العلامة محمد بوخبزة.. شيـخ تطـوان بنـت الأنـدلـس

23 يناير 2016 18:38
إرث الشيخ محمد بوخبزة العلمي "جوهر لا يُملّ من ترداد النظر في بريقه"

هوية بريس – د. عبد الله الشارف

السبت 23 يناير 2016

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه،

لقد كانت سنة 1389هـ؛ 1970م، سنة حاسمة في حياتي، وبداية عهد جديد يتسم بحب العلم والمعرفة، لم تلبث أن ظهرت آثاره في دراستي بثانوية القاضي عياض بتطوان…

كان عدد الحاضرين في الجلسة العلمية يقارب العشرة، وقد جلسوا على الحصير يستمعون إلى دروس السيرة والتفسير والنحو والبلاغة. وبفضل شخصية الفقيه محمد بوخبزة المرحة والانبساطية، لم تكن هذه الدروس مملة، بل كان إقبالنا عليها شديدا ورغبتنا في التحصيل قوية. وكان أستاذنا جزاه الله عنا خيرا وبارك في عمره، كثيرا ما يدعونا إلى بيته ويقدم لنا الشاي والحلويات، كما يتحفنا بالنوادر الأدبية والتاريخية، وأحيانا يدخلنا مكتبته القيمة ويعيرنا الكتب التي كنا نرغب في مطالعتها. لقد غرس فينا حب القراءة والبحث، وعلمنا آداب المناقشة والحوار، كما رغبنا في الدعوة الإسلامية، وحثنا على قراءة كتب الدعاة من القدامى والمحدثين، من أمثال تقي الدين بن تيمية، وحسن البنا، وأبي الأعلى المودودي رحمهم الله.

وبما أنه كان يميل إلى المذهب الظاهري في كثير من المواقف والأحكام الفقهية، لم يكن يخفي إعجابه بشخصية ابن حزم، مما دفعني إلى الاهتمام بهذا العالم الموسوعي الفذ، فقرأت بعض مؤلفاته التي أسرني فيها كلامه المنطقي والفلسفي، ومنها صرت أبحث في الكتابات الفلسفية عند المسلمين، فقرأت لأبي علي بن سينا، ولأبي نصر الفارابي، ولأبي حامد الغزالي، ولأبي الوليد بن رشد…

وسرعان ما بدأت بذور جلسات أستاذنا الدينية تثمر، حيث تجلى أول الغيث في تأسيس مجلة “لسان الطالب” بثانوية القاضي عياض، والتي أسهمت فيها بمقال حول “مشكلة الملحدين”، كما شارك صديقي الأمين بوخبزة بمقال تحت عنوان: “الماركسية تحارب الدين”. وقمنا بتوزيع بعض أعداد المجلة على ثانويات المدينة. غير أننا فوجئنا بعد بضعة أيام، عندما ذكرت جريدة “البيان” أسماءنا قائلة؛ بأن الإخوان المسلمين بدأوا يفرخون… في ثانوية بمدينة تطوان!! ولم يكن هذا التهديد ليثنينا عن عزمنا، بل كنا نستغل كل الفرص لنوضح مبادئ الإسلام لتلاميذ المؤسسة، ونحذرهم من الوقوع في حبائل “المتمركسين” المعجبين بتعاليم ماركس ولينين، والذين كانوا يحلمون بثورة “شي غيفارا” في الوطن العربي.

إن بيت أستاذي الجليل كان، ولا يزال، قبلة للطلبة، والأساتذة والباحثين المغاربة، وغير المغاربة، ممن تاقت أنفسهم إلى البحث والتنقيب في العلوم الدينية والأدبية والتاريخية، أو ممن لهم شغف بعالم المخطوطات، حيث يظفر كل واحد منهم بما ينفعه ويشفي غليله، وشيخنا العلامة الجليل كله آذان صاغية لأسئلتهم واستفساراتهم، لا يعرف الملل، بل تعلو محياه ابتسامة الفرح والرضا.

ولقد تتلمذ على يديه مئات الطلبة والشباب عقودا طويلة، بدءا من خمسينيات القرن الماضي الميلادي. كما استفاد من خطبه ودروسه المفيدة والنافعة بجامع العيون، كثير من المؤمنين، وذلك على مدى ما يقرب من أربعة عقود. وراودته الدنيا عن نفسه، فاستعصم وأبى وزهد فيها، كما رغب عن السياسة ليتفرغ للعلم والدعوة والتعليم.

وقلما تعثر على عالم مغربي معاصر، دافع عن السنة وقمع البدعة، مثل ما فعل شيخنا وأستاذنا الفاضل. وإنك لتلمس في دروسه وثنايا خطبه وكتاباته، ما يدل على هذا التوجه العلمي والدعوي بكل صدق وإخلاص. وهكذا فقد غرس في قلوب تلاميذه ومحبيه، حب السنة وكراهية البدعة. وله، حفظه الله، مع المتبدعة صولات وجولات، كما نظم قصائد شعرية في هجوهم والرد عليهم، مما لا يتردد قارئها في الحكم على علو كعبه في هذا الشأن. بل لا يسامى فيه ولا يجارى.

ولا أعرف أيضا عالما أو باحثا مغربيا، أحب المخطوطات واعتنى بها عناية شيخنا بها. فقد ظل ينسخ لسنوات طويلة بخطه الرائق الجميل الأصيل، مئات من الرسائل المخطوطة الثاوية في المكتبة العامة والمخطوطات بمدينتنا تطوان بنت الأندلس. ثم طفق يتردد على مكتبته ببيته كثير من المحققين والدارسين لنفائس المخطوطات العربية، حيث نالوا بغيتهم بمنحه إياهم نسخا منها كي يعملوا على دراستها وتحقيقها. وهكذا يكون شيخنا بإشرافه على قسم المخطوطات في المكتبة العامة وعنايته به، وبما أسداه من خير لأولئك المحققين، قد أسهم في إخراج عدد كبير من تلك المخطوطات من عالمها المنسي، إلى فضاء العلم والمعرفة.

إن شيخي، رعاه الله، كريم المحتد والمنبت والعنصر. وله من المحاسن، والمحامد، والمكارم، والمفاخر ما لا يحتاج إلى ذكر أو تفصيل. ويكفيه فخرا في الأرض وذخرا في السماء؛ حبه للسنة والذب عنها، وبغضه للبدعة والرد على أهلها.

أما من حيث الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة والأدب والتاريخ والتحقيق… فقد أخذ منها حظا كاملا وسهما وافرا. كما جالس العلماء في المغرب والمشرق وناظرهم؛ من أمثال تقي الدين الهلالي، والشيخ الألباني، والشيخ الأنصاري رحمهم الله، وكذا الشيخ الحويني حفظه الله تعالى.

جزى الله شيخنا وأستاذنا الجليل خير جزاء، وحفظه وأعلى مقامه يوم القيامة في عليين. آمين.

وكتبه تلميذه أبو عبد الرحمن عبد الله الشارف.

العلامة محمد بوخبزة.. شيـخ تطـوان بنـت الأنـدلـس

آخر اﻷخبار
6 تعليقات
  1. سبحان الله ما زادني فيكم هذا المقال إلى بصيرة… تأكدت من خلال قول الكاتب: (وحثنا على قراءة كتب الدعاة من القدامى والمحدثين، من أمثال تقي الدين بن تيمية، وحسن البنا، وأبي الأعلى المودودي رحمهم الله.) تأكدت بأنكم إخوان سرورية… فأنا أقدر علم الشيخ بوخبزة لكن ديننا وعقيدتنا تحتم علينا بأنه لا كرامة لأهل البدع والآراء الفكرية المعادية للسنة وأهلها وإن كان بوخبزة أو من هو أعلم منه من المتأخرين والمتقدمين… وتأكدت صدق أولئك فيكم.. وبالمناسبة فلتبينوا للناس ضلالات سيد قطب وخصوصا حسن البنا في رسائله.

  2. الله أكبر صدق ذاك المدخلي وأصاب،والطيور على أشكالها تقع.
    أنعم بحسن البنا والمودودي،ودس السم في العسل!!!وذكر المجدد الثاني وأضف له ذاك الهلالي.ولا بأس، فالشيخ قد دلنا وإن كنا بأم أعيننا نرى القتل في مساجد المملكة السعودية،والأحزمة تفجر ،والإنتحاري يعمر بكلام البنا والمودودي.
    وطبعا أنتم ايها (المداخلة)!!! ما تركتم لنا العلماء

    1. غبي أنت وأحمق ونفتخر برميكم لنا بالمداخلة فأنا والله الذي لا إله غيره لا أعرف الشيخ ربيع المدخلي ولم أسمع له درسا كاملا ولا كتابا كاملا ومع ذلك أحبه وأجله وهو عالم كبير لأهل السنة في هذا العصر. ثم هذه كتب السلف نرجع نحن وإياكم إليها ونزن بها مواقفكم وأفكاركم وأفعالم وأقوالكم. سبحانك هذا بهتان عظيم.

  3. لست مدخليا وأعوذ بالله أن يبتلينى بما ابتلى به المداخلة

    لكن أقول كلمة حق : هذا المقال أشم فيه رائحة الإخوان وليس العيب في الإخوان لكن العيب في نسبة الشيخ بوخبزة حفظه الله إلى الإخوان و إلى الفلاسفة

  4. السلام عليكم ، تريثوا يا إخواني ، فإن هذا كان في السبعينات ، و أي رجل في السبعينات تبينت له حقيقة الإخوان المفلسين؟ بل الشيخ ابن باز لم يكن يعرف حقيقتهم آنذاك و توسط لعدم إعدام سيد قطب ، و لا الشيخ تقي الدين الهلالي كان يعرف حقيقتهم و مكرهم حين أثنى عليهم و على مرشدهم حسن البنا في كتابه (الدعوة إلى الله) و فرح فرحا شديدا حين طلب منه البنا أن يرسل له مقالات لنشرها في مجلة الإخوان المفلسين و كان رحمه الله يحتال على المحتل الإسباني لإرسال تلك المقالات كما أخبر هو بنفسه، بل الشيخ ربيع المدخلي نفسه كان إخوانيا منتظما داخل صفوفهم داعيا إليهم حتى سنة 1412 هـ ،

  5. فهل هؤلاء مبتدعة ضلال خوارج في ذلك الوقت ؟ كلا ، إذا كيف تلتمسون لهم الأعذار و لا تلتمسونها لهؤلاء و العلة واحدة ؟ .و هؤلاء الحزبيون يحاولون أن يتمسكوا بأي شيء يتوهمون أنهم به يجعلون عالما ما أو شيخا ما على طريقتهم و ما هو على طريقتهم ، إن ( الإخوان المفلسين = التوحيد و الإصلاح) لو اجتمعوا في كفة و الشيخ بوخبزة في كفة لرجحت كفة الشيخ و طاشت كفتهم ، أينهم من إنتاجه العلمي و تحقيقاته و جمعه للعلم و حفظه للمخطوطات و اهتمامه بالتصفية و التربية و بعده عن السياسة الآثمة و تحذيره منها ؟…هؤلاء لا في العير و لا في النفير ، دعوتهم : ديمقراطية ، حزبية حركية انتخابية … و دعوته علمية سلفية فقهية عقائدية ، فأين الثرى من الثريا؟.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M