المرتكزات الأربعة لإصلاح مهنة التوثيق العدلي

15 فبراير 2021 20:39

هوية بريس – نورالدين مصلوحي (عدل بمدينة خنيفرة)

 تلعب مهنة التوثيق العدلي دورا محوريا في التنمية السوسيو اقتصادية، حيث تشكل أداة أساسية لاستقرار المعاملات وحفظ الأموال وحماية الحقوق وبيان الواجبات والالتزامات بشكل دقيق وضمان الأمن التعاقدي، إضافة إلى دورها في التخفيف من المنازعات القضائية.

وتشخيصا للوضع الراهن لهذه المهنة، يمكن القول أن مهنة التوثيق العدلي تتسم بمواطن قوة لا يمكن إنكارها تتمثل في وجود عدول لهم خبرات متميزة وذوو كفاءات عالية تلاها فوج جديد “فوج 2018” حاصل على شواهد عليا في القانون وكذا في الشريعة، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المهنة ما زالت تشوبها اختلالات ومواطن ضعف بينة، منها ما يعتريها من بطئ وتعقيد، ومن قصور في التدبير الحديث، إضافة إلى وجود بعض الممارسات المنحرفة أفقدت المتعاقدين أحيانا ثقتهم في مهنة التوثيق العدلي، وغطت على الجوانب المنيرة فيها، وعلى السلوكات الجديرة بكل تقدير للنزهاء من رجالها ونسائها.

ووعيا بمواطن القوة ومواطن الضعف السابق ذكرها، وانطلاقا من التوصيات والمقترحات الصادرة عن الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، فإن إصلاح مهنة التوثيق العدلي لن يقوم إلا على مرتكزات أربعة وهي كالآتي:

أولا: تحديث مهنة التوثيق العدلي

إن قانون مهنة التوثيق العدلي والواقع يشهدان أن عمل العدول يعتمد على آليات معقدة وبطيئة جدا وغير مواكبةللمستجدات الرقمية والتكنولوجية، فالعدول لا يزالون يكتبون الوثائق بخط اليد في مذكرة الحفظ، ثم يحررون العقد بعد ذلك في وثيقة تقدم إلى القاضي المكلف بالتوثيق، هذا القاضي الذي يعطي الأمر للناسخ الذي يشتغل بقسم التوثيق المتواجد بقسم قضاء الأسرة الذي يقوم بتضمينها كذلك بخط يده في سجل خاص، ليأتي العدلان مرة أخرى إلى المحكمة للتوقيع في سجل التضمين ويوقع القاضي معهم، ثم أخيرا يخاطب القاضي على الوثيقة العدلية لتكتسب الصيغة الرسمية.

وهذه المسطرة السابق ذكرها تتنافى مع توجه الدولة إلى تبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية تيسيرا على المواطنين وحفاظا على وقتهم.

ومن هذا المنطلق نقترح إضفاء الصبغة الرسمية على الوثيقة العدلية ابتداء من توقيعها من طرف العدل. وإعطاء هذا الأخير الحق في الاحتفاظ بالأرشيف في مقر مكتبه، وإيجاد حلول للنساخ بإدماجهم في مهن أخرى حسب اختيارهم ومؤهلاتهم.

ثانيا: تخليق مهنة التوثيق العدلي

إن تخليق مهنة التوثيق العدلي يعد من المداخل الأساسية لتحصين هذه المهنة من مظاهر الفساد والانحراف، لما لذلك من آثار على تعزيز ثقة المواطن فيها، وتكريس دورها في تخليق الحياة العامة، ودعم وإشاعة قيم ومبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة الجيدة.

وانسجاما مع التوصية رقم 53 الصادرة عن الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، يتعين على الهيئة الوطنية للعدول إعداد مدونة سلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية التي يجب على العدول الالتزام بها، وإعطاء هذه المدونة صبغة إلزامية، وترتيب المساءلة التأديبية على مخالفة مقتضياتها، وإدماجها ضمن التكوين الأساسي والمستمر، وكذا إعداد لجنة من طرف المكتب التنفيذي تسهر على مراقبة مدى احترام العدول لقواعد مدونة السلوك.

ثالثا: إنماء القدرات المؤسسية للعدول

لا يمكن الحديث عن إنماء للقدرات المؤسسية دون توفر بنيات أساسية تليق ومستوى العدول ومكانتهم الاعتبارية، إذ يتعين تخصيص ميزانية لإحداث مؤسسة خاصة بتكوين العدول، ومد يد العون للهيئة الوطنية للعدول عن طريق تمكينهم من خدماتقضاة ومحامين وأساتذة جامعيين أكفاء.

ويجب اعتماد مبدأ إلزامية التكوين الأساسي للعدول، والرفع من مدة هذا التكوين إلى سنتين على الأقل، ووضع برامج سنوية للتكوين المستمر والتخصصي لتعميق المعارف المهنية للعدول، وجعل التكوين المستمر من حقوق وواجبات العدول وترتيب المساءلة التأديبية عن الاخلال بهذا الواجب.

رابعا: التحصين الاقتصادي للعدول

إن المرسوم المنظم لتعريفة أتعاب العدول يعود إلى سنة 2008، وبالاطلاع على هذا المرسوم نجده لا ينسجم مع القدرة الشرائية الحالية للعدول الذين يقع على عاتقهم مجموعة من الأعباء والتكاليف، من إعالة لأسرهم وكراء لمقر المكتب وأداء مصاريف الكهرباء والماء وشبكة الأنترنيت وأجور الأعوان والمساعدين، وكذا أداء الضرائب الملزمين بها، فيجب تعديل هذه الأتعاب بما يتلاءم مع ظروف المعيشة والأسعار، ويدعم نزاهة العدول بما يخدم المجتمع، وذلك عن طريق تحصين هذه المهنة من الفساد الذي يقوض الأمن التعاقدي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M