تذكير صالح المؤمنين، بواجب نصرة المستضعفين من المسلمين

11 سبتمبر 2017 22:05
غوتيريش "قلق للغاية" إزاء اكتشاف 5 مقابر جماعية للروهنغيا في ميانمار

هوية بريس – د. محمد ويلالي

قال -تعالى-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ).

هناك في أقصى الجنوب الشرقي للهند، بين الصين، وبانغلاديش، وتايلاند، ولاية تسمى أراكان، يقطنها قرابة أربعة ملايين من المسلمين من أصول هندية، بعضهم يعرف العربية منذ أن حل الإسلام بأرضهم خلال القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب. ومنهم طائفة تسمى “الروهينجا”، التي قيل: إن أصل تسميتها يرجع إلى كلمة عربية هي: “رحمة”. وكانت لهم مملكة دامت 350 عاما، توالى على حكمها 49 ملكا مسلما.

بدأ نور الإسلام يشع على بلد مجاور يسمى بورما، التي تسكنها غالبية بوذية وثنية عنصرية، فرأوا في زحف الإسلام خطرا على وثنيتهم، فثاروا ضد المسلمين قبل أزيد من قرنين من الزمن، وحاربوهم ظلما وعدوانا، بل ضموا أراكان إلى بورما، وغيروا اسمها إلى ميانمار، فصار المسلمون أقلية مستضعفة، وصفتها الأمم المتحدة بالأقلية الأكثر اضطهادا في العالم، من طرف دولة تضم أزيد من خمسين مليونا من البوذيين، الذين صار همهم الوحيد القضاء على المسلمين بإبادتهم، وإحراقهم.

ففي سنة 1942، ثار المسلمون هناك في وجه المستعمر الإنجليزي، الذي أمد البوذيين بالسلاح، ليقوموا بإبادة أزيد من 100 ألف مسلم مرة واحدة.

وفي سنة 2012، اعترض البوذيون حافلة تُقل عشرة من حفظة القرآن، كانوا دعاة صالحين، يُعلمون المسلمين دينهم، ويشجعونهم على حفظ كتاب ربهم، فقتلوهم أمام أعين الناس ببشاعة يصعب وصفها، فما كان من المسلمين إلا أن ثاروا في وجه البوذيين الحاقدين، الذين خططوا لهذه اللحظة التي كانوا ينتظرونها،  ليقوموا بحرق أزيد من 2600 بيت على أصحابها، وليفر عشرات الآلاف من المسلمين عن طريق البحر إلى البلدان المجاورة، التي أغلق بعضُها في وجوههم الحدود، ليموت كثير منهم في البحر. فكانت الحادثة سببا في قتل 650 من المسلمين، واعتبر 1200 من المفقودين، وتشرد أكثر من 80 ألفاً. وكان للجيش البورمي والسكان البوذيين دور كبير في هذه المجزرة الشنيعة، بمساندة بعض الدول الغربية الحاقدة، وتواطؤ دولي صارخ، وتعتيم إعلامي مفضوح.

وخلال الأيام القريبة الماضية، وقعت مجزرة أخرى أسفرت عن مقتل أزيد من ثلاثة آلاف من المسلمين، وأكثر من 124 ألفا من المهجرين المطرودين، 80% منهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى محاصرين مقهورين، منهم شيوخ، وعجائز، ومرضى، ومعطوبون.

لقد لقي إخواننا هناك من صنوف التعذيب، وألوان التقتيل، ما يصعب تخيله، وسيموا من ألوان الضغط النفسي، والقهر المعنوي ما يصعب تحمله.

لقد جُرد المسلمون من حقوق المواطنة، وأصبحوا بلا جنسية، لا يملكون بطاقة هوية، فضاعت حقوقهم، وحرموا من الخدمات الضرورية، كالرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، وشبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء. وأحيطت قراهم بالأسلاك الشائكة، لتعيش معزولة في سجن كبير، تنتهزهم الأمراض الفتاكة، والأوبئة القاتلة، كالتيفويد والكوليرا. وزادت كثرة الأمطار التي تعرفها منطقتهم من معاناتهم. لا يسمح لهم بإعادة بناء بيوتهم المهدومة، ولا ترميم دورهم المحروقة، التي أظهرت الأقمار الاصطناعية أن 700 منها أحرقت بالكامل في سبعة عشر موقعا من قرية واحدة. وبعد تهجيرهم، تزرع ألغام أرضية عبر الحدود مع الدول المجاورة، وتوضع الأسلاك الشائكة، حتى لا يستطيعوا العودة إلى بيوتهم.

ومُنع المسلمون من الذبح الحلال، ولُقبوا بقتلة الأبقار. ومُنعوا من عيد الأضحى وذبح مواشيهم. وأُجبر كثير منهم على تغيير دينه بالقوة. وقُتل بعض أئمتهم لرفضهم أكل لحم الخنزير. والفتيات المسلمين يرغمن على شرب الخمور وأكل لخنزير، وإلا تعرضن للاغتصاب الوحشي، والتعذيب الهمجي.

والمواطن الميانماري (البوذي الديانة)، لا يتعرض إلى العقوبة إذا ما قتل شخصا من المسلمين، أما المسلم، فيمكن أن  يواجه عقوبة الإعدام حتى لو ارتكب مخالفات يسيرة.

أما مساجد المسلمين فقد هدمت، وصارت الصلاة تهريبا، وإظهار شعائر الدين جريمة، وذكرُ الله إرهابا. أما الوثنية فهي دين حق، والجاهلية تحضر حق، وأنواع الظلم عدل حق. ومن أجل ذلك تُعطاهم “جائزة نوبل” للسلام.

أَيْنَ السَّلاَمُ وَمَا تَزَالُ مَسَاجِدِي * فِي كُلِّ  يَوْمٍ  تُسْتَبَاحُ  وَتُحْرَقُ

أَيْنَ   السَّلاَمُ   وَهَذِهِ   أَرْوَاحُنَا * مِنْ دُونِ ذَنْبٍ كُلَّ  يَوْمٍ  تُزْهَقُ

أما صور التعذيب والتقتيل، فشيء لا يصدق.

الجثث المسلمة في كل مكان تأكلها النيران، بعد أن أُحكمت القبضة عليهم بوضع بعضهم في إطارات مطاطية ثقيلة مشتعلة، لتحوط النار بالمعذب من كل مكان، وبدم بارد، تحت ضحكات ورقصات الوثنيين عباد بوذا.

أكوام بشرية تنبعث منها رائحة الاحتراق أضحت مناظر مألوفة. الأخاديد محفورة هنا وهناك، يلقى فيها الأطفال، والنساء، والشيوخ، والعجزة أحياء، بفظاعة فاقت ما حكاه ربنا – عز وجل – عن أصحاب الأخدود. وحتى ما يسمى بالمنظمة الدولية لحقوق اللاجئين، سحبت موظفيها من المنطقة، بدعوى انعدام الأمن.

يَا أَلْفَ ملْيُونٍ  أَلاَ  مِنْ  سَامِعٍ * هَلْ  مِنْ  مُجِيبٍ  أَيُّهَا  الْأَقْوَامُ

عزاؤنا أن إخواننا هناك لا يرون لأنفسهم ذنبا في ما أصابهم من القرح إلا أنهم يقولون: “ربنا الله”. قوم ليس لهم دنيا يتنافسون عليها، وليس لهم ممتلكات يتقاتلون للحفاظ عليها، وليس لهم سلطة يتهافتون من أجلها، وإنما لهم عقيدة إسلامية راسخة، وإيمان بالله قوي، واعتقاد بأن التعذيب ابتلاء، والقتلَ في سبيل الله شهادة.

ومع ذلك، فهو شعب يباد أمام أعين العالم، ويُخشى – إذا ما استمر الصمت العالمي – أن تمحى خارطة المسلمين تماما من أراكان، وقد تمتد الفاجعة لتشمل جميع الأقليات المسلمة في المناطق المجاورة.

وبغض النظر عن الانتماء الديني، أليس هؤلاء بشرا من البشر؟ ألا ينتمون إلى بني الإنسان؟ أين المواثيق والاتفاقيات الدولية؟ وأين دعاوى الديمقراطية؟ وأين المنظمات الإنسانية؟ وأين جمعيات حقوق الإنسان، التي تجرم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتقف وقفة رجل واحد حين يُذكر أن الخمر حرام، والزنا حرام، والشذوذ حرام، والربا حرام، فيستجمعون قاموسا من ألفاظ التنديد والعويل. وإذا علموا بتعذيب حيوان، إذا هم يهبون للنجدة، مسخرين كل طاقاتهم المادية والإعلامية لمعاقبة الجاني. بينما يصابون بالصمم والخَرَس وهم يرون المسلمين يعذبون ويبادون؟

خَطْفُ امْرِئٍ فِي غَابَةٍ * جَرِيمَةٌ لاَ تُغْتَفَرْ

وَقَتْلُ  شَعْبٍ  كَامِلٍ * مَسْأَلَةٌ   فِيهَا نَظَرْ

إن نصرة المظلوم واجب شرعي ولو كان مشركا، فكيف إذا كان من المسلمين. يقول -تعالى-: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ).

إن لإخواننا علينا حقوقا عاجلة، لا بد للمسلم أن يسعى في تحقيق ما يقدر عليه منها، وهي مجملة في سبعة أمور، تهم الأمم، والجماعات، والجمعيات، والأفراد.

1- استثمار العلاقات الدبلوماسية والتجارية للضغط على النظام هناك، ليحمي المسلمين من بطش البوذيين الوثنيين.

2- فرض عقوبات زجرية صارمة على الحكومة البورمية، حتى ترجع عن فتكها بالمسلمين.

3- سحب جائزة نوبل للسلام من القيادة هناك، تعبيرا  عن الانزعاج من هذه الجرائم المقيتة.

4- تحرك العلماء للتعريف بالقضية، وبيان حقيقة ما يجري لإخواننا، إبراء للذمة، وأداء لواجب التذكير.

5- تحرك الإعلام الحي لنشر حقيقة ما يتعرض له المسلمون هناك من مجازر ومآس.

6- تقديم المساعدة المادية والطبية عبر القنوات المشروعة.

7- إخلاص الدعاء لإخواننا بأن يفرج الله همهم، ويؤنس وحشتهم، وينصرهم على عدوهم.

قال سول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمِنُ مِرآةُ المؤمِنِ، والمؤمِنُ أخُو المؤمِنِ، يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَهُ، ويَحوطُهُ من ورَائِهِ” ص. الجامع. والحمد لله رب العالمين.

تذكير صالح المؤمنين، بواجب نصرة المستضعفين من المسلمين

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M