الشيخ مولود السريري يبرز مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية (3)

20 أغسطس 2020 10:00

هوية بريس – الشيخ مولود السريري

 

مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية [3]

 

● المظهر الثالث: الإصلاح بين الناس:

بالوعظ في المجالس والمواسم والمساجد ينشر علماء هذا البلد وصلحاؤه الألفة والمحبة بين الناس، وبه يتوسلون إلى جمع الكلمة، ودرء الفتنة، فيرغبون في الصلح وجمع الكلمة بذكر ما ورد في ذلك من الخير والأجر لمن أتاه، مستدلين بالنصوص الواردة في ذلك من الكتاب والسنة، ومقربين له بذكر أحوال السلف الصالح، وانكفافهم عن الفرقة، والاختلاف، مذكرين بأقوالهم الدالة على هذا الأمر، رجاء أن ينقدح ذلك في قلوب الناس، ويسري في نفوسهم، فيرتدعون عن شق العصا، واختيار التنازع، والشقاق.

ولم يكتف هؤلاء العلماء والصالحون بهذا، بل كانوا يذهبون إلى مواطن النزاع والشنآن والتقاتل، فيوقعون الصلح بين من وقعوا في نار ذلك وأتونه.

فمن المعلوم أن الفقهاء في جبال جزولة وصنهاجة وسهول هشتوكة وغيرها؛ هم من يطفئون نار الحروب بين القبائل هنالك في زمان “السيبة” ويعقدون الصلح بين المتقاتلين فيها، ملزمين الجميع باحترام ما تعوهد عليه، واتفق عليه، منذرين من خالف منهم فنقض العهد والميثاق؛ بعقاب من ربه يناله لظلمه ونقضه للعهد والميثاق.

وأنت لا تحل في أي موطن في تلك القبائل إلا وللناس علم بهذا الأمر، وما زال المسنون المشاهدون لذلك يذكرونه بتفصيل، فيقولون: حين كانت الفتنة والحرب بين قبيلة كذا وكذا، جاء سيدي فلان فأصلح بينهم، فيذكرون مكان ذلك، كما يذكرون – أيضًا – بعض من حضر كذلك من الأعيان، وأهل الحل والعقد. وغالبًا ما يقع ذلك في مكان يقبل الجميع الإتيان إليه.

وقد نعت بعض الناس أشجارا من الهرجان في قبيلة هلالة وقال: تحت هذه الأشجار أوقع سيدي فلان – ولعله سيدي عبد الله التكوشتي – الصلح بين قبيلة كذا وكذا، أو بين دوار كذا وكذا – الشك مني -.

وهذا تسمعه أينما حللت هنالك، يذكر الناس هذه المواطن، وما جرى فيها من صلح بين المتقاتلين والمتنازعين في ذلك الزمان، كما يذكرون أولئك الفقهاء المصلحين بينهم، وغالبًا ما يكون الصلح والإصلاح من فقيه واحد أو اثنين.

وربما اجتمعت جماعة من الفقهاء – إذا كان الأمر خطيرًا – فذهبوا جميعًا، للصلح، ودرء الفتنة. كما حدث حين جاءت جماعة من فقهاء آيت صواب، وأزاريف، وغيرهم، ونزلوا على الرجل الصالح بإفران الحاج الناصري، وهم يسعون إلى الصلح بين أفراد قبيلة تنكرت المتقاتلين بينهم، إذ وقعت بينهم فتنة أذهبت الأخضر واليابس، وأفسدت الحرث، والنسل، ولكنهم – أي هؤلاء الفقهاء – لم يظفروا بطائل في هذا الأمر، فرجعوا إلى مواطنهم – منهم الفقيهان المشهوران الحاج الحبيب التنالتي، والحاج الحسين الشبي – رحمهما الله تعالى -.

وقد ذكر لي العلامة الأديب الكبير الحاج محمد بن البشير الناصري – رحمه الله تعالی – أن هؤلاء الفقهاء لما نزلوا عند أبیه سردوا شيئا من تفسير البيضاوي، وتناقشوا في مسائل منه. وهذا العمل الذي يقوم به علماؤنا في هذا الشأن – الإصلاح بين الناس – يشمل كل القبائل، والقرى، والجبال، والسهول في هذا البلد، ما وجد العلماء فيها.

والصلح إن عقد یکتب، ويوقع عليه، ويلزم الجميع العمل بما فيه. والقبائل تختلف فمنها قبائل يغلب على أمورها الرعاع والسفهاء، ومنها قبائل زمام أمرها بيد العقلاء وأهل القوة في ردع أهل السفه والطيش.

وقلما يُحدِّثُ هؤلاء الساعون إلى الصلح؛ إلا من كان ذا مُنّة في التعقل وحسن القصد، لأنه وقع لبعضهم أمور مؤلمة في هذا الشأن إذا نقض ما أصلحوا به ذات البين، وعقدوه صلحًا بين أناس.

يتبع …

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M