تلميذ سابق لأبي حفص يروي شهادته عن السلفية الجهادية بفاس (5): الموقف من العلماء

19 يوليو 2018 21:45
تلميذ سابق لأبي حفص يروي شهادته عن السلفية الجهادية بفاس (5): الموقف من العلماء

هوية بريس – ذ. الحسن شهبار

المسألة الخامسة: الموقف من العلماء

من المسائل التي لا تُخطئها عين المتتبع لمسيرة بعض مشايخ وأفراد ما عُرف بالسلفية الجهادية، مسألة التنقيص من العلماء والهجوم الكاسح على رموزهم وكبارهم، ولم يسلم من هذا الهجوم إلا العلماء الذين يتبنون خيار الجهاد ضد الطواغيت، فلا عالم على وجه الأرض إلا أولئك المرابطون على الثغور، أو الذين يُحرضون على الهجرة والجهاد في سبيل الله.. شعارنا في ذلك قول القائل: إذا أشكلت عليكم الأمور فعليكم بأهل الثغور!!

وقد شجع على هذه الظاهرة تلك الحروب الكلامية التي كان يقودها بعض مشايخ التيار السلفي الجهادي في هذا الباب، وقد كان طبيعيا أن تجد حَدَثا يصف ابن باز وابن عثيمين بسدنة هيئة الفاتيكان الإسلامية، وأن الألباني ضال مبتدع موغل في مذهب التجهم والإرجاء، وكان الشيخ القرضاوي (قِرْدا لاويا) بل كافرا يُحل ما حرم الله!!

لقد كانت كتب الشيخ الفزازي منتشرة ومتداولة بين الشباب؛ بدءا بـ(رسالة الإسلام في الرد على مرشد جماعة العدل والإحسان)، و(عملاء لا علماء)، و(ألا في الفتنة سقطوا)، وسمعته يُصرح في بعض دروسه بأن هيئة كبار العلماء بالسعودية ما هي إلى هيئة تشبه هيئة الفاتيكان، وسئل الشيخ الفزازي الأب مرة عن الشيخ ابن باز رحمه الله، فقال: أتمنى أن يكون مات على الإسلام..

وأما الشيخ أبو حفص فقد كان يُعظم بعض علماء الحجاز مثل ابن باز والعثيمين وبكر أبو زيد، وأمثالهم.. ولكنه بالمقابل كان يشن في دروسه هجوما عنيفا على كل العلماء الحركيين، من أمثال الشيخ القرضاوي والعلماء المحسوبين على الحركات الإسلامية المخالفة؛ فقد كان ينتقص من الشيخ القرضاوي في دروسه ويصفه بأوصاف شديدة ويتحدث عنه بتهكم وسخرية، وقد سمعته يوما ذكر أن القرضاوي قضى ليلتين في إحدى الفنادق بمبلغ يكفي لإطعام أهل غزة مدة سنة كاملة!! وكذلك كان يفعل مع الشيخ سلمان العودة والشيخ عائض القرني والشيخ سفر الحوالي المنتكسين بسبب مواقفهم المعارضة للهجوم على برج التجارة، ونفس الشيء مع الدكتور أحمد الريسوني الذي شن عليه الشيخ هجوما شنيعا بعد إصداره لبيان باسم حركة التوحيد والإصلاح يستنكر فيه ما حدث بأمريكا يوم 11 شتنبر 2001..  وخصص لذلك درسا بدار القرآن بسيدي بوجيدة..

أما علماء المغرب فلا وزن لهم ولا شأن، فهم إما أشاعرة مبتدعة، أو صوفية ضالون، أو علماء للسلطان.. وأمام هذا الفراغ في الساحة لم يجد الشباب المتعطش للعلم المعرفة أمامهم إلا الشيخ أبي حفص الذي ظهر كالمخلص لمدينة فاس، فالتف حوله الشباب وتأثروا بمنهجه في التعامل مع العلماء، وشجعهم على التمادي فيما هم عليه من الطعن في العلماء وازدرائهم؛ بل وصل الأمر حينها ببعض الأتباع أنهم رفعوا الشيخ فوق قدره وأصبح عندهم فوق منزلة القرضاوي والريسوني وأمثالهما من الجبال.. وهذا كله بسبب جهل الأتباع حينها، وبفعل طريقة الشيخ في اللعب بعواطفهم واستغلاله لتفاعلهم مع قضايا الأمة الإسلامية في فلسطين وأفغانستان والعراق.. وقد صرح أبو حفص في أول حوار له مع جريدة (الصحيفة) بعد اعتقاله الأول أنه ليس من علماء السلطان الذين يُتقنون الحديث عن الحيض والنفاس!! وهكذا وقر في عقول الشباب أن علماء المغرب ما هم إلا عملاء للسلاطين ولا يُتقنون إلا الحديث في مسائل الحيض والنفاس، فزهدوا فيهم، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وسقطت جميع المرجعيات العلمية عند الشباب بحجة قعودهم عن الجهاد ومداهنتهم للطغاة، ويا ويل من سولت له نفسه انتقاد المجاهدين فإنه يسقط ولو كان مرجعا معتبرا فيما سبق!! وهذا التطاول لم يقتصر عند البعض على العلماء المعاصرين؛ بل تعداه إلى الأئمة المتقدمين من أمثال أبي حنيفة والشافعي، والغزالي والجويني، وأمثالهم.. وهكذا أصبح أبو حفص بطلا قوميا، وعالما ربانيا، لا يُنافسه منافس، ولا يُنازعه منازع.. وليُكرس هذه الحقيقة في نفوس أتباعه عمد إلى إسقاط كل من سولت له نفسه منافسته في التربع على كرسي الزعامة بالعاصمة العلمية للمملكة.. لينفرد بزعامة هؤلاء الشباب بمدينة فاس بأي وسيلة من الوسائل مستعملا في ذلك قاعدة: الغاية تبرر الوسيلة..

ومسألة حب الزعامة والتصدر عند الشيخ أبي حفص لم تكن خافية على أحد، ولكن سأُؤكدها هنا بثلاث قصص واقعية كنت شاهدا عليها:

القصة الأولى: بمجرد ما بدأ الشيخ في إلقاء دروسه الخاصة لفائدة الطلبة؛ بلغه أن الشيخ عبد العزيز الرحبي -الذي كان يُشرف على دار القرآن بحي واد فاس التابعة للشيخ المغراوي- قد حذر طلبته منه، ومن حضور مجالسه، فكتب إليه أبو حفص رسالة تهديدية يتوعده فيها بفضحه أمام الملأ وذكر ما يعرفه عنه من أسرار إن هو لم يتراجع ويكف عن تحذيره منه؛ لكن الشيخ الرحبي رد عليه ردا قويا ومفحما، مذكرا إياه بأنه من حقه أن يمنع طلبته من الذهاب والسماع من أي شخص آخر كما هو منهج علماء السلف، ومتحديا إياه بأن يُظهر ما عنده من أسرار دون تأخر.. وانتهت القصة عند هذا الحد.

القصة الثانية: هي الحادثة التي وقعت بينه وبين الشيخ الفزازي الابن، والتي حكيتها في هذه السلسلة؛ حيث عقب الشيخ أبو حفص على كلام الشيخ الفزازي في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل قوة؛ وذلك لأنه كان يرى أنه أحق بالإفتاء لأهل فاس من غيره.. وبدا الشيخ منتشيا بهذا الإنجاز الذي حققه، لأن سحب البساط من تحت قدمي الشيخ الفزازي، وما أدراك ما الشيخ الفزازي!!

القصة الثالثة: هي قصة طويلة، ولكنني سأختصرها مُقتصرا فيها على موطن الشاهد منها؛ وذلك أنه في صيف سنة 2002 كُنت أعمل إماما وخطيبا بأحد مساجد الناظور؛ فاتصل بي الشيخ في يوم من الأيام وطلب مني الحضور إلى فاس صباح اليوم الموالي لأمر هام جدا، ولم يرد الإفصاح عنه.. حضرت إلى فاس في اليوم التالي وتوجهت إلى منزل الشيخ؛ فكانت المفاجأة التي من أجلها جعل الشيخ أحد أتباعه –الذين مارسوا عليه الإرهاب طبعا كما ادعى في مراجعاته- يقطع كل هذه المسافة!! والمفاجأة هي أن الشيخ عبد الكريم الشاذلي سيحل ضيفا على الإخوة بحي لابيطا ظهر الخميس؛ فخطط الشيخ لإسقاطه هناك سقطة لا يقوم بعدها أبدا ولا يُفكر في الرجوع إلى فاس مرة أخرى.. فذكر لي أن هذا الذي يرفع نفسه إلى مرتبة المشيخة وهو لا يُتقن إلا موضوعا واحدا يُردده حيثما حل وارتحل، يجب أن نضع له حدا ونُعرف الناس بحقيقته ومكانته العلمية، وطبعا وافقت الشيخ على ذلك، وأعددنا الخطة التالية: سأحرص على أن أكون المسير للجلسة؛ فأقدم الشيخ أمام الحضور ثم أمنحه وقتا لإلقاء محاضرته، ثم أفتح باب الأسئلة، وكانت الأسئلة كلها من كتابة الشيخ أبي حفص الذي زودني بها وقمت أنا بإعادة كتابتها في أوراق مختلفة وبأقلام مختلفة وخطوط مختلفة، واتفقت مسبقا مع الشخص الذي سيقوم بإرسالها لي أثناء المحاضرة لأطرحها على الشيخ الشاذلي بعد انتهائه من محاضرته.. انتهى الشيخ من محاضرته.. شكرته عليها وانتقلت لبعض الأسئلة التي وردت من الحضور..

السؤال الأول: فضيلة الشيخ ما حكم المرأة المستحاضة التي لا ينقطع عنها الدم وكيف تفعل في الصلاة والصوم؟ صُعِق الشيخ الشاذلي من هذا السؤال وتمتم وهمهم.. استدركتُ الأمر بسرعة، وقلت فلندع فرصة للشيخ لاستحضار معلوماته، ولننتقل للسؤال الثاني: ما حكم المرأة التي تأتيها الحيض ليوم أو يومين ثم يتخلل ذلك طُهر ليوم أو يومين.. هل تُلفق الأيام أم لا؟ وهكذا توالت صعقات الشيخ الشاذلي وهمهماته إلى أن أتممت السؤال العاشر، وكلها أسئلة فقهية في باب الطهارة.. أخيرا تكلم الشيخ الشاذلي وذكر بأن هذه الأسئلة مهمة جدا وتحتاج إلى جلسة خاصة والوقت الآن لا يكفي للإجابة عنها!! وأنه سيعود في أقرب وقت ليُقدم للحاضرين دروسا خاصة في الفقه.. وهكذا ختمتُ الجلسة واعدا الجمهور بزيارة قريبة للشيخ يُجيب فيها على هذه الأسئلة.. ولا زال الجمهور ينتظر عودته!!

فهذه نماذج شاهدة على صراع الزعامة الظاهر، والله أعلم بما خفي.. فكيف سيكون حال دعوة هؤلاء شيوخها وأئمتها؟؟ وكيف نلوم الأتباع إذا كان هذا هو حال المتبوعين؟؟ وصدق من قال: كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M