المغرب مجرد “مشروع دولة” عند زعيم حزب جبهة القوى الديمقراطية اليساري؟!

18 سبتمبر 2021 21:17
هل المغرب فقط مشروع دولة!!

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

ملخص: يتعرض المقال لتصريح مصطفى بن علي، ممثل جبهة القوى الديموقراطية، الذي بشر بانتقال المغرب، من مشروع دولة إسلامية لمشروع دولة لبرالية، وقد جاء لتهنئته ودعمه، ناسيا أنه كان حزبا حاكما منذ تأسيسه لهذا الغرض في السبعينيات، بل إن الحسن الثاني اختار اللبرالية منذ بداية حكمه، فتعرض من الرفاق لما هو معروف عند المتحدث، كما بينا بعضه في المقال.

مزاعم زعيم

(زعم زاعم وصف نفسه، كمعبر عن حزب، وكحساسية مجتمعية، عن تأييده للتوجهات التي تخدم مصلحة الناخب المغربي، في هذه المرحلة الدقيقة التي انتقل فيها المغرب من: مشروع دولة إسلامية، إلى مشروع دولة لبرالية، دمقراطية، اجتماعية) أنظر نص التصريح على وسائل التواصل الاجتماعي.

وليته سكت وترك رأيه للمناقشة، إن لم يكن يعني ما يقول، بل زاد قائلا: (لسنا من ينقلب على ثوابت البلاد والعباد!! نعبر عن رفض الدولة الشمولية، التي حاول البعض يائسا، الوصول إليها عبر الحزب الأغلبي السابق. فهذه التصريحات خير مثال على الرقابة على حرية الفكر والتعبير، التي حاولوا ممارستها بعد 2011.

مضيفا بأن الدولة المغربية الضاربة في عمق التاريخ ليست في حاجة للريسوني للدفاع عنها..).

مناقشة تبيانية:

انطلاقا من الحق في ممارسة حرية التعبير، نقول في محاولة لعدم تغليط الرأي العام الوطنـي، والتلبيس عليه، بصَفِّ عبارات متنافرة، للتعمية على القارئ الذي وضعنا له التصريح، وشرحه، لتسهل عليه المقارنة.

إن الفكر الشمولي، لم يعرفه القراء المغاربة إلا مع ظهور الحزب الشيوعي المغربي، وما تفرع عنه من أطاريح اشتراكية، التي لحزبه وحساسيته نصيب الأسد فيها، باعتبارها أساسا من أسس سيادة الطبقة البروليتارية، ومثلها الرقابة على حرية الفكر والتعبير لتكريس هيمنة الرأي الواحد، وما بالعهد البعيد الذي كانت عندما تمطر السماء في موسكو، تفتح مظلات حساسية الزاعم مظلاتها بالرباط اتقاء المطر المنهمر في موسكو، ولو كانوا في فصل الصيف، ولم يقل لهم أحد لماذا؟ فالذين حاولوا يائسين الوصول لنشر الفكر الشمولي هم الرفاق، الذي يبشر باسمهم، بظهور مغرب لبرالي بعد انتخابات 8 شتنبر، ناسيا حزب الأحرار الذي يتملقه وينكفه رئيسه، كانت الحساسية التي يمثلها تنعته بالإداري، هو والاتحاد الدستوري، والحزب الوطني، والحركة الشعبية، ناهيك عن أوصاف أخرى قدحية كان يوزعها على: حزب الإستقلال، والإتحاد الإشتراكي، وحزبه الأم، التقدم والإشتراكية، ولن نسرد أباطيله التي ما يزال بعضها مستعملا لديه ومعيته، عن النظام الملكي والعلماء والفقهاء، وتاريخ المغرب وجهاد المغاربة للتحرر من الهيمنة الاستعمارية والدفاع عن الهوية الدينية والوطنية، ننزه قلمنا عن تدوينها.

أما الدولة المغربية التي وصفتها بالضاربة في عمق التاريخ، والتي قال بأنها ليست في حاجة للريسوني للدفاع عنها،

نجيبه، ومن سيدافع عنها ضد أمثالك، ممن يصفها بأنها: مشروع دولة، متأرجحة بين إسلامية ولبرالية.موقف الزاوية الدرقاوية من الأمير الخطابي وحربه ضد الإسبان

إن لم يكن الريسوني، وأمثاله حديثا وقديما، كالشيخ العالم ماء العينين، الذي صعد من الساقية الحمراء لقتال الفرنسيين في الشاوية، وبني ملال سنوات 1907 و1908و1910، ومولاي احمد السبعي الذي قاتل الفرنسيين في تافيلات ودرعة 1906، وما والاها، والفقيه البوعزاوي في الشاوية 1908، ومثلهم موحى واسعيد الويراوي، وموحى وحمو الزياني، وعبد الكريم الخطابي، وعقا البودماني، والسملالي والحجامي، وشرفاء: امدغرة، وتوات، وفكيك، والباعمرانيين والقائمة طويلة كبدت الفرنسيين عشرات الضباط قتلى ومعطوبين، ومئات القتلى من الجنود، في حوالي 600 معركة وموقع، من أشهرها: لهري ولقصيبة وبوكافر، وأنوال، دفاعا عن الدولة المغربية العريقة عندما احتاجت للريسونيين، سواء داخل الإمبراطورية، أو على أطرافها تحت راية الإسلام وأمير المؤمنين الذي لم تخضع حساسيتك للقول بها، إلا بعد سقوط حائط برلين، وانفراط الحكم الشمولي الشيوعي عند الرفاق، خوفا من انمحائها.

فالدين كما قال “دوتي” عنصر تجميع بإفريقيا الشمالية، لذلك قال “شارل دفوكو” للفرنسيين لن يستقر بكم المقام في المغرب مادام مسلما، ألا تذكر أن ثورة الملك والشعب قادها فقهاء؟ ألم تسمع بعلال الفاسي، والمكي الناصري، والفقيه غازي والفقيه البصري، والمختار السوسي، فهؤلاء وغيرهم كلفوا أنفسهم بالدفاع عن الدولة المغربية الضاربة في القدم، عندما احتاجت للمبادرين مثل الريسوني. ألم تسمع بالفقيه الذي ندر ألا يرتدي ثوبا جديدا حتى يعود محمد الخامس من منفاه، تصور!فرنسا حبيبة الإسلام! وصديقة العرب! إنها لكذلك! من ينكر هذا؟! الشواهد كثيرة..

وأخبرك بالمناسبة عن السلاح وظهائر التولية التي بعثها السلطان مولاي عبد العزيز مع عمه مولاي ادريس عن طريق البحر، للشيخ ماء العينين وقياد الجنوب، تدعيم لوقوفهم في وجه الزحف الفرنسي الصاعد من السنكال، والقوات التي بعثها نفس السلطان لتافلالت سنة 1900 دعما للمجاهدين المواجهين لاحتلال الفرنسيين لتوات.

ولمَ نذهب بعيدا، فالوقوف في وجه الحكم الفرنسي المباشر الذي أرادت الحماية تطبيقه في الثلاثين بالمغرب من تصدى له؟ أليس الفقهاء، حاملو كتاب الله، الذي أراد وزير التعليم المنتهية ولايته، إلغاء مادة تدريسه، تزامنا مع انطلاق فرنسة التعليم الابتدائي، وكأن تصريحكم تتويجا لرفع راية الاحتلال الفرنسي الناعم بالمغرب في الربع الأخير من نهايته.

هل المغرب دولة أم مشروع؟موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية

ونعود معك للسؤال: هل المغرب دولة؟ أم مشروع دولة؟ ولماذا ستنتقل من الإسلام للبرالية؟ ومن صاحب الصورة المواجهة للزاعم صاحب التصريح المريب؟ أليس هو أمير المؤمنين، الذي يناديه الفرنسيون صاحب الجلالة الإمبراطور، ويطلقون على بلده الإمبراطورية الشريفة؟

قد لا يعترف الزاعم ولا الحساسية التي يمثلها بهذا التاريخ، وربما لا يعرف ما جاء في وثيقة للحزب الشيوعي المغربي سنة 1975 التي دعت الرفاق لإعادة النظر في خيارات الحزب الشيوعي المغربي، موصيا بتبنى النظام الملكي، وأعاد الاعتبار للدين الإسلامي، وحث مناضليه على ارتياد المساجد والاندماج مع الجماهير، كما هي بثقافتها وتواجدها (ادريس كرم “السلطان ظل الله في الأرض” ص:37) كما لا يعرف ما قاله جلالة الملك محمد السادس سنة 1999: “إن تشبثنا بالإسلام في أبعاده التربوية والأخلاقية والتشريعية والسياسية متجدر في عقولنا، ووجداننا لما له من علاقة وطيدة بديننا الإسلامي الحنيف” (إدريس كرم ص:70؛ نفسه).

ترى متى تكشفت للحساسية التي يمثلها، المزاعم المعبر عنها والمبتهج بالتبشير بها؟ هل قبل لقاء الرئيس المعين؟ أم بمجرد رؤيته؟ وهل شاهد صورة الملك؟ أم كان نظره منصبا على ميكرفونات المنصة؟

قمة الضياع

قد يكون عند الزاعم الجواب الفصل، وقد يكون القول مجرد قول على قول، وقد يكون أداة اختبار، أو إخبار بما لا يعرف من مشاريع المرحلة الدقيقة المشار لها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الإعلان عن بدأ فرنسة المستوى الأول من التعليم الابتدائي، وإلغاء اختبار التربية الإسلامي تمهيد لإزالتها!

كيفما كان الأمر نقول بأن هذا الزاعم، هو أمين عام حزب مغربي -لا يؤمن بالدمقراطية فانشق من حزب كان فيه، لأن القواعد فضلت غيره للقيادة- له جذور في الحزب الشيوعي المغربي المؤسس في أربعينيات القرن الماضي، والذي تقولَب مع تقولُب النظام الشيوعي، والإشتراكي العالمي، ليرسو على خصخة طروحاته، كي تتلاءم مع السياق المغربي، الثلاثي الأبعاد، الذي صاغه العلماء في الثلاثينيات، بناء على ثوابت هي الله الوطن، الملك، جعلوها تدرس لأبنائهم في مادتي دراسيتين هما: التربية الوطنية، والتربية الإسلامية، فاحتيل على الأولى وحولت للتربية على المواطنة وشتان بينهما، ويحتال على الثانية لتهميشها قبل حذفها، والهدف واضح وهو استهداف الإسلام الذي هو ضمان وحدة البلاد ليسهل المرور للنظام الذي لم يقو عليه الاستعمار، فسلط عليه فراخه وبرادينه للقيام بالمهمة، والتصريح من خطاياه الممهدة لتنفيذ وصية دوفوكو، لأن بالإسلام قامت ثورة الملك والشعب وبالإسلام أعيد الراحل، محمد الخامس للعرش.

وبالإسلام سارت المسيرة الخضراء، وبالإسلام تم تدبير الخيار الديموقراطي وتداول السلطة.

كتب “روم لاندو” في كتابه: (أزمة المغرب الأقصى) تنفرد المغرب بمميزات خاصة جعلتها أصعب منالا على الأجانب من الصين(ص11) مضيفا، ولم تكن مراكش قبل دخولها الإسلام إلا بلادا مضطربة، متأخرة مخفية، وراء سلسلة جبلية منيعة، في الركن الشمالي الغربي من إفريقيا.

والإسلام قبل أي عامل آخر هو الذي رفعها، إلى وضع الدولة ذات الحضارة الخاصة المميزة، والقوة التي يعمل لها حساب (ص14) وقد بدأ حكم العلويين في المغرب كمصلحين دينيين، -وهو السر في ظهور ما أسلفنا من ريسونيين، يدافعون عن الدولة المغربية العريقة، لأنها دولتهم وإن لم يكونوا حكاما بها- ومن الممكن القول أن الترابط بين الدين وتاريخ الأسرات الحاكمة لم يكن له شأن قوي في أي بلد إسلامي كما كان في المغرب، والتسمك بأوامر الدين الإسلامي هو السمة البارزة في الحياة المغربية في جميع المستويات الاجتماعية (16).

ويقول “ليفي برفانسال”: إن شعور المغرب للسيادة على أساس ديني هو اليوم كما كان في عهد الخلافة بقرطبة لم يطرأ عليه تغيير (نفسه ص31).

فلو لم تكن إقصائي وشمولي النزعة، لما شط بك القول واعتبرت الدولة اللبرالية قد بزغت بسقوط حزب في الانتخابات، في حين أن الحزب المتصدر اليوم، كان عندما كنت ما تزال على مقعد الدراسة في عهد الرئيس أحمد عصمان، ألا تذكر ولذلك أسس؟ وهل كانت حكومات الرئيس كريم العمراني إلا لبرالية، ألم يكن الاختيار اللبرالي للحسن الثاني، والتعددية الحزبية التي انتهجها في مطلع الستينيات سببا لمناهضة الرفاق للملكية والتآمر عليها، وتدبير انقلابات لم يكتب الله لها النجاح، لأنها كانت على باطل، أتذكر؟

وأسألك لماذا لا تلتزم بالثوابت، الذي حددها مؤتمر الرفاق في 1975 القاضية، بوجوب الاندماج في النسيج المغربي، وتبدأ بأيسرها وأبركها، في مفتتح كلامك كما يفعل المغاربة، أي تسمية الله وحمده، والصلاة على رسوله، أم أن ذلك مخالف لباركيس الأممية الإشتراكية الملحدة، المناهضة للدين والكمبرادورية المحلية، التي تتطلع للجلوس على مائدتها، للنضال في حلويات المقروط، واغريبة، وكعب الغزال، والماء المعطر، فلم تخجل من الوقوف بباب الرأسمال، الذي تحاربه حساسيتك نفاقا وتزلفا، ظنا منك أنهم نسوا مبادئك المعادية لهم، رافعا شعار معاداة الإسلام، مهللا لقدوم اللبرالية التي لا يقرها حزبكم وحساسيتكم، والتي وضعت لك التمثيل المناسب لمقام حساسيتك؟

اتق الله في نفسك يا هذا، وتذكر بأن المعدة المغربية قادرة على طحن كل التطلعات النظرية الوفدة، والمزاعم الباطلة، ومغربتها بعد طحن وغربلة وفتل لتصيرها في خدمة شعار: “الله، الوطن الملك”.

فلست أعظم من المارشال ليوطي، مؤسس المغرب الجديد عند الفرنكفونيين، الذي لم يجد بدا من القول بأنه خادم سيدنا والذي قال بأنه وجد في المغرب حقا “دولة، وشعبا، وحكومة، وطبقة ميسورة متنورة غنية قوية، الأمر الذي لا يوجد له شبيه في الجزائر” التقرير السري لليوطي 1921 ص:14.

وأزيدك قول “دوتي”، مدير التعليم زمن الحماية (فرنسا هنا بالمغرب لا يمكن لها الاندماج مع الإسلام في شيء، كما أن هذا الأخير لا يقبل منها شيء، خارجا عن عوائده) (إفريقيا الفرنسية 1903؛ ص:207).

ولا أجد تشبيها لزلتك، إلا زلة مماثلة للحاكم الفرنسي للرباط سنة 1911 الذي كتب لباشا سلا يخبره بأنه سيتناول عنده طعام الفطور مع ابنه، صباح الغد على الساعة العاشرة صباحا، مع العلم أن الشهر شهر رمضان. فذهب الحاكم ودولته، وبقي الإسلام وشعائره، فوجب المقارنة.

ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ولنا عودة بحول الله للذين يروجون لمثلبة أخرى، تحت شعار وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، تمهيدا للعودة لعهد الحماية حيث كانت تسمى وزارة عموم الأوقاف، وذلك لإقصاء العلماء والفقهاء، حتى يستفردوا بالسلطان للإطاحة بإمارة المؤمنين، بعد أن يكونوا قد أقصوا أجنحتها الدعوية، وإسكات ظاهرة الريسونية، المدافعة عن الدولة المغربية العريقة، بملوكها وعلمائها وصلحائها وعامة الشعب بها، الذي لا يريد بالإسلام بديلا، والله يتولى الصالحين. ويخذل الظالمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M