جرائم فرنسا بالمغرب (إطعام الوطنيين التبن)

20 سبتمبر 2019 18:06
جرائم فرنسا بالمغرب (إطعام الوطنيين التبن)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

أنا مبارز أطلب المبارزة، وأريد أن أطعم الوطنيين التبن“، ذلك ما صرح به المقيم العام الجنرال كيوم المعين بالمغرب لما حلّ به في غشت 1951، وبالفعل لم يكد يمر عام على توليه حتى دبر مذبحة الدار البيضاء وبني ملال والرباط، وغيرها من المدن، التي احتجت سلميا بإغلاق المتاجر والامتناع عن العمل يوم 8 دجنبر 1952 تنديدا باغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد من قبل منظمة فرنسية سرية تدعى “اليد الحمراء” في الخامس من شهر دجنبر 1952، دفاعا عن مخطط إدماج شمال إفريقيا في الإمبراطورية الفرنسية، والذي صرح قاتله لقناة الجزيرة القطرية مؤخرا (2019) بأن ما قام به عمل شرعي ولو كان ينبغي إعادته لأعاده.

وهو المخطط الذي شرع في تطبيقه بالمغرب منذ العشرينيات من القرن الماضي لكنه باء بالفشل، وأراد الجنرال كيوم تطبيقه بالحديد والنار في هذه الظروف التي دعت فيها المنظمة النقابية المغربية للإضراب العام يوم الثامن من دجنبر 1952، وذلك في اجتماعها يوم السابع منه بمقرها بالدار البيضاء، وهو التجمع الذي حضره حوالي ألفان من العمال تحت حراسة أمنية مكثفة من غير اعتراض للوافدين والمغادرين طيلة مدة التجمع لغاية الساعة السابعة مساء، حيث اقتحمت سيارة تحمل مدفعا رشاشا مدخل النقابة وكسرته، وهي مرفوقة بقوات كبيرة، قامت باعتقال القيادات النقابية وقتلت البعض من العمال أثناء الاقتحام، وتعقبت الفارين الذين وجدوا أنفسهم أهداف سهلة للمعمرين القاطنين بالجوار يقتنصونهم من النوافذ، والبعض نزل لساحة البناية النقابية بسلاحه يرمي المتجمهرين، وقد استمر هذا الوضع لغاية العاشرة ليلا، حيث تحول الجنود نحو مقرات سكنى العمال في كاريان سنطرال وكاريان بن امسيك وكاريان اشنيدر، حيث ألقت القبض على العشرات وزج بهم في المعتقلات، وقد استقبل مستشفى مرس السلطان ما يزيد عن ستين جريحا ليلة الاثنين.

ويوم الاثنين انتشر خبر المجزرة الليلية فخرجت تظاهرات تصدى لها الجيش قتل فيها حوالي خمسة عشر شخصا في كراج علال، وأعلنت حالة الطوارئ، وقطع الاتصال بين المدينة والخارج، وتوقفت المواصلات، وحجزت الصحف الوطنية، وتواصل القتل والاعتقالات، حتى تجاوز حسب بعض الصحف الفرنسية الاعتقال خمسمائة فرد، وبلغ عدد الجثث في مسجد مولاي علي الشريف بكاريان سنترال مائة شهيد، وسقط في حي باشكو وحده 25 فردا بين قتيل وجريح، ينتمون لحزب الشورى والاستقلال، وأخذ الشرطة الفرنسية من دار النقابات 21 شخصا لمستشفى العنق حيث أعدمتهم رميا بالرصاص، وأثناء تفتيش المنازل كان الجنود يسرقون محتوياتها ويطلبون من كل معتقل أداء 25 ألف فرنك لإخلاء سبيله، وأخرجت الشرطة ما يزيد عن 500 جريح من المستشفيات وساقتهم لإدارة الشرطة للتحقيق معهم وتعذيبهم، مما أدى لموت عدد منهم، بحيث تراوح عدد الموتى بإدارة الشرطة بالمعاريف ما بين 20 و30 فردا.

كما ألقي القبض على معلمي المدارس الحرة وتلاميذها الكبار بتهمة المشاركة في الدعوة للإضراب، وأمرت الشرطة بعدم إقامة الصلاة على الغائب يوم الجمعة في كافة أرجاء البلاد تحت طائلة عقاب المخالف.

وفي الرباط اجتمع الناس يوم الاثنين في المسجد الكبير، فهاجمتهم القوات، فقتل وجرح العديد، واعتقل أزيد من 600 فرد، وأبعد من المستشفيات الممرضون والعاملون المغاربة حتى لا يطلعوا على ما يجرى بها، كما ألقي القبض على عدد من الأطر الحزبية والنقابية.

وفي بني ملال كان الإضراب شاملا يوم الاثنين، فأمر المراقب الفرنسي بإلقاء القبض على التجار، وكسر أبواب متاجرهم ونهبها، فقام الناس بالتجمهر أمام إدارته احتجاجا، فتصدت لهم القوات لتشتيتهم وقتلت منهم أربعة، وجرحت عشرة، وألقت القبض على 400 منهم، وزعتهم على سجون المنطقة.

وكذلك الأمر في باقي المدن، في مظهر فظيع لاستعراض القوة ضد مواطنين عزل بغية تنفيذ مخطط (جمعية الوجود الفرنسي) التي يرى أصحابها أنهم هم الذين خلقوا المغرب خلقا جديدا، وأن مقابر موتاهم تربطهم بهذه البلاد، ولن يسمحوا فيها أبدا، من أجل ذلك وجب إدماج المغرب في الاتحاد الفرنسي حتى لا يبقى الفرنسيون أجانب به.

فالواجب على المغرب أن يكون ذا ثلاث لغات: الفرنسية والعربية والبربرية، فالدم العربي لا يمكن أن يقدر بأكثر من ستة أو عشرة بالمائة عند المغربي، وعليه فالمغرب ليس مشرقيا ولا عربيا بل إن شخصيته تتألف من أكثرية غربية تدين بالإسلام ومن أقلية أعظمها فرنسي، وهي التي بإمكانها قيادته وتنظيمه لأن المغاربة ميالون للفتنة والاضطراب إذا ما أعوزتهم القوة الفرنسية وحرموا من حراستها، وفي ذلك كتبت جريدة لافيجي ماروكان بتاريخ 11 دجنبر 1952: “إن أولائك القتلى كانوا ضروريين ليصح العزم على حماية المغرب العامل الهادئ من مروجي الأكاذيب الداعين لفصله عن فرنسا”، بل يجب العمل كما جاء في جريدة لوبوتي ماروكان على إيجاد مجتمع مغربي فرنسي أوربي يهيمن عليه الفرنسيون ويوجهونه في دائرة وحدتهم الفرنسية على جميع المستويات، الإدارية والحكم والسيادة من أسفل لأعلى، ومن رفض وجب استعمال السوط ضده، ومن لم يغير رأيه من المسؤولين يغير حتى ولو كان السلطان، وهو ما تم بالفعل في 20 غشت 1953، حيث عزل السلطان ونفي وأبدل بغيره تطبيقا لنظرية الجنرال كيوم القائلة بـ”جر المغاربة لديمقراطية لويس الرابع عشر التي تصوت الأغلبية لحكم الأقلية تطبيقا لشعار أنا الدولة”.

وقد جاء في جريدة لوفيكارو 13 يناير 1953: “لقد تركت حوادث الدار البيضاء آثارا لا تمحى، نتيجة القتل الذي وقع والذي أوصلته بعض الروايات الصحفية لـ1500 قتيل، منهم من مات ضربا بعصي الكوم، ومنهم من مات برصاص الشرطة والجيش والمعمرين، ومنهم من مات دهسا بسيارات متدخلين مختلفين، فما وقع ليس إلا مظهرا من مظاهر مأساة المغرب البعيدة الأسباب، والتي فحواها رفض الهيمنة الاستعمارية من قبل المغاربة وتأييدها من قبل الفرنسيين”.

يقول شارل اندري جوليان في رسالة لجريدة لوموند: “لقد لذّ لجماعة من الفرنسيين في بلاد المغرب الأقصى أن تؤكد قولها بأنه لابد من الإقدام على حركة زجر عميقة جدا لكي يتحقق السلام في المغرب لخمس وعشرين أو خمسين سنة.. إن واحدا من أولائك الغلاة تجشم مشقة القدوم إلي لكي يشرح لي برنامج عمله المتلخص في خلع السلطان وإرسال فرق مسلحة قوية لحفظ الأمن وإبعاد العنصر العربي كله من بلاد المغرب الأقصى، لكي يرجع لها بعد ذلك أصلها البربري.

يجب ألا ننسى أن فكرة إنشاء جمهورية مغربية يتولى الفرنسيون تدبيرها على غرار ما فعل في إفريقيا الجنوبية أخذت في الانتشار لدرجة أصبح من قلة التبصر تجاهلها”.

إن اعتراف قاتل فرحات حشاد وإصراره على ذلك، يجعلنا نطالب بالقصاص العادل للضحايا الذين قتلوا لتحقيق تطلعات غير مشروعة للاحتلال الفرنسي، وهو مطلب لا يسقط بالتقادم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M