بعض المعاني التربوية التي تدل عليها الأضحية

20 أغسطس 2018 12:40
بعض المعاني التربوية التي تدل عليها الأضحية

هوية بريس – عبدالجليل حيمود

إذا ابتعد الماء عن المنبع علِقت به  الأتربةُ، وخالطته الأوساخُ حتى يصيرَ غير صالح للعادة والعبادة كما يقول الفقهاء، فيَحتاج إلى المعالجة التي ترده إلى طبيعته أو قريبٍ منها، ومِثلُ الماء الشرعُ الحنيف، فكلما ابتعد عن معينه إلا وتعلقت به أمور ليست منه حتى إنه ليُخيَّل للمرء أنه ليس الشرعَ الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا القبيل الأضحيةُ التي دخلت فيها الأعراف، وتحكمت فيها التقاليد حتى  لم يبق لها من الشرع عند كثير من الناس إلا اسمُها ولحمها، أما روحها ومقصدُ الشرع منها فقد غاب عن كثير منا لأسباب بعضُها معلومٌ لِكل الناس، وبعضها لايعقلها إلا أولوا الألباب.

وقد حاولت أن استنبط من لفظ الأضحية ومن النصوص الدالة عليها، والأسيقة الواردة فيها بعضَ المعاني التربويةِ التي تبين المقصود منها، والأهدافَ المرجوة من تَكرارها لعلنا نستحضرها في أضحياتنا حتى نقتدي بخليل الله إبراهيم، ونعمل بسنة النبي الأمين، عليهما أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

فمن المعاني التي تذكرنا بها الأضحية كل سنة:

احتقارُ العبد نفسَه وأهله وماله…في جنب الله تعالى كما فعل نبي الله إبراهيم، وابنُه اسماعيل عليهما السلام،  فإبراهيم استصغر الولد الذي لم يُرزقه إلا عن كبرٍ فقدمه قربانا لله (فلما بلغ معه لسعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) [الصافات:102] ، وإسماعيلُ استصغر نفسه من أجل مرضاة الله ثم أبيه فأسلمَ عنقَه للسكين (قال يا أبت افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) [الصافات:102]، فأي دافع يجعل أباً يضحي بفلذة كبده الذي أحبه من أعماق قلبه خصوصا لما اشتد عوده وصار مساندا له على أمور الدين والدنيا؟؟ وأي باعث يجعل ولدا يستسلم للسكين، غير مبال بالآلام الناتجة عنه، والآثار المترتبة عليه؟؟؟ إنه اليقين في الله الذي يجعل العبدَ وما يملك ملكاً لله.

ومنها: أن الأضحية عبارة عن شكرِ الله على الفضل والإنعام الذي أولاه الله للعبد، فقد أبقاه سنة كاملة صلى فيها وصام، وتصدق فيها على الفقراء والأيتام، وحج فيها بيت الله الحرام، أو غفَرَ الله له ذنبه الذي اقترف في سنة مضت، أو الذي يقترفه في السنة القادمة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم بينما حرم كثيرا من خلقه من هذه النعم، فكأنَّ العبدَ يقول في أضحيته يارب إنك قد منَنْتَ علي بأنعم لا أستطيع أن أشكرك على أقلها لكنني أتقرب إليك بهذا القربان لعلك ترضى عني  وتزيدنني من فضلك.

ومنها: أن كل من ضحى من أجل الله يرفع الله شأنه، ويبقي ذكره، كما أبقى ذكر نبيَّيْه إبراهيمَ وإسماعيل عليهما السلام، إضافة إلى تعويض الله له خيرا مما ترك لأجله، فإبراهيم أراد أن يقدم ابنه قربانا لله فتركه الله له، وجعله نبيئا من الصالحين، ثم تفضل عليه بذِبْح عظيم يليق بمقام تضحيته.

ومنها: أن بركة الله هي أساسُ كل شيء، وأنها متى حلت في المال كثَّرته، أو في الولد أصلحته وأبقته…،  ففي كل سنة يُذبح الملايينُ من الأغنام التي لاتلد في الغالب إلا الواحد أو الاثنين، وقلَّ أن تتعداهما، ومع ذلك الأغنام موفورةٌ، بخلاف الكلاب التي تلد السبعة وما يزيد ومع ذلك هي قليلة مقارنة مع الأغنام، فمن عرف هذا تعلق بالله فطلب منه إنزال بركته فلى ماله وأهله وعلمه…، وجرد قلبه من كل ماسوى الله تعالى

فلهذه المعاني ومثيلاتها شرعت الأضحية، فهلا عرَّفنا أنفسنا ومجتمعنا بها حتى نسعد في الدنيا ونفوز في الأخرى.

وصل اللهم وسلم على سيدنا وحبينا محمد وعلى آله وصحيه أجمعين

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M