة بعد سَبْرِ طرقه والبحثِ عن أحوال رواته التفصيلية على علة قادحة فيه تمنعُ الحكمَ بصحته”[20].

ولِعِلم العلل قيمة كبيرة، فهي أكبر من أن ينازع في سبب جعلها ركنا من أركان حد الحديث الصحيح، وقد بَيَّنَ الأستاذ إبراهيم بن الصديق ذلك بإسهاب فقال:”أهمية علم العلل بالنسبة إلى محترزات القبول تكمن في ناحية حساسة جدا وهي: أن كثرة الحديث النبوي، وكثرة كلام الصحابة والتابعين وفتاواهم وشروحهم وتفسيرهم. ثم كلام تابعيهم فمن بعدهم. ثم كثرة الرواة وتنوع حيثياتهم وأخلاقهم ومداركهم، ومذاهبهم، وأغراضهم وتغير أحوالهم من شبيبة إلى كهولة إلى شيخوخة، وتفرقهم في البلاد والأمصار، ثم تنوع أوجه أخذ الحديث وأدائه، ووسائل حفظه وضبطه.

كل ذلك وغيره مما لا يقع تحت حصر، جعل ما يلابس الحديث النبوي من سلبيات لا يتسنى اكتشافها إلا لعالم (العلل)”[21].

ثم أتى على ذكرها فكتب:

“أ- اختلاط كلام النبي صلى الله عليه و سلم بكلام الصحابي أو التابعي.

ب- دخول حديث مرسل في حديث مسند، أو حديث ضعيف في حديث صحيح.

ج- إدراج بعض الرواة لكلامهم أو كلام راو آخر في الحديث واعتباره منه.

د- تلفيق حديث من روايتي ضعيف وثقة.

هـ- توافق اسم ونسب وتاريخ وشيوخ وبلدة وتلامذة ثقة وضعيف.

و- صعوبة تحديد ما روي عن الثقة المختلط قبل أو بعد اختلاطه.

ز- تسوية الإسناد بالثقات وإخفاء الضعفاء.

ح- سرقة كذاب الإسناد مشتمل على ثقات وتركيب متن على ذلك الإستاد.

ط- توهم السماع فيما لم يسمع.

ي- تداخل الأبناء والآباء والأجداد وأجداد الآباء مع الأعمام في إسناد، وتعذر معرفة الثقة منهم من غيره، والسامع ممن لم يسمع.

ك- اختلاط أوجه التحمل من سماع وقراءة وكتابة ومناولة ووجادة، وعدم التميز بينها مع الأداء عن الجميع بصيغة واحدة.

إلى غير ذلك من السلبيات التي تكون موجودة في الحديث، ولا يتنبه لها غير المتخصص في(العلل) من المحدثين. وهكذا فقد يحكم المحدث العادي بسلامة الحديث من أي قادح، وهو في الواقع قد اشتمل على نموذج أو أكثر مما تقدم. فتحتم أن يضاف إلى شروط القبول، شرط أساس، وهو السلامة من العلل القادحة. وعنوا بذلك السلامة من مثل تلك السلبيات التي لا تظهر إلا بمعاناة خاصة”[22].

وهكذا فإن التأكيد على نفي العلة عن الحديث“يدل على سلامته من القوادح الخفية بعدما استدللنا بسائر الشروط على سلامته من القوادح الظاهرة”[23].

وأكتفي هنا بمثالين أوردهما الحافظ السخاوي لبيان وجهين من وجوه العلل المعتبرة عند المحدثين؛ فأما الأول فهو:“إذا أثبت الراوي عن شيخه شيئا فنفاه من هو أحفظ أو أكثر عددا، أو أكثر ملازمة منه فإن الفقيه والأصولي يقولان المثبت مقدم على النافي فيقبل، والمحدثون يسمونه شاذا لأنهم فسروا الشذوذ المشترط نفيه بمخالفة الراوي في روايته من هو أرجح منه عند تعسر الجمع بين الروايتين، ووافقهم الشافعي على التفسير المذكور، بل صرح بأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، أي لأن تطرق السهو إليه أقرب من تطرقه إلى العدد الكثير. وحينئذ فردُّ قول الجماعة بقول الواحد بعيد”[24].

وقال رحمه الله أيضا في المثال الثاني:”ومنها الحديث الذي يرويه العدل عن تابعي مثلا عن صحابي ويرويه آخر مثله سواء عن ذلك التابعي بعينه لكن عن صحابي آخر فإن الفقهاء وأكثر المحدثين يجوزون أن يكون التابعي سمعه معا إن لم يمنع منه مانع وقامت قرينة الإسناد في ثاني قسمي المقلوب وفي الصحيحين الكثير من هذا. وبعض المحدثين يعلون بهذا متمسكين بأن الاضطراب دليل على عدم الضبط في الجملة والكل متفقون على التعليل بما إذا كان أحد المتردد فيهما ضعيفا”[25].

والأوضح من هذا المثال قول الإمام مسلم:”فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِي؛ِّ فِي جَلاَلَتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ؛ قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الاِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ، فَيَرْوِي عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ”[26].

ثم سمعت من بعض أهل العلم جوابا آخر على تنصيص المحدثين على الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وهو أن ما يسميه الفقهاء والأصوليون “زيادة الثقة” قد يكون شذوذا حين النظر في تلك الزيادة، فالتنصيص على اشتراط عدم الشذوذ، تنبيه على مخالفة منهج المحدثين لمنهج غيرهم، وهو يدل أيضا على شفوف نظر أهل الحديث، وسلامة أحكامهم تصحيحا وتضعيفا.

ثم لماذا هذا التشغيب والفقهاء أنفسهم يردون الحديث ببعض العلل، لكنهم ليسوا على سَنَن المحدثين، حيث يردون الحديث بمطلق العلة، فقد تقدم استظهار الإمام الصنعاني من قوله الإمام ابن دقيق العيد”فإن كثيرا من العلل…”، “ما يدل أن قليلا منها تجري على أصولهم، وهي العلل القادحة لا غير القادحة”[27].

إن التأمل في مسالك التعليل عند أهل الحديث، التي خبروها بعدما أفنوا أعمارهم في طلب الحديث وتعنوا في تحرير مسائله، لدليل آخر على دقة نظر وسلامة منهجهم، لأن الحجة في التعليل عندهم لا سبيل إليها إلا“الحفظ والفهم والمعرفة لا غير”[28]، وهذا جزما ليس لغيرهم من الفقهاء والأصوليين منه نصيب، وقد ذكر عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني(ت1386هـ) هذه المسالك[29]، وسأذكر بعضها بأمثلتها[30]، قال رحمه الله:

“إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقا، حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر:

فمن ذلك: إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبرا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من التهذيب[31].

ومن ذلك: إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين: بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني، وكان خالد يدخل على الشيوخ”.

قلت: يشير إلى ما أخرجه الإمام الحاكم بسنده إلى الإمام البخاري أنه قال:”قلت لقتيبة بن سعيد مع من كتبت عن الليث بن سعد حديثَ يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال كتبته مع خالد المدايني؛ قال البخاري وكان خالد المدايني يُدخل الأحاديث على الشيوخ”[32].

ومن ذلك: الإعلال بالحمل على الخطأ، وإن لم يتبين وجهه، كإعلالهم حديث عبد الملك بن أبي سليمان في الشفعة.

قلت: ومن ذلك أيضا ما حكاه الإمام الذهبي رحمه الله عن أبي نعيم بسنده إلى “النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تجادلوا بالقرآن، ولا تضربوا كتابَ الله بعضه ببعض؛ فوالله إنّ المؤمنَ ليجادل بالقرآن فيغلَب؛ وإن المنافق ليجادل بالقرآن فيغلِب”[33].

قال الإمام الذهبي:”هذا أورده الحافظ أبو موسى المديني في ترجمة ابن أبي القاسم، وقال أبو نعيم: حدثنا به أبو الشيخ، حدثنا ابن أبي عاصم، حدثنا محمد بن خلف”[34].

ثم قال رحمه الله:”قلت: هذا غريب جدا مع قوة إسناده”[35].

ثم الاعتراض على ذكر الشذوذ والعلة في حد الحديث الصحيح يسقط رأسا إذا اعتبرنا أنمن يصنف في علم إنما يذكر الحد عند أهله، لا عند غيرهم من أهل العلوم الأخرى”[36]، فكأن الإمام ابن الصلاح تنبه لهذا الأمر فقيد تعريفه بقوله:”بلا خلاف بين أهل الحديث. قال الحافظ العراقي معقبا:”إنما قيد نفي الخلاف بأهل الحديث لأن غير أهل الحديث قد يشترطون في الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد في الرواية…”[37].

ويترتب على هذا الفهم أمر مهم جدا، وهو ضرورة مراعاة (التخصص)، وأن أهله إن صدر رأيهم انطلاقا من تخصصهم، فيجب الوقوف عنده، وهذا الفهم يشهد له كثير من نصوص أهل العلم، على اختلاف فنونهم وطبقاتهم.

المبحث الثاني: الضبط

نقل حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد البر(ت463هـ)الإجماع على اشتراط الضبط، فيمن يقبل حديثه، ولفظه:”الذي اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه في حال المحدث الذي يقبل نقله، ويحتج بحديثه، ويجعل سنة وحكما في دين الله: هو أن يكون حافظا إن حدث من حفظه، عالما بما يُحِيلُ المعاني، ضابطا لكتابه إن حدث من كتاب، يؤدي الشيء على وجهه متيقظا غير مغفل[38].

لكن قوله:”اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه” لا يعني اتفاقهم المطلق على اشتراط الضبط، فانظر إلى ابن الوزير اليماني رحمه الله يقول، في معرض بيان حكم الراوي الذي عرف بالصلاح والتقوى، لكنه كثير الخطأ في الحديث:”قواعد الأصوليين تقتضي أنه يجب قبوله، لأنه مسلم عدل حتى يظهر ما يوجب جرحه، والذي يوجب جرحه عند الجماهير النظار هو استواء حفظه ووهمه، أو ترجيح وهمه على حفظه”[39].

فهذا القول الذي حكاه ابن الوزير عن الأصوليين يبيِّن الفارق الكبير بين المحدثين والأصوليين، فالمحدثون يشترطون الضبط التام لقبول رواية الراوي، أما الأصوليون فمعتمدهم في قبول الرواية هو الصلاح والتقوى، ولا ترد روايته وكان يخطئ الخطأ الكثير.

والاستدلال على مذهب أهل الحديث من أقوال أهل العلم كثيرة، منها قول الإمام الترمذي:”فكل من روي عنه حديث ممن يتهم أو يضعف لغفلته وكثرة خطئه ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديث فلا يحتج به”[40]، ومنها أيضا ما أسنده الخطيب رحمه الله إلى عبد الرحمن بن مهدي أنه قال:”لا يترك حديث رجل إلا رجلا متهما بالكذب أو رجلا الغالب عليه الغلط”[41].

وأما قول الإمام الخطابي رحمه الله في حد الحديث الصحيح:”فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته”[42]. ففيه نظر قوي، فهذا الحافظ العراقي يقول عنه:“لا بد من اشتراطه لأن من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك وإن كان عدلا”[43]. فلذلك عقد الخطيب في”الكفاية” بابا سماه:”باب ترك الاحتجاج بمن لم يكن من أهل الضبط والدراية وإن عرف بالصلاح والعبادة”[44].

ثم إن اشتراط المحدثين في الرواي الضبط لا يعني ألا يقع منه غلط أبدا، بل وقوع ذلك منه أحيانا يدل على إتقانه. فقد ترجم الإمام الذهبي رحمه الله للحسين بن ذكوان“أحد الثقات والعلماء، وثقه ابن معين، وأبو حاتم”[45]، ومما ذكره في ترجمته أنْ نَقَلَ عن العقيلي تضعيفه، فقال:”ذكر له العقيلي حديثا واحدا غيره يرسله”[46]، ثم قال الإمام الذهبي:”فكان ماذا. فمن ذا الذي ما غلط في أحاديث. أشعبة؟ أمالك!”[47]. وحكى في “السير” عن يحيى بن معين رحمه الله:”لست أعجب ممن يحدث فيخطئ، بل ممن يصيب”[48].

وتقدم التعليق على قول بعض النقاد في الراوي”يهم أحيانا” أو ما شابهها كتراجم الحافظ ابن حجر رحمه الله في “تقريب التهذيب”، ومن الأمثلة أيضا قول العقيلي مثلا في عبد العزيز بن مسلم القَسْمَلِي(ت167هـ)[49]:”في حديثه بعض الوَهْم”، فتعقبه الإمام الذهبي بقوله:”هذه الكلمة صادقةُ الوقوع على مِثْلِ مالك وشُعْبَة”[50]؛ ذلك “أن الوهم والغلط لكل بني آدم منه نصيب”[51].

المبحث الثالث: قصر قبول الحديث على عدالة الراوي.

إن عدم اعتبار الفقهاء والأصوليين لشرطي عدم الشذوذ والعلة، وكذا عدم اشتراط ضبط الراوي، منسجم تماما مع منهجم العملي في تصحيح الحديث؛ لأنهم يقتصرون، وهذه إحدى الطرق تصحيح الحديث عندهم، على ثقة الراوي أو على عدالته، وقد نصَّ على هذا الأصل أبو العباس القرطبي، وذلك فيما حكاه عنه الإمام الزركشي ولفظه:”الحق أنه متى عرف عدالة الراوي قبل خبره، سواء روى عنه واحد أو أكثر، وعلى هذا كان الحال في العصر الأول من الصحابة وتابعيهم إلى أن تنطع المحدثون”[52].

فتعقبه الدكتور بلا فريج وقال:”هذا الضابط من الفقهاء خلاف ما على أهل الحديث فإن العدالة وحدها ليست كافية وإن كانت الركن الأعظم في الرواية، فالضبط شقيقها واجتماعهما هو الثقة”[53]، وكلام أبي العباس منسجم تماما مع المنهج العام عند الفقهاء والأصوليين في تصحيحهم للحديث، وينطبق على مفهومهم لحد الحديث الصحيح، ومما يقوي هذا الفهم أن الدكتور بلا فريج بين مراد أبي العباس فقال:”وإنما يريد الفقهاء بهذه العبارة ترك قيدي نفي الشذوذ والعلة لصحة الرواية، والاستغناء عنهما”[54].

لكن انسجام أبي العباس مع منهجه الفقهي والأصولي يفارق جماعة المحدثين لمفهومهم للحديث الصحيح ومنهجهم في تصحيحه، فقد باينهم من جهة في اشتراط الشذوذ والعلة، وقد مضى بيان ذلك، وباينهم أخرى حينما يقول“الحق أنه متى عرف عدالة الراوي قبل خبره، سواء روى واحدة أو أكثر”[55]، فهذا الذي اعتبره حقا هو غير ذلك عند أهل الحديث فإن“رواية الواحد الواردة في كلام القرطبي تعتبر جهالة عند أهل الحديث”[56]، ومتى لم ترتفع الجهالة عن الراوي بالطرق المعلومة عندهم، ضُعِّف حديثه ولم يلتفتوا له أبدا.

وأما قول أبي عباس:”وعلى هذا كان الحال في العصر الأول من الصحابة وتابعيهم إلى أن تنطع المحدثون”، ففيه بحث من وجهين:

الأول: تقدم التنبيه على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يسألون عن الإسناد، لسقوط أسباب التهمة فيما بينهم، فاستغنوا بذلك عن معرفة عدالة بعضهم بعضا، وعلى هذا بقيت“السنَّة المطهرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم محفوطةً مصونةً من التبديل والتغيير، والدسِّ والتزوير، فلم تُصِبْها شائبة بفضل الله تعالى، ولا وقع فيها تقوُّل أو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يُعرَف بحمد الله عن أحد من الصحابة أنه قال على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، فقد حفظهم الله من ذلك و… برَّأهم الله تعالى من التقول والافتراء”[57].

وعلى هذا يصح أن يقال:”تقبل رواية الراوي إذا عرفت عدالته بأن يكون صحابيا”، ويصح معه كلام أبي العباس، إن كان هذا قصده من الكلام، وإن كان هذا من تحصيل الحاصل، ولا معنى لقول القائل بعد ذلك “سواء روى عنه واحد أو أكثر”، ولكن يشكل معه إلحاق حكم التابعي بحكم الصحابي، فهو مردود لافتقاره إلى شرط من شروط صحة الرواية عند المحدثين؛ أعني عدالة الراوي. فحديث الراوي لا يقبل إلا إذا رفعت عنه الجهالة، ولا ترفع الجهالة برواية راو واحد عنه، حتى قال أبو عبد الله بن المواق في مجهول العدالة:”لا خلاف أعلمه بين أئمة الحديث في رد رواياتهم”[58].

الثاني: قول أبي العباس رحمه الله”… إلى أن تنطع المحدثون”. يقصد تلك الشروط التي وضعها أهل الحديث لقبول الأخبار، حيث اشترطوا لصحة الحديث عدالة الراوي، وأن لا يكون الحديث شاذا ولا معللا. فأما وجه اشتراط نفي الشذوذ والعلة فقد تقدم بيان ذلك.

وأما وجه ما اشترطوه، فالعلماء ميزوا بين جيل الصحابة، وبين من تبعهم في تحقق تلك الشروط أو انتفائها، وهذا بيِّن من قول مجاهد فيما رواه عنه الإمام مسلم ولفظه:”جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا لِي لاَ أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلاَ تَسْمَعُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا. فَلَمَّا ركب النَّاس الصّعْب وَالذَّلُول لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا نعْرفُ”[59].

وكذلك ما رواه الإمام مسلم أيضا والإمام الترمذي واللفظ للأول عن ابن سيرين (110هـ) أنه قال:”لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ”[60].

نعود، بعد هذا الاستطراد، إلى ذكر أمثلة ما صُحِّح على هذا القول، أي قصر صحة الحديث على عدالة الرواة:

الحديث الأول: ما أخرجه أبو داود في سننه وابن خزيمة في صحيحه وغيرهما، واللفظ للأول من طريق ابن شهاب قال:”حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:”إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ لِقِلَّةِ الثِّيَابِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ”. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِى الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ[61].

قال الإمام البيهقي:”وقد رويناه بإسناد آخر موصول صحيح عن سهل بن سعد”. فقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:”وكأنه في ذلك اعتمد على عدالة الرجال، وجرى على الطريقة الفقهية”[62].

يعني رحمه الله أن للحديث عللا تمنع من تصحيحه على طريقة المحدثين، ومن هذه العلل: اختلافهم في كون الزهري سمع هذا الحديث من سهل[63]. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:”نعم أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضا من طريق أبي حازم عن سهل، ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم”[64].

يشير رحمه الله إلى قول عبد الرحمن:”ذكرت لأبي عبد الرحمن الحُبلي-ابن أخي الإمام، وكان يفهم الحديث-، فقلت له: تعرف هذا الحديث: حدثنا محمد بن مهران، ثنا مبشر الحلبي، عن محمد بن مطرف، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان الفتيا في بدو الإسلام:(الماء من الماء)، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا التقى الختانان وجب الغسل) فقال لي: دخل لصاحبك حديث في حديث، ما نعرف لهذا الحديث أصلا”[65].

وأما من صحح الحديث فالأئمة:”ابن خزيمة وابن حبان، وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط البخاري”[66]، وقال الحافظ ابن حجر:”وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به”[67].

الحديث الثاني: حديث أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت:”كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب، ولا يمس ماء”.

فهذا الحديث لا يصح، فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله“أن الحفاظ قالوا: إن أبا إسحاق غلط فيه”[68]. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرحه لصحيح البخاري:

“هذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم إسماعيل بن أبي خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الأثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني …. وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ: لا يحل أن يروى هذا الحديث. يعني أنه خطأ مقطوع به، فلا تحل روايته من دون بيان علته. وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث. ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين، كالطحاوي والحاكم والبيهقي”[69].

فأنت ترى أن الحديث قد أنكره على أبي إسحاق كثير من أهل الحديث؛ ومع ذلك تجد الفقهاء يحتجون به اعتمادا على ثقة رجاله، والحديث لا يصح للعلة التي تقدم ذكرها.

الحديث الثالث: قال الإمام أبو داود في سننه:”حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِي،ُّ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِي السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ، وَقَالَ:(إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ)”[70].

ثم قال على إِثره:”سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: رَوَى مُحَمَّدُ ابْنُ ثَابِتٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِي التَّيَمُّمِ. قَالَ ابْنُ دَاسَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يُتَابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، عَلَى ضَرْبَتَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَوْهُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ”[71].

فالحديث ضعفه الإمام أحمد بن حنبل وأبو داود، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال:”فأما رواية المرفقين، وكذا نصف الذراع ففيهما مقال”[72]. والإمام الصنعاني حين قال:”وفي معناه عدة روايات غير صحيحة، بل إما موقوفة، أو ضعيفة[73]، ثم نقل قول الحافظ المتقدم. والإمام الشوكاني حيث حكى تضعيف العلماء على سبيل الاستشهاد[74]. وضعفه أيضا الشيخ ناصر الدين الألباني في تعليقه على سنن أبي داود.

فأما الإمام البيهقي فروى”بسنده عن عثمان بن سعيد الدارمي أنه قال: (سألت يحيى بن معين قلت: محمد بن ثابت العبدي؟ قال: ليس به بأس”، ثم قال البيهقي:”كذا قال الدارمي عنه، وهو في هذا الحديث غير مستحق للنكير بالدلائل التي ذكرتها”[75].

فتعقبه الإمام ابن دقيق العيد فقال:”تقدم ما قيل في محمد بن ثابت من غير رواية الدارمي… نعم لا يستحق النكير إذا كان عدلا على الطريقة الأصولية والفقهية”[76].

وإن كان الحديث لا يصح فإنك تجد من يستدل به من الفقهاء والأصوليين، كما فعل السرخسي حيث ذكره في موضعين من أصوله، قال في:

الموضع الأول:”قوله عليه الصلاة والسلام لعمار رضي الله عنه:(يكفيك ضربتان: ضربة للوجه وضربة للذراعين)”[77]، وقال في:

الموضع الثاني:“حديث الأسلع أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التيمم صربتين ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين وهو مشهور”[78].

ثم هذا الحديث مع ضعفه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، التي تنص على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، منها:

أولا: قصة عمر وعمار رضي الله عنهما؛ ففي البخاري:”جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء. فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنَّا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصلِّ، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما كان يكفيك هكذا) فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهمان ثم مسح بهما وجهه وكفيه”[79].

ثانيا: عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا سماه:”باب التيمم للوجه والكفين”، ثم أسند إلى “شعبة عن الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي أبزى عن أبيه قال عمار بهذا، وضرب شعبة بيديه الأرض، ثم أدناهما من فيه ثم مسح وجهه وكفيه”[80].

ثالثا: حديث عمار بن ياسر رضي الله: من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عَزَرة عن أبيه عنه عن عمار بن ياسر عن النبي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في التيمم:”ضربة للوجه والكفين”[81].

لقد صنع المحدثون منهجا منضبطا، فاشترطوا في الراوي العدالة والضبط التام، وفي السند الاتصال، وجعلوا الانقطاع درجات ومراتب، فإن تحقق هذا، أنعموا النظر في كل ذلك، حتى لا يكون في حديثه علة أو شذوذ، ولذلك قال الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة عن علم الحديث بأنه “ميزان تصحيح الأخبار”[82].

ولو لم يكن الأمر كذلك، ما استطاع فقيه ولا أصولي أن يميز بين صحيح الأحاديث وضعيفها، بل ولا استنبط الأول ولا أصَّل الثاني، ولصارت الأحاديث الموضوعة أدلة شرعية يُتحاكم إليها، فلا يكون القضاء إلا بها، لكن ذلك، والحمد الله، لم يكن فقد “نهضت جهابذة الحديث بكشف عُوارِها ومحو عارها”[83]، فهم دون الناس منيذبون عن النقل، يوضحون الصحيح، ويفضحون القبيح، وما يخلي الله عز وجل منهم عصرا من العصور”[84]،فهم حراس الأرض وفرسان الدين، كثرهم الله إلى يوم القيامة”[85]، وعن يحيى بن اليمان أنه قال:”إن لهذا الحديث رجالا خلقهم الله عز وجل منذ يوم خلق السماوات والأرض، وإن وكيعا منهم”[86].

لقد صنع الوضاعون، على اختلاف أصنافهم، كثيرا من الأحاديث تبلغ الآلاف، فقد قيل “وضع الجويباري وابن عكاشة ومحمد بن تميم الفارقاني أكثر من عشرة آلاف حديث”[87]، وروى الخطيب بسند يرفعه إلى المهدي[88] أنه قال:”أقر عندي رجل من الزنادقة أنه وضع أربعمائة حديث فهي تجول في أيدي الناس”[89]، ونقل ابن القيم رحمه الله عن الخليلي قوله:”وضعت الرافضة في فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت نحو ثلاثمائة ألف حديث”[90]. بل افتخر بعضهم بوضعها، ففي “السير” وغيرها، عن ابن علية وإسحاق بن إبراهيم قالا:”أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال: لأريح العباد منك.

فقال: يا أمير المؤمنين، أين أنت من ألف حديث، وفي رواية: أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم، أحرم فيها الحلال، وأحلل فيه الحرام، ما قال النبي منها حرفا.

فقال له الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله ابن المبارك؟ ينخلانها نخلا فيخرجانها حرفا حرفا”[91].

وغير خفي عنك أنه“قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة، قال: يعيش لها الجهابذة”[92].

والذي قصده أمير المؤمنين هارون الرشيد وعبد الله بن المبارك هم أهل الحديث، فكيف لا يطمئن الأمير وتهنأ الرعية؟!، فقد سلك أهلُه في طلبه سبيلا، مُهِّدت من قبل بما جاء في آيات القرآن الكريم وبما ورد في الأحاديث النبوية، فمشوا على أثرها لا يبغون عنها حِولا، فهذا أصل اجتهادهم ومنطلق القوم في قبول الأخبار أو ردها، وإنما هو بذل الجهد والعناء في تتبع طرق الحديث، ومشافهة الرجال مهما بعُدت بين الشيخ والتلميذ الشقة، فنعمت البدعة التي أتوا بها على غير مثال مضى، فكانت في علوم الإنسانية إضافة.

وماذا لو عرضت هذه الأخبار الموضوعة على فقيه أو أصولي، أكان يسعه أن يحدَّث نفسه بمقالة هارون الرشيد، فضلا أن يرفع بذلك عقيرته بين الأنام؟ والحمد لله رب العالمين.

إنتهى الحديث عن مباحث هذه المقالة، ومن أهم ما جاء فيها:

أولا: لا يعتبر الفقهاء والأصوليون عدم الشذوذ من شروط الحديث الصحيح، فالعمدة عندهم في ذلك على عدالة الراوي وجزمه بالرواية.

ثانيا: يشترط المحدثون خلو الحديث من العلة مطلقا، والفقهاء يشترطون خلوه من العلة القادحة. وهذا الوصف، ليس بشيء، لأن الفقيه لا يمكنه أن يتجاوز ظاهر السند، في حين أن المحدث يدقق البحث وينعم النظر في سند الحديث ومتنه، وإن كان ظاهره السلامة.

ثالثا: يشترط المحدثون الضبط التام لقبول رواية الراوي، أما الأصوليون فمعتمدهم في قبول الرواية هو الصلاح والتقوى، ولا ترد روايته ولو كان يخطئ الخطأ الكثير.

رابعا: عدم اعتبار الفقهاء والأصوليين لشرطي عدم الشذوذ والعلة، وكذا عدم اشتراط ضبط الراوي، منسجم تماما مع تطبيقهم العملي في تصحيح الحديث؛ لأنهم يقتصرون، على ثقة الراوي أو على عدالته.

خامسا: وضع أهل الحديث منهجا دقيقا لحماية الحديث النبوي الشريف، فميزوا صحيحه من ضعيفه، ونفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل كلام موضوع، فنخلوه نخلا وأخرجوه حرفا حرفا.

وسيكون الحديث في المقالة الثالثة، إن شاء الله، عن تطبيقات الفقهاء والأصوليين في التصحيح ومناهجهم في ذلك.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– الإمام لابن دقيق العيد، 3/ 91؛ والاقتراح، ص 203.

[2]– لم أستطرد في ذكر الخلاف في الحدود والتعريفات، لا لغة ولا اصطلاحا، ولأن الإطناب في ذلك ليس محمودا، وحجتي في هذا قول الإمام الشوكاني في ترجمة ابن خلدون(ت 808هـ): “وترجمه ابن عمار أحد من أخذ عنه فقال:…كان يسلك في إقرائه للأصول مسلك الأقدمين كالغزالي والفخر الرازي مع الإنكار على الطريقة المتأخرة التي أحدثها طلبة العجم ومن تبعهم من التوغل في المشاحة اللفظية والتسلسل في الحدية والرسمية اللتين أثارهما العضد وأتباعه في الحواشي عليه… مستندا(أي ابن خلدون) إلى أن طريقة الأقدمين من العرب والعجم وكتبهم في هذا الفن على خلاف ذلك… والتقيد بالألفاظ على طريقة العضد وغيره من محدثات المتأخرين والعلم وراء ذلك”. البدر الطالع، 1/ 236.

نعم، صدر الشاهد مقيد بعلم الأصول، لكن ما الذي يمنع طرد حكمِه على غيره من العلوم كعلم الحديث. فإذا تحققت نفس العلة في الموضعين صرنا إلى نفس الحكم آمنين.

        [3]- فتح المغيث للعراقي، ص 7؛ وفتح المغيث للسخاوي، 1/ 29.

        [4]- الاقتراح، ص 187.

        [5]- نفسه.

        [6]- شرح الإلمام، نقلا عن نكت الزركشي، 1/ 104- 106.

        [7]- معالم السنن، 1/ 6.

        [8]- فتح المغيث للسخاوي، 1/ 29.

        [9]- نفسه.

        [10]- توضيح الأفكار، 1/ 20- 21.

        [11]- نفسه، 1/ 22.

[12]– النكت، 1/ 235.

        [13]- توضيح الأفكار، 1/ 20.

[14]– إرشاد الفحول، 1/ 237.

[15]– منهج النقد في علوم الحديث، ص 243.

[16]– نفسه.

[17]– علوم الحديث، ص 90.

[18]– معرفة علوم الحديث، ص 113.

[19]– منهج النقد في علوم الحديث، ص 243.

        [20]- لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، ص 194.

        [21]- علم علل الحديث، 1/43.

        [22]- علم علل الحديث، 1/43- 44.

[23]– منهج النقد في علوم الحديث، ص 243.

        [24]- فتح المغيث، 1/ 29.

        [25]- نفسه، 1/ 29- 30.

        [26]- مقدمة صحيح مسلم، 1/ 56.

[27]– توضيح الأفكار، 1/ 20.

[28]– معرفة علوم الحديث، ص 113.

[29]– مقدمة الفوائد المجموعة، ص 7- 8.

[30]– فارجع أليها إن شئت التفصيل، وقد استفدت في ذكر بعض الشواهد على قول المعلمي رحمه الله من كتاب الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله: طليعة سمط اللآلي، ص 117- 119.

[31]– تهذيب التهذيب،  8/ 38.

[32]– معرفة علوم الحديث، ص 120- 121.

[33]– الميزان، 1/ 581.

[34]– نفسه.

[35]– نفسه.

[36]– التقييد والإيضاح، ص 25.

[37]– نفسه.

[38]– مقدمة التمهيد، ص 87.

[39]– توضيح الأفكار، 2/275.

[40]– شفاء الغلل، 1/ 64.

[41]– الكفاية، ص 174.

        [42]- معالم السنن، 1/ 6.

[43]– فتح المغيث للعراقي، ص 7.

[44]– نفسه، ص 190.

[45]– الميزان، 1/ 534- 535/ 2000.

[46]– نفسه، 1/ 535.

[47]– نفسه.

[48]– سير أعلام النبلاء، 3/ 4208.

[49]– هو عبد العزيز بن مسلم الإمام، العابد، الرباني، أبو زيد القسملي، أحد الثقات، قال أبو عامر العقدي كان من العابدين، أحد الثقات، وقال يحيى بن معين وغيره ثقة، أخرج له البخاري ومسلم.

حدث عن عبد الله بن دينار، ومطر الوراق، وأيوب، وأبي هارون العبدي، وغيرهم. وروى عنه العقدي والقعنبي، وعبيد بن عائشة، وحفص بن عمر الحوضي، وحفص بن عمر الضرير، وآخرون.

ترجمته في: ميزان الاعتدال، 2/ 635/ 5130؛ والسير، 2/ 2295؛ وتهذيب التهذيب، 6/ 356.

[50]– الميزان، 2/ 635.

[51]– الفصول في الأصول للجصاص، 2/ 19.

[52]– الزركشي وكتابه النكت على مقدمة ابن الصلاح، ص 233.

[53]– نفسه.

[54]– نفسه.

[55]– نفسه.

[56]– نفسه.

[57]– لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، ص 42.

[58]– النكت للزركشي، 3/ 375؛ وفتح المغيث للسخاوي، 1/ 350.

[59]– مقدمة صحيح مسلم، 1/ 74؛ والمدخل في أصول الحديث للحاكم، ص 161، وص 164 بلفظ:”كنا نحفظ الحديث وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ركبتم الصعب والذلول”. مقدمة التمهيد، ص 117، من طريق طاوس بألفاظ قريبة من ذلك.

[60]– مقدمة صحيح مسلم، 1/ 76؛ وشفاء الغلل في شرح كتاب العلل، 1/ 62.

[61]– سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في الإكسال، رقم 214.

[62]– الإمام، 3/ 28.

[63]– فتح الباري، 1/ 528.

[64]– نفسه.

[65]– العلل، 1/ 41.

[66]– فتح الباري، 1/ 528.

[67]– نفسه.

[68]– فتح الباري، 1/ 524.

[69]– فتح الباري، 1/ 362- 362.

[70]– سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب التيمم في الحضر، رقم 330.

[71]– سنن أبي داود، ص 58.

[72]– فتح الباري، 1/ 591.

[73]– سبل السلام، 1/ 132.

[74]– نيل الأوطار، 1/ 329.

[75]– الإمام، 3/ 150.

[76]– نفسه.

[77]– أصول السرخسي، 1/ 229.

[78]– نفسه، 1/ 270.

[79]– البخاري، كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما، رقم 338.

[80]– البخاري، كتاب التيمم، باب التيمم للوجه والكفين، رقم 339.

[81]– مسند ابن أبي شيبة، 1/ 290/ 435.

[82]– الباعث الحثيث، 1/ 73.

[83]– علوم الحديث، ص 99.

[84]– الموضوعات لابن الجوزي، 1/ 31.

[85]– الفوائد المجموعة، ص 379.

[86]– الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، 1/ 222.

[87]– الموضوعات لابن الجوزي، 1/ 48؛ وعنه: الفوائد المجموعة، 379.

[88]– هو الخليفة محمد بن المنصور العباسي، كان”قصابا في الزنادقة، باحثا عنهم، معاد لأولي الضلالة، حنق عليهم” مات سنة 169هـ. انظر سير أعلام النبلاء، 3/3720- 3721.

[89]– الكفاية، ص 53؛ والموضوعات لابن الجوزي، 1/ 38. ووقع في فتح المغيث للسخاوي، 1/ 279:”مائة حديث”.

[90]– المنار المنيف، ص 108. ثم قال:”ولا تستبعد هذا، فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال”.

[91]– تذكرة الحفاظ، 1/ 201؛ وسير أعلام النبلاء، 1/ 132؛ وتاريخ الخلفاء، ص 234.

[92]– تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، 1/ 3؛ والكفاية، ص 53؛ والموضوعات لابن الجوزي، 1/ 46.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M