الطفل كمخاطَب في سياسة القناة الثانية.. الحقيقة وأقنعتها

19 نوفمبر 2020 13:02

 هوية بريس- محمد زاوي

إنني لأستغرب صرف البعض لنقده بطريقة لاذعة للفكاهي “عبد الرحمان إيكو”، مقدم الحلقة الأولى من برنامج ECOLE DES FANS. وإنني لأستغرب النقد الموجه للبرنامج ذاته، في خضمّ الكم الهائل من العبثية والإسفاف والتبعية الذي تخصصت فيه القناة الثانية قبل عقود. فهل الأزمة هي أزمة “إيكو” والبرنامج المقدّم من قبله فقط؟ أم أنها أزمة ملازمة للقناة الثانية والواجب هو مناقشتها ككل؟ هل كانت براءة الطفل تصان في برامج أخرى حتى نصبّ جامّ غضبنا اليوم على برنامج “إيكو”؟ أليست أزمتنا هي أزمة كوميديا وسنيما ومسرح وموسيقى ونثر وشعر… إلخ؟ أليست أزمتنا من تبعيتنا للأجنبي فرنسي أو أمريكي؟

إنه لمن الغباء تكثيف النقد تجاه محتوى لم يتكثف فيه الإسفاف بقدر ما تكثف في محتويات أخرى، ولم يملأه العبث بقدر ما ملأ برامج وأفلاما وعروضا “فنية” أخرى كثيرة. ليس فعل الجماهير هو نفسه فعل النخب، والواجب هو أن تعمل هذه على توجيه الأولى. قد تكثف الجماهير غضبها تجاه برنامج ما، معبرة بذلك عن مدى الضرر الذي ألحقته بها الأزمة ككل. وهو ما لا يجوز للنخب، وإلا لما بقي معنى للتمييز بين خاصة وعامة. دور النخب هو أنْ تستقرئ الإسفاف والعبثية والتبعية من كافة فقرات وبرامج “الخط الإعلامي” للقناة الثانية، ثمّ تفسره بسياسة القناة الثانية، والتي هي سياسة من يفرض تبعيته عليها في نهاية المطاف.

فلنعرض، الآن، بعض ما تتميز به برامج وفقرات القناة الثانية:

– انتقائية مكشوفة في نقل بعض أخبار المجتمع، وخاصة منها تلك التي تفقِد ثقة المشاهد في الجماعات العائلية والسياسية والدينية (بتعبير إميل دوركايم في كتابه “الانتحار”)، بشكل غير مباشر ومن وراء حجاب.

– دراما وكوميديا لا تخرجان عن إطارات: إطار العبث واللامعنى، وإطار الاشمئزاز من الطبقات الدنيا والسخرية منها، إطار التبعية للأجنبي وقيمه.

– موسيقى وغناء لا يخرجان عن إطارات: الغناء الشعبي المبتذل، فلكلور يستدعى على حساب الثقافة، الأشكال العولمية والعبثية للموسيقى والغناء (حيث العبث في النوتات الموسيقية، وحيث يملأ اللامعنى مكان المعنى).

– رسوم كرتونية أخذت تنحو، مؤخرا، منحى العبث واللامعنى: حيث غياب القصة واضحة المعالم (من البداية إلى النهاية/ انتصار الخير في معركة بين خير وشر يتجسدان في رسوم كرتونية)، وحيث تتكون السلسلة الكرتونية من فوضى الشخصيات (العلاقة بين الحيوان والإنسان والنبات والجماد) والأصوات (ضجيج وغموض في النطق تنتج عنهما اختلالات في الإدراك).

– تناول بورجوازي، وضعاني مثالي لا أدري ذاتي تجزيئي، لقضايا النفس والمجتمع والدولة. وذلك، في مختلف البرامج: “الخيط الأبيض”، “مباشرة معكم”… وغيرهما من البرامج.

– التطبيع مع التبعية والاستعمار الثقافي، ومنه: التطبيع مع الثقافة الفرنكفونية، وبث أفلام رَصَد فيها متابعون بعضَ مظاهر “الصهيونية”.

… إلخ.

ليست “القناة الثانية”، وحدها، التي تخاطب المشاهِد المغربي بهذا النوع من المحتوى. بل إن أزمة هذا المشاهِد جد معقدة، وتنتجها قنوات أخرى، مغربية وغير مغربية. وحسبنا هنا أن بينّا عمق الأزمة وكونها أكبر من برنامج “إيكو”، كما أن أزمة فكاهتنا أكبر من كوميديا “إيكو”. أما الطفل فإنه خاضع، عبر القناة الثانية، لثلاث سياسات:

– سياسة بورجوازية تبعية.

– سياسة فرنكوفونية.

– سياسة عولمية.

وهي كلها من سياسات النظام الاجتماعي الرأسمالي. وبالرغم من أنها لا تنفي سياسات أخرى، وطنية وإنسانية بصفة كلية؛ إلا أنها تؤثر في الطفل أكثر مما تؤثر هذه الأخيرة، على مستوى الوعي والعاطفة معا. وهي كلها موجَّهة للطفل، ولو لم يشاهدها. إنها تخاطبه: مباشرة (كبرامج الأطفال والأفلام الكرتونية)، أو بشكل غير مباشر (عن طريق البرامج التي يشاهدها والداه).

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M