المخالفات الشرعية في مقررات اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي (ج6)

28 مايو 2016 16:26
المخالفات الشرعية في مقررات اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي (ج6)

ذ. محمد هرماش

هوية بريس – السبت 28 ماي 2016

انتهى بنا الكلام في الجزء الخامس من هذه السلسلة عند مقالةٍ لأدونيس يصدح فيها بإنكار الخالق جل وعز، ويعدّ ذلك شأنا مقدسا كقداسة الإنجيل؛ وهذا مراده من قوله: (…والرفض إنجيلي). وقد مر معنا في الجزء الثالث أنه يرى “الحداثة” دينا يجب إحلاله محل الدين الحق. ومقابل هذا الكفر بالله الواحد الأحد، لايتردد الشاعر الحداثي/العلماني خليل حاوي في التضرع لتموز؛ إلـه الخصب: (ظاهرة.. ص.137.136).

((يا إلـه الخصب، يابعلا يفُضّ

التربة العاقر

يا شمس الحصيد

نجّنا، نجّ عروق الأرض

من عقم دهاها ودهانا،

أدفئ الموتى الحزانى

والجلاميد العبيد…

يا إلـه الخصب، يا تموز يا شمس الحصيد

بارك الأرض التي تعطي رجالا

أقوياء الصلب نسلا لايبيد)).

ونظير هذا كثير في شعر الحداثيين.

ولقد نعجب من خطل آراء هؤلاء الشراذم، المنبوذين من لدن جمهور المسلمين، المحجوبة أهواؤهم عن فطر الناس؛ على انبساط أيديهم في حكومة السواد الأعظم من بلاد المسلمين، وإمداد أهل الصليب إياهم بكل وسيلة، وتحريضهم على قمع مخالفيهم، والتنكيل بمن يعارض خططهم.

إنّا لنعجب منهم وهم يصرون على باطلهم وكفرهم بالله العظيم، زعما أنه لم يوجد إلا في أوهام المومنين به، ثم اكتسب شرعية الوجود -زعموا؛ وبئس ما زعموا- بتعاقب الأجيال في غابر الأزمان.

وهم حين يزعمون أنه سبحانه مات -تعالى الله عما يقول الظالمون- إنما يعنون أنه مات في قلوبهم المنكوسة؛ لا أنه كان قبلُ. وبعد هذا الصخب كله، تراهم يمجدون الأوثان التي أطبق العقلاء أنها من أساطير الجاهلية الجهلاء، وخرافاتها الرعناء.

كمثل الذي أريتك أيها القارئ الكريم، في ضراعة خليل حاوي بين يدي الوثن تموز. أو كالذي ترى في قصيدة “هبوط أورفيوس إلى العالم السفلي” للبياتي، كتاب “الممتاز” (ص.116) إذ يجعل فيها الوثن “عشتار” قادرة على بعث الموتى وإحيائهم من جديد، يقول:

(كلما نادتك عشتار من القبر ومدت يدها ذاب الجليدْ

وانطوت في لحظة كل العصورْ

وإذا بالليل ينهار وتنهار السدودْ

وإذا بالميْت المدرج في أكفانه يصرخ كالطفل الوليدْ

بعد أن باركه الكاهن بالخبز وبالماء الطهورْ).

غير أن ذاك العجب يزول حين نعلم أن الحداثيين يبغون سَلْك الأديان كلها -حقِّها وباطلِها-في سِلك أساطير الأولين؛ فيضعون من شأن الإسلام، ويرفعون بالخرافة رأسا حتى تزاحم دين الحق؛ فيستوي الجميع في أذهان القارئين. ثم يُخص دين الله بالازدراء والتحقير، تنفيرا منه، حيطةً أن يغادروا بقية من توقيره في نفوس القارئين.

والكلام في هذا يطول، وحسبنا ما أوردناه، فلعل الله سبحانه يبارك فيه، ويجعل فيه وفاء بالمقصود، وغنيةً عما لم يذكر. فلقد أحسب أني بينت غرضي، بما لا إخلال فيه نقص ولا تقصير ولله المنّ، وله الحمد في الأولى والآخرة.

وأحب هنا أن أنبه إلى أن السعي إلى تكريس الحداثة/العلمانية كان أمرا مبيتا؛ مقصودا إليه، من قِبل الجهات القائمة على إخراج هذه المقررات، واعتمادها في المدارس المغربية. وبرهان ذلك ما جاء في كُتيّب “التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي” الذي أصدرته مديرية المناهج، التابعة للكتابة العامة لوزارة التربية الوطنية، نونبر2007؛ فقد جاء في المدخل العام لمراجعة المناهج (ص.5) ما نصه:

(تنبثق المراجعة الجديدة لمناهج المرحلة الثانوية التأهيلية.. من تصور فلسفي يؤسس لمشروع مجتمعي تربوي قوامه:

– التمسك بالعقيدة الإسلامية وما تنص عليه من تسامح وانفتاح.

– الانخراط الإيجابي في الحداثة وترسيخ ثقافة الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان.

– حفظ التراث الحضاري والثقافي للبلاد بتنوع روافده والعمل على تجديده…).

هذه بعض المقومات أو الغايات المعلنة باعتبارها دوافع لعملية المراجعة. والمتأمل فيها يلحظ أن هدفها الأساس هو: ترسيخ التوجه الحداثي/العلماني، وأما ما سواها من العناوين والشعارات فإنما هو للتمويه والمغالطة، وتلطيف حدة الخطاب وبشاعة المقصد.

ولا يخدعنْك البدء -في المقوم الأول- بشعار “التمسك بالعقيدة الإسلامية”، فإنه مفرّغ من معناه؛ صيره واقع حال الحداثيين كلاما أجوف؛ إذ التمسك إنما يكون بالأفعال والأحوال فضلا عن الأقوال. وأحوال المقررات الدراسية في الثانوية المغربية بعيدة عن هذا التمسك؛ فهذه مادة التربية الإسلامية تواجه حربا علمانية/حداثية ضروسا، يدعون إلى تقليص حصصها حينا، وإلغائها أحيانا، وما أكثر ما حذف من مضامين مقرراتها لأنه غير ملائم “للحداثة”.

هذا مع أن التربية الإسلامية وضعت بداية في ذيل القائمة؛ هي الأقل زمنا الأضعف معاملا. حالها من حال البند الذي ينص على إسلامية الدولة في الدستور.

وينسخ ذلك “التمسك” أيضا ماجاء بعده، وهو: (..وما تنص عليه من تسامح وانفتاح)). والتسامح هنا بالمفهوم الحداثي؛ أي: قبول ما عليه غير المسلمين من شرك وانحراف ومنكرات، بل والاحتفاء بذلك و”الانفتاح” عليه بدعوى احترام الآخر. فلا دعوة إلى التوحيد، ولا نبذ للشرك، ولا ولاء ولا براء، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر… فهذه كلها عند القوم نقيض للحرية والحداثة، وإنما هو “التسامح والانفتاح”. ولا يزال المغاربة يذكرون ذلك المفتون الذي وصف رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، يدعوه فيها إلى الإسلام، فوصفها اللعين بالإرهابية.

فالمقصود إذن هو: التمسك “بالتسامح والانفتاح” كما عبر عنه الشاعر، في كتاب واحة اللغة العربية، في قصيدة “تسامح الصغار” يصف فيها جماعة من أطفال المسلمين يشاركون أبناء النصارى في الاحتفال بعيدهم الذي يصادف شهر دسمبر، ولأنه وافق شهر شعبان زعم الشاعر أنهم يحتفلون به أيضا، واستغرب ألا يفعل الكبار كفعلهم ويذروا خلافاتهم؛ يقول: (ص.135):

صغـــار بحُــلـوانَ تستـبشــــر***ورؤيــتـها الـفـرح الأكــبــر

ومن عجب منهم المسلمــــون***أو المسلمـــون هم الأكــثـــــر

فـلاسـفـة كــلهم في اتــفــــاق***كـما اتــفــق الآل والمعـشـــر

دِسَمْبرُ شعـبانُ عــــند الجميع***وشعــبانُ للـكـــــــل دسمبـر

فيا ليت شعري أضل الصغار***أم العقل ما عنهم يــــؤثــــر؟

سؤال أقـدّمـه للـــكـبـــــــــــار***لعل الكبـــار به أخـبــــــــــر

ولا يخفى ما في هذا “التمسك” بهذا “التسامح” من إهدار مبيت لأصول الشريعة، وثوابت العقيدة الإسلامية؛ فهو عين القبول بالباطل، والرضى به عياذا بالله.

وللحديث بقية إن شاء الله.

المخالفات الشرعية في مقررات اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي (ج6)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M