الشيخ مولود السريري يبرز مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية (7 والأخير) ..

29 سبتمبر 2020 21:43
أبيات شعرية في حق الشيخ مولود السريري بمناسبة حفل توقيع كتابه الجديد: (أصول نقد القول العلماني في المعرفة الدينية)

هوية بريس – الشيخ مولود السريري

مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية [7]

* المظهر السابع: رفع القيمة النفسية والمعنوية لأواصر القرابة الأسرية:

لا يمكن للعلاقة بين أفراد الأسرة في مجريات العادات أن تتخطی ما تقتضيه الغريزة وأحوال النفس فيها، فمدار قوتها وضعفها على ذلك، في أي أمة وفي أي بلد، وبذلك كانت على هذه الصورة غير المرضية التي هي عليها في أغلب جهات الأرض وأنحائه اليوم.

والإسلام لم يترك أمر هذه العلاقة لحكم الغريزة وتقلبات أحوال النفوس واضطراباتها، وإنما رقى أمرها وعده من الأمور التي يعد الالتزام بحفظها من شرائعه، وانتهاك ما حد في أمرها وتقرر فيه بالأوامر والنواهي عصيانًا ومنكرًا كبيرًا.
فكان شدّ وثاق الأسرة بالإحسان إلى الوالدين، وإكرامهما، وخفض الجناح من الذل لهما، ووجوب الإنفاق عليهما إن احتاجا له، ووجوب معاشرة الأزواج بالمعروف والإنفاق عليهن، ووجوب العدل بين الأولاد، ووقايتهم مما يضرهم، والإنفاق عليهم، وإثبات الحق بالأخوة والعمومة والخؤولة، وما أشبه ذلك كله من الإسلام؛ فهو الذي حلى المجتمعات الإسلامية بهذا، وجعله مما به قيامها حقيقة. ولولاه لأسرع الفساد والانفكاك إلى هذه الروابط الأسرية ولاستحال أمرها إلى انحلال وانفصام نكد، على غرار ما عليه الحال عند غير المسلمين.

قد يقول القائل: يمكن أن يجري ويقع انتظام أمور الأسرة ويحصل استحکام حلقاتها بدون هذا الذي ذكر، فقد يكون ذلك عن الروابط العاطفية وغيرها مما يصلح لتحصيل هذا الأمر.

نعم، لكن هذا لا يلزمه الثبوت والاستمرار، ووجوب الاتصاف به، وبذلك فإنه قد يكون مثمرا للاضطراب في السلوك والالتزام في العمل، مما قد يكون عنه كيات في النفوس بموجب الإقبال والإدبار، فقد تكون النفس مشتاقة إلى الإحسان والإكرام، فتصدمها مرارة الجفاء فتكوى بذلك.

وربما تتغير أمزجة المرجوين للخير في شأنها، فتتلقى من ذلك ثمدًا من الكرم، والإحسان؛ لكن ذلك غير مأمون، فقد تنقلب تلك الأمزجة مرة أخرى، فيترتب على ذلك الآلام والأحزان.

ولا يخفى أن هذا أشد ألما على النفس من اليأس، الذي لا يصاحبه إقبال في الاشتياق والإدبار.

والإسلام درأ هذا كله، فثبت هذه الروابط على أركان، انتهاكها ما يترتب عليه مبین معلوم، ولا أحد يتملق أو يترجى ليرحم من وجبت عليه رحمته، بل يلزم بذلك على قطع وحسم، وعليه أن يأتي بذلك على الوجه الأكمل الأتم، كيفما كانت أحوال أمزجته النفسية، فذاك واجب شرعي، لا أمر ممتن به.

وفي مجتمعنا الأمازيغي جرى هذا الأمر – العلاقة الأسرية – على هذا السنن الإسلامي العظيم، فالوالدان بركة البيت ومجلبة النعمة والراحة النفسية إليه، هذا معتقد الأمازيغيين المؤمنين الفضلاء، ومن خرج عن هذا فإنه يعد عندهم من سقط المتاع. وكلمة “مسخوط الوالدين” عندهم مشحونة بمعاني دالة على الفشل والتنكب عن سبيل الظفر، وملازمة الشؤم، وغير ذلك من صنف هذه المعاني الدالة على الدناءة، والذهاب في طريق الهاوية.

قد يكون الأمازيغي الأصيل الحر فقيرًا يكسب قوته وقوت عياله بعرق الجبين، ووالداه عنده في بيته بصفة الأمراء، بيدهما الحل والعقد، لا يُقدِم على أمر إلا بعد إذنهما، يقبل رأسيهما أو يديهما غاديًا ورائحًا، يربي أولاده على احترامهما، وتقديرهما، سرت جداول المحبة والحنان بين الكبار والصغار في الأسرة. الجد والجدة أشد محبة لأحفادهما من والديهما، وهذا أمر مشاهد ثابت بالعيان، وللأمازيغ مقالات في هذا المقام. والقصص الواقعية المؤثرة الواردة في هذا كله أكثر من أن تحصى، أو تعد.

وكل هذا من ثمرات الإسلام، إذ هو الذي أسس لهذا بأمر هو معتمد هذا كله ومنبعه، معتضدا بما ذكر من الأوامر الأخرى الثابتة والنواهي، وذلك الأمر هو الربط بين المتزوجين بالعقود الصحيحة التي تترتب عليها ثمراتها الشرعية، والمعنوية، والنفسية، ومنها هذه العلاقة التي أساسها المحبة والحنان، فلولا هذا الارتباط الشرعي ما كان هذا الخير والبركة في هذا الشأن.

وهذا لا يصح أن ينزع منه أن كل الناس ممن ذكر ماضٍ على سنن الاستقامة في هذا الشأن، فإن منهم العاق المتمرد، وقد يكون مغلوب على أمره إذا كانت له زوج شريرة صرفته عن الالتزام بهذا الأمر الواجب عليه؛ إلا أن هذا نادر، لا يكون إلا من الرعاع، والسفلة، وضعاف النفوس.

نعم، في هذا الزمان يوجد كثير ممن أغلت عقدة رجوليته فخضع لتقلید غير المسلمين في هذا الشأن، فانحط عن منزلة أرباب الفضل، وأباة الضيم. وقد تقدم موجب هذا الأمر وسببه، ومأتاه، وأن الذهاب فيه خنوع ومذلة.

خلاصة القول: أن الإسلام نعمة تغيرت بها الأحوال الخبيثة وزالت، وهذه بعض مظاهر التغيير الإسلامي لأحوال الأمازيغيين، وهي كلها – كما ترى – مظاهر رافعة لقدرهم معلية لشأنهم، واضعة إياهم في مراتب الأمم ذات الحضارة العلمية والروحية الخالدة.

وإنما اقتصرت على هذه المظاهر دون غيرها من المظاهر الأخرى التي تجلى فيها هذا الذي ذكر في التغيير؛ لأن غرضي هو التمثيل، لما سيق له الكلام، والتنبيه على أن هذه الجهة هي الأجدر بالذكر. والأولى بالاهتمام، فكل دراسة الأمة ما لم تذكر فيها هذه الجهة بالبيان الكافي هي دراسة ناقصة، وقد تكون لا قيمة لها، لأنها قد أغفل فيها الوصف المقوم لها على الحقيقة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M