تنوير الفِهام ببيان حقيقة الوِشام

23 يناير 2019 22:55
تنوير الفِهام ببيان حقيقة الوِشام

هوية بريس – د. محمد ويلالي

اطمئنان المنصفين إلى أدلة تحريم قتل المستأمَنين في ديار المسلميننتوجه بهذه الكلمات اليسيرات إلى فئة الشباب بخاصة، ممن زُين لهم أعمال بعض المشاهير من الرياضيين والرياضيات، والممثلين والممثلات، والمغنيين والمغنيات، والراقصين والراقصات، والفنانين والفنانات، ممن صرفوا جل أوقاتهم في الاهتمام بعالم الشهرة البراقة، وجلب الإعجابات الرنانة، وأوصاف الجمال الطنانة، مبالغة في تقدير زينة الجسوم الظاهرة، وغفلة عن زينة النفوس السامية، والقلوب الطاهرة.

إنها عادات غريبة عن مجتمعات المسلمين، ابتلي بها كثير من أبنائنا وبناتنا، بسبب البعد عن معرفة الأحكام الشرعية في مثل هذه النوازل الطارئة، وفي ظل ضعف رقابة بعض الآباء والأمهات، والذهول عن النصيحة التي تسيج المجتمع من الرذائل، وتحفظ أبناءه من الموبقات والكبائر.

ومن أخطر هذه العادات، ظاهرة الوشم التي صارت تكسو أجساد بعض شبابنا وشاباتنا، حاملة من الألوان، والرموز، والرسومات، والصور، والعلامات، والكتابات باللغات الأجنبية ما لا يعرف حقيقتَه كثير ممن شُغِفوا بهذه التقليعة الجديدة القديمة، في اعتداء صارخ على هذا الجسد، الذي جعله الله أمانة في أيدينا، نحاسب عنه يوم القيامة بما أجريناه عليه من تغيير لخلق الله: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، هذه الجلود التي صارت اليوم مسرحا للغرز العنيف بالإبر حتى يسيل منه الدم، ثم يُحشى الموضع بكحل أو صبغ معين، فيتلون الجلد بلون الصبغ الأخضر أو الأحمر أو الأسود، ولا يزول الأثر بعد ذلك إلا بعملية جراحية مرهقة ومؤلمة ومكلفة.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله” متفق عليه.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- “أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ” متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالله، هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: “لاَ تَشِمْنَ، وَلاَ تَسْتَوْشِمْنَ” صحيح سنن النسائي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (الْعَيْنُ حَقٌّوَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ” البخاري.

فهل هناك أدلة في النهي عن الوشم أقوى وأصرح من هذا الوعيد الخطير، الذي يجعل اللعنة -وهي الطرد من رحمة الله- جزاء لفاعل الوشم ولطالبه، حتى عده المالكية والشافعية من الكبائر؟ مع ما فيه من تعذيب لجسم الإنسان وإلحاق الضرر به، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن “لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ” صحيح سنن ابن ماجة.

فكيف إذا أضفنا علة طاعة الشيطان في تغيير خلق الله، وتبديل ما اختاره الله، وهي العلة المنصوص عليها في حديث ابن مسعود السابق: “الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله“. قال -تعالى-: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)؟ قال القرطبي -رحمه الله-: “وقالت طائفة: الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن”. وقال صاحب “أضواء البيان” -رحمه الله-: “وكذلك على القول بأن المراد بتغيير خلق الله الوشم، فهو يدل أيضا على أن الوشم حرام”. وقال ابن جزي: “وقيل: التغيير هو الوشم وشبهه”. بل جزم ابن مسعود والحسن فقالا: “هي إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن”.

وعلق قتادة -رحمه الله- على الآية (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)، فقال: “ما بال أقوام جَهَلة يغيرون صبغةَ الله ولونَ الله؟”.

وقال الحسن -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (لاَ تَبْدِيلَ لخَلْقِ اللهِ ذَلكَ الدِّينُ القَيِّمُ): “إنه الوشم”.

نعم، الوشم الذي يمارسه 20% من البالغين في إحدى الدول الغربية، ويمارسه من 5 إلى 9% من النصارى والمسلمين، معظمهم ما بين 16 و 38 سنة، قد يسترخصون في الوشم الواحد 7000 درهم (900 د. أمريكي)، ليسوا من طبقة الأغنياء فقط، وإنما منهم 56% عاطلون عن العمل.

فماذا يقصد المستوشمون والمستوشمات من هذه الأعمال؟

– عُرف عن الرومان بأنهم كانوا يقومون بوشم عبيدهم ومجرميهم، ليميزوهم عن غيرهم، احتقارا واستهزاء.

– وكان قدماء المصريين يعتقدون أن الوشم يشفي من الأمراض، وأنه يدفع العين والحسد، وأنه نوع من افتداء النفس، بتعريض الجسم لأنواع من التشريط والكي، لتكسبه آثار الجروح مناعة، وتجلب له الخير.

– ومنهم من يظن أن الوشم تعبير عن الحرية، والتحدي، وإثبات الشخصية، وكأنه تعبير عن اضطراب نفسي يحاولون إخفاءه بهذه الرسوم والوشوم.

– وفي بعض البلاد يشمون رقم خمسة في الوجه لرد الحسد والعين. بل إن بعضهم يشم صورا إباحية ليغض الآخر بصره عن الشخص الموشوم، فلا يطيل النظر إليه، “حياءً من الرسم الإباحي”، فيسقط الحسد الذي منبعه النظر.

– ومنهم من يعتقد أن الوشم باللون الأزرق يبعد الأرواح الشريرة.

– ومن النساء من يرين الوشم في اليد مجلبة للعرسان، أو تيسيرا للخصوبة والأنجاب لمن لم ترزق بأولاد.

– ومنهم من يرى فيه تعبيرا عن القوة والصلابة والشدة، فتراه يرسم على جسده ما يدل على ذلك من صور السباع، أو الأفاعي، أو الجماجم، وما أشبه ذلك.

– ومنهم من يرى فيه تعبيرا عن الحب، فيرسم ما يشير إليه من مثل وردة، أو زهرة، أو قلب، أو اسم المحبوب، فإذا حصل افتراق بين المتحابين كانت الكارثة، التي قد تؤدي – أحيانا – إلى الكآبة الشديدة، التي قد تفضي إلى الانتحار، لأن الوشم يبقى وصمة لا تنفك عنه، تذكره بالماضي الحزين.

– ومنهم من يفعل ذلك لا لشيء إلا التقليد الفج للنجوم والمشاهير.

– ومنهم من يريد أن يظهر بمظهر الجميل الذي يجذب الأنظار، وتتعلق به القلوب والأبصار.

– وأخطر هؤلاء من يَشِم جسده بما يشير إلى ملة باطلة، أو عقيدة منحرفة، أو توجه فكري معارض لدين الإسلام، أو رمز لما يحفل بالميوعة الجنسية، أو يزكي الأخلاق الفاسدة، والأفكار الثورية المتمردة، لأن الفاعل ارتكب محظورين اثنين: الوشم المحرم، والتشبه بمن رمز إليهم، و”مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ” كما في صحيح سنن أبي داود.

إن للوشم أضرارا صحية خطيرة قد لا ينتبه لها كثير من المهووسين به، منها إمكانية الإصابة بسرطان الجلد، والصدفية، والحساسية، والالتهاب الحاد بسبب التسمم، وبخاصة عند استخدام صباغ رخيصة. كما أن سوء التعقيم قد يؤدي إلى انتقال العدوى بأمراض الالتهاب الكبدي، ومرض السيدا، والزهري، كما يؤثر سلبا على المخ والجهاز العصبي، ويفتح مسام الجلد للفيروسات والجراثيم لتخترق الجسم في أي وقت. وقد يكون للوشم آثار نفسية تؤدي إلى تغيرات سلوكية في شخصية المستوشم.

وقد أثبتت دراسة أمريكية أجريت على 2000 مريض في ثلاثة مستشفيات، أن الفيروس الكبدي (سي) الذي ينقل عبر الدم قد زاد أربع مرات في صفوف من دق في جلده وشما عن غيرهم.

وبينت دراسات حديثة في بريطانيا، أن الحبر المستخدم في عملية الوشم، يحتوي على مواد خطيرة، يمكن أن تدخل جسم الإنسان مسببة السرطان، بالإضافة إلى أنها تصل إلى الكليتين، والطحال، وتضعف قدرتهما على تخليص الجسم من السموم. وبين مدير قسم علوم الجلد في جامعة برادفورد أن 13 نوعاً من أصل 21 من الأحبار المستخدمة في الوشم في أوروبا، تحتوي على مواد مسببة للسرطان.

أما انطباعات الغربيين أنفسهم، فتجلي حقيقة الردة النفسية التي يعيشها المستوشمون:

– تقول إحدى الشابات الغربيات: “حين أرى شخصا رسم وشما على جسمه،‏ أحس أنه من الذين يمضون وقتهم في السهر والشرب”.

– ويقول آخر: “قد ترسم وشما لسبب مهم اليوم،‏ ولكن بعد سنوات قليلة فقط،‏ لا يعود يعني لك شيئا.‏ وكأن تاريخ صلاحيته انتهى”.

– وتقول أخرى: “لا أريد أن أرسم وشما يذكِّرني كل حياتي بمرحلة الطيش،‏ أكيد سأندم على ما فعلته”.

ياَ رَاكضاً في مَيَادين الهَوَى مَرِحاً****وَرَافِلاً في ثيابِ الغَيِّ نَشوانا

مَضَى الزمَانُ وَوَلى العمر في لعبٍ*يَكفيكَ مَا قَد مَضى قَد كانَ ما كانا

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M