بعد حادثة الجزيرة الخضراء.. هل تتزايد الإسلاموفوبيا في إسبانيا؟

29 يناير 2023 17:01

هوية بريس-ذ. أحمد نورالدين

بعد حادثة اغتيال راهب اسباني في الجزيرة الخضراء من قبل مهاجر في وضعية غير قانونية من جنسية مغربية، لم يكن اليمين المتطرف ليترك الفرصة تمر دون الركوب على موجتها وصب مزيد من الزيت على نار خطابه العنصري المطالب بطرد كل المهاجرين من اسبانيا وتحميلهم كعادته دائما كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المملكة الايبيرية.
وهذا ما قامت به فعلا أحزاب متطرفة دابت على الاصطياد في الماء العكر لزيادة شعبيتها، مثل حزب فوكس الذي استغل هذه الحادثة لإطلاق تصريحات معادية للاسلام والمهاجرين عموما. كما سارعت جهات متطرفة أخرى، لم تكشف السلطات عن هويتها، إلى كتابة عبارات “الموت للاسلام” و”الموت للمغاربة” على جدران مساجد في مناطق اسبانية متفرقة منها برشلونة بعد الحادثة مباشرة.
ومن المتوقع ان تكون هناك ردود فعل شخصية لدى فئات اسبانية تحمل في مخيالها الجمعي ما يكفي من “الكليشيهات” والاحكام الجاهزة ضد “المورو” منذ عهد حروب الاسترداد ووصية الملكة إزايبلا الكاثوليكية ضد المغاربة في القرن الخامس عشر، إلى الحرب الاسبانية الأهلية في القرن العشرين والتي تم إقحام المغاربة فيها من طرف الجنرال فرانكو دون أن تكون لهم ناقة ولاجمل. وإذا أضفنا إلى هذه الخلطة السحرية عامل التوتر الدائم الذي يخلقه استمرار احتلال سبتة ومليلية وبقية الجزر الاحدى عشرة، فإننا سنكون أمام كوكتيل مولوتوف قابل للانفجار في كل وقت وحين.
من هذه الزاوية يمكن أن نؤكد أن هناك تزايدا للاسلاموفوبيا التي تختلط في أذهان فئات معينة عن قصد او غير قصد بكراهية المهاجرين وخصوصا “المورو” منهم، لما يمثلونه من إسقاطات تاريخية وحضارية.
ومن مظاهر هذه الظاهرة المحزنة تزايد الاعتداءات العنصرية على المساجد والمصليات مثل ما وقع سنة 2021 في مسجد “كابيزو دي توريس” الذي دنست جدرانه والقى المهاجمون بجانبه رأس خنزير. وفي يونيو 2021، اغتيل المهاجر المغربي يونس بلال وعمره لم يتجاوز 35 ربيعا عبر إطلاق رصاصات عليه في مورسيا بدوافع عنصرية. وخلال الشهر نفسه، تعرض مؤمن قتيبي، مغريي آخر، لهجوم بشع من قبل اسباني عنصري هشم راسه بقضيب حديدي. وهذا فيض من غيض، فقد احصت منظمات مناهضة للعنصرية في اسبانيا وحدها ازيد من 500 حادثة اعتداء على المسلمين في سنة 2017. وتشمل الاعتداءات اللفظية والبدنية في الشارع العام، وتدنيس المقدسات وغيرها. وهي أعمال عنصرية بغيضة لا تختص بها اسبانيا بل اصبحت تشكل عدوى أصابت معظم البلدان الاوربية، وما حوادث إحراق القرآن المجيد في هولندا والسويد عنا ببعيدة وكلها جرائم بدافع الاسلاموفوبيا والعنصرية، ولا تقبل اي تأويل آخر.
ومع كل ذلك لا يمكننا في الحالة الإسبانية أن نعمم الاحكام ونتهم غالبية الاسبان برد فعل جماعي او شعبي بعد حادث اغتيال الراهب، يؤدي إلى تازيم وضعية المهاجرين المغاربة والمسلمين. بل أزعم أن هذا الأمر مستبعد بناء على مؤشرين رئيسين: الاول هو أن اكبر عملية إرهابية تعرضت لها إسبانيا كانت سنة 2004 في عهد حكومة اشتراكية، وراح ضحيتها حوالي 190 قتيلا، ورغم ذلك فإن نتائج التصويت في الانتخابات التشريعية الموالية سنة 2008 ابقت الاشتراكيين في سدة الحكم لفترة انتدابية ثانية. ونحن نعلم أن اليسار الى جانب الخضر هما الاقل تشددا مع المهاجرين في اوربا كلها، ولو كان للعملية الارهابية تأثير جماعي مباشر لكان التصويت لليمين او اليمين المتطرف.
ثانيا: في 2017 شهدت برشلونة عملية إرهابية مدوية راح ضحيتها 13 قتيلا، وكان اليمين في السلطة، ولكن نتائج الانتخابات التشريعية بعد أقل من سنة كانت عقابية حيث جاءت الى الحكم باليسار سنة 2018، ولم تأت باحزاب تروج لأيديولوجيا كراهية الأجانب او كراهية المهاجرين، عكس ما كان متوقعا في مثل هذه الحالات.
بناء على ذلك، وبكثير من التحفظ لان العلوم الإنسانية ليست علوما دقيقة كالرياضيات او الفيزياء بل تتعاطى مع ظاهرة معقدة هي الانسان، يمكننا أن نقول بأن الشعب الاسباني نسبيا ليست له ردود فعل جماعية متطرفة إزاء العمليات الإرهابية وربما لديه نوع من الحصانة الجماعية تكفي للتميبز بين الأغلبية الساحقة من الجالية المغربية او المسلمة التي تحترم قوانين وثقافة بلد الاستقبال، وبين اقلية او حالات شادة من الأفراد الذين يتم تجنيدهم لخدمة ايديولوحيات متطرفة اكثر ضحاياها من المسلمين انفسهم، حيث تؤكد مراكز الاحصاء عبر العالم أن 90% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين.
وبالنسبة للعملية الاخيرة، وإن كان القضاء هو من سيحسم الامر، لا تبدو لها علاقة مباشرة بايديولوجيا الإرهاب بل هي اقرب الى عمل فردي بدوافع شخصية، ربما تكون مجرد ردة فعل يائسة من مهاجر في وضعية غير قانونية كانت السلطات الإسبانية بصدد إجراءات ترحيله.
وايا كانت ردود فعل الشارع الاسباني، في هذا الاتجاه او ذاك، فإنه لم يعد مقبولا من النخب السياسية الأوربية كلها وليس الايبيرية وحدها، أن تتعايش مع ظاهرة الاسلاموفوبيا التي وثقتها منظمات أوروبية محايدة احصت آلاف الاعتداءات على المسلمين وعلى اماكن عبادتهم خلال عام واحد في عدة دول أوروبية. وعليه فقد اصبح من واجب الحكومات والبرلمانات الأوربية سن قوانين مناهضة للعنصرية والإسلاموفوبيا كما فعلت من قبل لمواجهة ظاهرتي الإرهاب ومعاداة السامية. فهذه مسؤولية أخلاقية وسياسية للنخب الأوربية تجاه ازيد من عشرين مليون مسلم يعيشون في اوربا، من حقهم أن يعيشوا بسلام وأمن وفقا لمعتقداتهم، ومن حقهم أن يحظوا بالحماية القانونية في الدول التي يعيشون فيها كمواطنين او كمهاجرين يؤدون واجباتهم الضريبية والمدنية والقانونية، ومن حقهم كذلك ألا يعاقبوا جماعيا بما ترتكبه الشاة القاصية او بالاحرى الذئب المنفرد.
في الحالة المخالفة، ستكون النخب السياسية متواطئة بسكوتها عن التيارات العنصرية، وقد يزداد شعور المظلومية لدى تلك الجاليات المسلمة، مما سيجعلها اكثر عرضة للاستقطاب من طرف الايديولوجيات المتطرفة، ولا اظن احدا يرغب في وقوع هذا السيناريو الكارثي الذي تبشر به جماعات هرماجدون !/

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M