بلال التليدي: اعتقال توفيق بوعشرين أو عودة زمن ما قبل المسلسل الديمقراطي

24 فبراير 2018 19:28
التليدي يقطر الشمع على المبررين الذين كانوا يستنجدون بأطروحة المحيط الدولي والإقليمي الضاغط لتقديم التنازلات

هوية بريس – بلال التليدي

من قدر الديمقراطيات -إن لم يكن من سماتها- أن تكون الصحافة قوية في النقد، تعري التشوهات التي تراها في مسارات الشعوب نحو الديمقراطية، وتنبه على الانزياحات الخطيرة التي تضر بمصلحة الوطن وبصورته وسمعته، لكن، أبدا لا تنزعج الديمقراطية من هذا الصوت أو ذاك، بل تعتبر حرية التعبير قوة لها وقوة للبلد وقوة للمستقبل.
الديمقراطيات الهشة أو المزورة أو المترددة، هي التي تنزعج من الصوت الحر، وتسعى لخلق صحافة تابعة ذيلية تعبر عما تريده السلطة أو تريده الجهات المؤثرة فيها أو تعبر عن لوبيات المصالح المتواطئة مع المؤثرين على صناعة القرار.
الديمقراطيات الهشة والمترردة والخائفة هي التي تنتقد تقارير المنظمات الدولية اليوم، وتتهمها بالتحامل، ثم تأتي في الغد وتقدم لها الدليل على أنها كانت تمارس العبث كل العبث حين كانت تنتقد ما يراه الناس وما يلاحظونه من تراجعات لا تخطئها العين.
اعتقال توفيق بوعشرين بتلك الطريقة التي تعود لسنوات ما قبل انطلاق المسلسل الديمقراطي تؤشر على مخاطر كبيرة ستواجهها البلاد قريبا، وتؤشر على أن النخب لا تستشار، وأن الجميع يراد له أن يكون مجرد أداة لتنفيذ أشياء لا تقنع حتى من يسعى جادا إلى البحث عن تكييف مقنع لها لإرضاء أصحاب القرار.
اعتقال بوعشرين بتلك الطريقة سيضع مؤسسة النيابة العامة في الحرج، كما القضاء، كما وزير الدولة المكلف بملف حقوق الإنسان، كما الحكومة، كما مكونات الصف الوطني الديمقراطي الذين يشكلون جزءا من الحكومة، كما النخب السياسية، كما الصحافة.
من اليوم من وزراء العدالة والتنمية يستطيع أن يفتح فمه للدفاع عن قرار اتخذ بدون علمهم؟ ومن من القضاة اليوم يستطيع أن يبرر قانونيا الطريقة التي اعتقل بها توفيق بوعشرين؟ ومن من الصحفيين- بما في ذلك الذين كانوا يلمعون أطروحة التحكم والسلطة واللوبيات- يستطيع أن ينسج بيراعه المعالجة الإعلامية المسايرة لأطروحة السلطة؟
حرج كبير، وضع فيه المغرب، لا ندري أبسبب لوثة مزاج، أو عدم تحكم في رهاب، أو استعجالا لإنهاء تجربة، أو رغبة في إهانة قيادة حكومة طلب منها أن تدافع عن الملف الحقوقي للمغرب في الداخل والخارج، أو إعلانا عن نهاية صحافة حرة كان المغرب يحلم أن تؤدي دورا محوريا في تبرير انتقال المغرب للديمقراطية وفك عزلته الحقوقية في العالم.
ما من شك أن الذين أقدموا على اعتقال بوعشرين، كان لهم تصور أولي أو ربما كامل عن ردود فعل المجتمع، لكن، شهوة التخلص من المعارضين، لا تسمح للعقل بالتقدير السليم للعواقب. اليوم، وبعد ظهور ردة فعل المجتمع بكل قواه، والتي يتوقع امتدادها واتساعها، سيكون من الضروري استخلاص الدروس الضرورية، والقطع مع أساليب الماضي في التخلص من الأقلام الجريئة.
على العموم، ننتظر التهم التي سيتم تكييف الملف بها، وننتظر بقية المسطرة، لتكتمل الصورة، وإن كانت الطريقة التي اعتقل بها الرجل والتوقيت أيضا يقول كل شيء، كل شيء عن عودة ماضي ما قبل المسلسل الديمقراطي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M