الوسطية بين الإفراط والتفريط

25 ديسمبر 2018 09:52
الوسطية بين الإفراط والتفريط

هوية بريس – المصطفى الطاهري

لقد اقتضت حكمة الله تعــالى أن يرسل رسول العالمين صلى الله عليه وسلم بالبينات والكتاب ليعلم الناس عامة الوسطية التي هي قصد الشارع في التشريع، تلك الوسطية التي جمعت بين متطلبات الروح والجسد.

فالناظر في أحوال العباد اليوم يرى أن كثيرا من الناس يفهمون الوسطية فهما بعيدا عن مفهومها الشرعي؛ فترى أقواما يقصدون بها التميع، وترى آخرين يقصدون بها الغلو في الدين، وكلاهما تطرف؛ والتطرف على طرفي نقيض – طرف إفراط وطرف تفريط – أحدها سبب في وجود الآخر، وهذا مذموم ممقوت.

وهكذا بدأت أصوات ترفع هنا وهناك؛ أغلبها من طرح الأقليات التي تحمل أفكارا منحرفة، سواء من الداعين إلى التميع، أو الداعين إلى الغلو والتشدد.

هذا يدعو إلى التحرر من تعاليم الشرع والانغماس في الشهوات والملذات بغير قيود تحت شعار الحريات، وذاك يدعو إلى فهم النصوص الشرعية فهما بعيدا عن الأصول، بعيدا عن مقاصد الشرع، مبناه اتباع الهوى والتحدث عن الله بغير علم؛ لا يفرق فيها صاحبها لا بين عام ولا خاص، ولا مطلق ولا مقيد ولا محكم ولا متشابه.. وخطره علينا أكثر من خطر المتميع؛ لأن الأول يلبس لبوس الجهال والثاني يلبس لبوس العلماء.

وأما الوسطية في حقيقة أمرها فهي تلك الوسطية التي جاءت بها آي القرآن وبينتها السنة المشرفة. وسطية تضبطها الكليات الخمس – حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال – وهي وسطية لا إفراط فيها ولا تفريط. ميزانها الاعتدال، وظاهرها حسن السلوك والأعمال، حفظت للمؤمن حقوقه ولم تغفل عن حقوق الكافر، تنصر المظلوم وإن كان كافرا، وتمنع الظالم عنه وإن كان مسلما، صفتها الحكمة، ومقصدها الرحمة…

إن الوسطية التي يرفع رايتها سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان الذين يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لهي وسطية التشدد والغلو؛ يفسدون ولا يصلحون، يتعلقون بالشبهات ويسقطون أحكام الكفر على أهل الإسلام، صفتهم الجهل، ولسان حالهم نفروا ولا تبشروا، عسروا ولا تيسروا… من حكم بغير فهمهم فقد حكم بغير ما أنزل الله، ودمه وماله وعرضه عندهم حلال. يتقربون إلى الله بالإفساد في الأرض بسفك دماء الأبرياء من المسلمين والمشركين، وكل ما سواهم عدو محارب ولو كان من العزل المسالمين، أو الآمنين المستأمنين… هذه النبتة نبتة سوء تترعرع في الظلام، وتسقى من القطران، وقد تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، وحذرنا من السير على طريقهم. هي نبتة تموت بنور العلم، ويجفف عروقها غيث الكتاب والسنة، ألا فحاربوهم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وافتحوا قلوب العباد بالعلم والحلم فذاك خير زاد.

وأما وسطية السفهاء المتميعين فهي تلك الوسطية التي لا تقيم للشرع وزنا، ينظرون إلى المسلم نظرة حقد وازدراء، غاية رغبتهم هدم الدين عقيدة وشريعة، يناصرون المشركين على أهل الإسلام، ينقضون على كل تصرف شنيع من المتنطعين المنتسبين لهذا الدين قصد مسحه في الإسلام والمسلمين.. هم أبواق الغرب ويده التي تصفع كل جبين أحب السجود لرب العالمين، يبيعون دينهم ووطنهم وولاة أمرهم بعرض من الدنيا، إذا سمعوا الذكر اشمأزت قلوبهم.. وصفهم الجهل المركب، والكبر يتأهب، وهم كالآنية التي تنضح بما فيها.

وقد أثبتت الحوادث والوقائع بأن كلا المنهجين فساد في فساد، شركاء في أصل الانحراف، أضداد في ثمراته، أحدهما سبب في وجود الآخر. نعوذ بالله من الضلال، ونستغفره عن الخطإ والزلل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M