حوار هادئ مع الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي

06 مايو 2017 21:32
حوار هادئ مع الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي

هوية بريس – إبراهيم آيت باخة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

فتفاعلا مع الحوار الذي فتحه الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي بخصوص إعادة النظر في قضايا الإرث، أفتح ـ من جهتي ـ نقاشا هادئا مع الأستاذ الكريم، ليس نقاشا علميا تأصيليا، فلهذا أهله، وإنما هو دردشة على هامش الموضوع.

 وبداية ألفت عنايته ألا أحد من العلماء يرفض فتح حوار في أي موضوع من المواضيع ولو في أصول الدين والمعلوم منه بالضرورة، كيف يرفضون وقد أمروا حتى بمجادلة أهل الكتاب وغير المؤمنين، وكيف يمتنعون وقد ناظر الكبار من العلماء مختلف الطوائف في قضايا الإيمان والأصول، ناهيك عن مسائل الفقه والفروع، غير أن ثمة فرقا بين الدعوة إلى حوار يفتح فيه المجال للمتخصصين من علماء الشريعة والقانون لإحقاق الحق وإبطال الباطل وتنوير الرأي بالحجة والبرهان، وبين إطلاق الحبل على الغارب للتلاعب بثوابت الدين، وتمييع قضاياه وإسنادها إلى غير أهلها باسم الحوار.

وسيكون حواري ـ بحول الله تعالى ـ مع الأستاذ أبي حفص مرتكزا على مبحثين اثنين متعلقين بما يستند عليه فيما ذهب إليه:

* المبحث الأول: قطعية وظنية مسائل الإرث.

* المبحث الثاني: قضية تعليل مسائل الإرث.

فأقول مستعينا بالله تعالى:

المبحث الأول: قطعية وظنية مسائل الإرث:

بداية نلحظ أن الأستاذ رفيقي يحاول تعويم القضية بعدم تحديد وتحرير محل النزاع، فنجده يتحدث عن فقه الفرائض جملة من غير تفصيل، فيستدل ببعض مسائله على بعض، وكان الأجدر بمعارضيه أن يضعوا أصابعهم على موضع النقاش، لتستبين المسألة لمن لم يدركها بعد.

فمحل النزاع لا يتعلق بتفاصيل الميراث بقدر ما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة، أي إن النقاش يتوجه بالتحديد إلى قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)[1]، فينبغي التركيز على هذه الآية لأنها المقصودة بدعوى الاجتهاد والتعديل، وإعادة النظر.

فالأستاذ الكريم يزعم أن هذه الآية نزلت في سياقات اجتماعية معينة، ربما تكون قد تغيرت اليوم، فليزمنا الاجتهاد إزاءها من أجل صياغة فهم جديد لها، وفقه يلائم المتغيرات والمستجدات أخذا بمرونة الشريعة، وعدالة أحكامها، غير أن معارضيه يلزمونه بقطعية هذا الحكم، وبكونه من حدود الله تعالى التي لا ينبغي تجاوزها بحال من الأحوال.

والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى حد الحدود وفرض الفرائض، وهو أعلم سبحانه بما تصلح به دنيا الناس، فأشار الله إلى هذا المعنى في آية الفرائض بقوله: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) وختمها سبحانه بقوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[2].

ووصف الله تعالى نفسه بالعليم الحكيم في هذا المقام يحمل إشارات جليلة عظيمة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

أسوق هذه الآيات وأنا أعلم أن الأستاذ الكريم سوف يجد لها محملا، وربما يعتبرها من الوعظ المتجاوز، والخطاب الذي أفلت شمسه، لكنني أدرك يقينا أن الحجة تقوى بجمع أطرافها وشواهدها، وهذا واحد منها.

ومما يثبت يقينية هذه الأحكام إجماع الأمة عليها، وإطباقها على العمل بها، قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن مال الميت بين جميع ولده للذكر مثل حظ الأُنثيين)[3].

هذا إن كان الأستاذ أبو حفص يؤمن بحجية الإجماع، خاصة وأنه يقدم اجتهادا (شرعيا) (سلفيا) لهذه القضايا، فالظن به أنه ينطلق من قواعد الاستنباط وأصوله وفق ما قرره العلماء في هذا العلم، فيكون الاجماع حجة، إذ لا يعلم أحد من الأمة قاطبة زعم فهما آخر للآية موضوع النقاش، أو ادعى أنها مرحلية قد يتقادم عهدها، فصح عندنا الإجماع من جهة السكوت، ومن جهة التصريح والتنصيص.

وأتمنى هاهنا ألا يفتح الأستاذ أو مناصروه نقاشا يستدعون فيه موقف ابن حزم من الإجماع أو موقف أحمد بن حنبل، لأن ذلك لا يسعف في شيء، ذلك أن الأئمة جميعا قد اتفقوا على الاحتجاج بحد أدنى من الاجماع يشمل قضيتنا هذه، ولا أدل على ذلك من ذكر ابن حزم لها في كتابه (مراتب الإجماع)[4].

ولأن البحث العلمي يلزم الباحث بالسير وفق منهجية منسجمة لا انتقائية أو فوضوية، فلا يليق بالباحث المنصف أن يرفع ألوية ابن حزم كلما أعوزه الدليل، ويحكم عليه بالظاهرية والشذوذ إن خالف مذهبه، وأقرب مثال أن ابن حزم لا يقول بتعليل الأحكام، وهو ما بنى عليه الأستاذ المكرم دعواه، مما سنناقشه بعد قليل.

وأما إن كان الأستاذ الكريم لا يأخذ بطرائق العلماء في الاستنباط ولا بأصولهم، فالأولى والأجدر أن نفتح حوارا قبليا نحدد فيه المنطلقات والأصول ونحررها، لأن قضية الإرث في هذه الحالة ليست إلا عَرَضا ومظهرا ناتجا عن الاختلاف في المأخذ والمنزع.

على أن الأستاذ رفيقي حاول أن يتملص من قضية القطعية، فصرح في (بارادايم 1)، أن النص قطعي الثبوت والدلالة، لكنه مرتبط بعلة لابد من تحققها، وهذا ما سنناقشه مع الأستاذ في المبحث الموالي.

ثم إن الأستاذ الكريم ذهب بعيدا ينقب في كتب الفقه والتراث، لعله يظفر بما يؤيد به دعواه، فنقل بعض الأمثلة القديمة والمعاصرة، قال إنها تثبت إمكانية الاجتهاد في قضايا المواريث، كالمسألتين العمريتين (المشتركة – الغراوين) من أقضية السلف، ومسألة الكد والسعاية، والوصية الواجبة من أقضية الخلف.

وهنا خلط الأستاذ مرة أخرى وأوهم المشاهدين أن معارضيه ينفون الاجتهاد في أي باب من أبواب الإرث، وأنهم يقطعون في كل مسائله وتفاصيله، وليس الأمر كذلك، فإنما القطع في المسائل التي تشملها آية المواريث نصا لا ظاهرا، على رأسها (للذكر مثل حظ الانثيين)[5]، وأما الأقضية المستجدة التي لا تنص عليها الآية، وإن كان ظاهرها يشير إليها، فقد بقيت محل اجتهاد بين الصحابة، منها المشتركة أو الحمارية، فإن منشأ الخلاف فيها دلالة الآية نفسها قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)[6]، فقضى عمر رضي الله عنه بإشراك الشقيق مع الإخوة لأم قياسا، ولاشتراكهم في قرابة الأم.

وكذلك مسألة الغراوين، وهي اجتماع أحد الزوجين مع الأم والأب، حيث قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)[7]، فمنشأ الخلاف في المقصود بالثلث في الآية، هل هو ثلث المال أم ثلث الباقي؟ والذي عليه الجمهور وما قضى به عمر رضي الله عنه أن المقصود هو ثلث الباقي، إعمالا للقاعدة (للذكر مثل حظ الانثيين)، وهذا من عجائب الأمور، أن يستدل الأستاذ بهذا الدليل وفيه تقرير للقاعدة التي ساق الدليل لمعارضتها، والحال أن الصحابة جعلوا من إعطاء الذكر نصيب الأنثيين، قاعدة محكمة يردون إليها وبها مشكل المسائل.

ولم تكن هذه المسألة الشاذة ومثيلاتها في زمن النبيr، لندرتها وقلة احتمال وقوعها، فلما وقعت في زمن الصحابة اجتهدوا في إلحاقها بالنص، وهنا أطالب الأستاذ المحترم أن يثبت لنا مستند قوله في قضية الغراوين: (هذا اجتهاد من عمر، غير تشريعا كان قائما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)[8]، فليثبت لنا دليل وقوعها.

خلاصة القول إنه لا أحد يزعم قطعية جميع مسائل الميراث، وإنه لا دليل في إيراد المختلف فيه، لتجويز الخوض في المتفق والمجمع عليه، وجعلهما على درجة واحدة، ولو جاز هذا لما سلم شيء من القطعيات والثوابت، ولساغ التعديل في قطعيات الصلاة والصيام والحج والزكاة لما في فقهها من الخلاف، وذلك ما يعلم فساده بداهة.

وأما ما مثل به الأستاذ للاجتهادات المعاصرة في الإرث (الكد والسعاية والوصية الواجبة)، فهذا يدل -للأسف الشديد- على أن الأستاذ يستدعي كل قريب وبعيد لتأييد دعواه، ذلك أن المسالتين المذكورتين لا تندرجان أساسا في أحكام الميراث إلا من حيث التعلق بها، والبيان كما يلي:

* حق الكد والسعاية: وهو “الحق الذي يخول للمرأة حسب التقليد السائد من الحصول على نصيب بعد الطلاق أو وفاة الزوج، من أموال الأسرة التي ساهمت خلال الحياة الزوجية في توفيرها وتنميتها بكدها وجهدها[9].

وقد أوهم الأستاذ مشاهديه أن هذا الحق ألحقه ابن عرضون ومن حذا حذوه من فقهاء سوس بأنصبة الميراث، لتأخذ الزوجة نصف التركة بدل سهمها المفروض، والحقيقة أن حق الكد والسعاية متعلق بباب الشركات لا الفرائض، ومرتبط -عند القائلين به- بالحقوق المالية التي تخرج قبل تقسيم التركة، وبهذا فهو حق مستحق من جهة الكد والشركة في تكوين المال، وليس مستحقا من جهة الفرائض والميراث، ولا يكون عوضا لها عن فرضها في الميراث، والدليل على ذلك أن المرأة تستحقه بالطلاق، أي في حياة الزوج، بل إن مفهومه يشمل كل مساهم في تكوين مال الأسرة من غير الزوجة كالأبناء مثلا، ولمستحقه أن يطالب به وقتما شاء، وهذا ما نص عليه النوازليون في كتبهم، وينظر لمزيد من التفصيل كتاب (فقه النوازل في سوس قضايا وأعلام/ للدكتور الحسن العبادي).

وإنما ارتبط هذا الحق بالميراث من جهة المطالبة بإخراجه من التركة قبل قسمتها، فكما هو مقرر في الشريعة فأن مال الهالك ـ قبل تقسيمه على الورثة ـ يؤخذ منه ما يكفي لتجهيزه، وتقضى منه الديون سواء كانت حقاً لله كإخراج الزكاة، أو الكفارات، أو النذور، أو كانت حقاً للعباد كالقروض، ومهر الزوجة ونحو ذلك، وتنفذ منه وصيته إن أوصى بشيء، كما قال تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين)[10]، وفي هذا السياق ألحق الفقهاء مستحقات الكد والسعاية، فما علاقتها أيها الأستاذ الكريم بتغيير حكم الله في المواريث؟!!.

* الوصية الواجبة: “هي افتراض وصية الجد أو الجدة للأحفاد بقدر حصة والدهم أو والدتهم إذا مات الوالد أو الوالدة قبل وفاة الجد أو الجدة على أنْ لا تزيد هذه الحصة عن ثلث التركة”[11].

وهي كذلك مثل سابقتها، حاول الأستاذ رفيقي اتخاذها نموذجا معاصرا للاجتهاد في مسائل الميراث، وهذا خلل في التصور، إذ الوصية الواجبة كما هو واضح من اسمها متعلقة بباب الوصايا لا الفرائض، ذلك أن بعض الفقهاء المعاصرين نظروا إلى حالة لا يستفيد فيها الابناء من الميراث، وهي الحالة التي يموت فيها الاب في حياة جدهم، فلا يستحقون شيئا من مال الجد إن هلك، لأن من شروط التوريث تقدم موت المُوَرث على الوارث، فلجأوا إلى فرض حق لهم في باب الوصية، وهذا دليل واضح على أن هؤلاء الفقهاء يراعون ربانية المواريث، ويعرفون قدرها، فلم يستطيعوا أن يتعرضوا لها بشيء من التعديل وإنما اجتهدوا في باب الوصية لعلهم يجدون فيه متمسكا لحفظ حقوق هؤلاء الأطفال.

واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)[12]، وقالوا إن هذه الآية تفرض الوصية وتوجبها (كتب عليكم)، وإن كانت الوصية للوالدين قد نسخت بآية المواريث، فإن الحكم لا يزال قائما بشأن الأقربين غير الوارثين، كما وجدوا في مذهب ابن حزم ما يقرر هذه الوصية الواجبة حيث يقول: (وفرضٌ على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون، إما لرقٍّ، وإما لكفر، وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه، لا حدّ في ذلك، فإن لم يفعل أُعطوا ولا بدّ ما رآه الورثةُ، أو الوصيُّ)[13].

فأين هذا مما ادعاه الأستاذ المكرم؟ وزعم أن الوصية الواجبة تعديل في أحكام الميراث!!

المبحث الثاني: قضية تعليل مسائل الميراث:

ذكرت سابقا أن الأستاذ أبا حفص في مقطع له اقر بقطعية آية المواريث، غير أنه ذكر أن القطعي يحتاج لتنزيله إلى تحقيق المناط، وإلى تحقق علته، وما ذكره صحيح تنظيرا، إلا أن تنزيل ذلك على آية المواريث لا يستقيم إطلاقا، والبيان فيما يلي:

يقصد الأستاذ الكريم من تعليل آية الفرائض، أن تنزيلها كما قضى به القرآن مرتبط بحالة معينة وظرف مخصوص، فإذا ارتفع هذا الظرف ارتفع العمل بها، ولزم الاجتهاد لتكييفها مع الظرف الجديد، كتعليل تحريم الخمر بالإسكار، فأي شراب ـ مهما شابه الخمرـ إن لم يسكر لا تشمله الآية، هكذا يريد الاستاذ أن يفعل بآية المواريث، مستأنسا بما يذكره بعض المتأخرين من أن الحكمة من جعل الرجل يأخذ ضعف ما تأخذ المرأة كونه ملزما بالنفقة وبمجموعة من الأعباء المالية، بخلاف المرأة فلا تلزم بشيء من ذلك.

ومن هذا المنطلق يقول الأستاذ إن الوضع قد اختلف، وصارت المرأة مزاحمة للرجل في امتلاك المال وفي الانفاق، وهذا ما يدفعنا إلى تجديد نظام المواريث بما يوافق الوضع الجديد.

وهنا لن أتعرض لصحة هذه الدعوى، فقد بينها بجلاء الدكتور مصطفى بن حمزة حفظه الله في مقال له منشور.

لكن أسائل الاستاذ الكريم في قوله إن المرأة تنفق أيضا، هل يقصد أنها تنفق واقعا، أم أنها تنفق شرعا؟

أولا كونها تنفق واقعا:

إن كان الاستاذ أبو حفص يقصد أن المرأة صارت الآن تنفق، وصار ذلك واقعا تلزمنا مراعاته، فنقول له إن من شروط العلة أن تكون مطردة، أي إنها إن وجدت وجد الحكم، وإن انتفت انتفى الحكم، وهذا معلوم، وهنا نطلب جوابا من الاستاذ عن الحالات التالية:

– الرجل المتنصل من النفقة؟

– الصبي الصغير الذي لا يدرك أصلا ما النفقة.

– العاجز عن الإنفاق.

– المريض الذي لا يستطيع الانفاق.

– المرأة التي لا تنفق، وهو الوضع الغالب.

فمادام أن استحقاق النصيب من الميراث، أو على الأقل استحقاق التسوية في الميراث، متعلق بالإنفاق من حيث كونه واقعا، فيلزم من منطق العلة ألا تستفيد هذه الحالات.

ولا أظن الأستاذ يقع في هذا الاشكال الكبير.

ثانيا كونها تنفق شرعا:

وهذا الخيار أقرب إلى المنطق، وأوفق مع العلة، وهو أن تفاضل الرجل والمرأة في الميراث متعلق بإلزام الرجل بالإنفاق من جهة الشرع، سواء أنفق في الواقع أم لم ينفق، وبهذا يدخل الصبي ويعذر العاجز والمريض، فتنضبط العلة.

غير أن هذا الخيار تعترضه ثلاثة إشكالات كبرى، ننتظر من الاستاذ حلها:

* الإشكال الأول: إلزام المرأة بالنفقة: حتى تنضبط العلة يجب أن تكون حالة الرجل هي نفسها حالة المرأة، أي أن المرأة تكون ملزمة شرعا بالإنفاق إلى جانب الرجل، وهذا معناه أن نراجع مسألة القوامة، ونعيد النظر في قوله سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[14] ، ونغير حكم الله فيها، وكيف لنا ذلك، والله سبحانه وتعالى هو الذي أعفى المرأة من أعباء النفقة وجعلها على الرجل، فأنى لنا أن نلزمها بما لا يلزم، وهل كل النساء يقبلن بالإلزام إلا أن يكون إلزاما إلهيا!؟.

* الإشكال الثاني: تغيير فقه الأسرة: أن نجعل القوامة ـأيضاـ في يد المرأة ليس بالأمر السهل، لأن القوامة لها تبعات ومتعلقات، تمتد إلى أحكام الزواج، وأحكام الطلاق، والحضانة، والمعاشرة والانفاق وفقه الأسرة عموما، فعلى من زعم أن المرأة يجب أن تملك النفقة شرعا، أن يبدأ أولا بتأصيل القوامة من جديد، وتعديل فقه الأسرة بما يتوافق مع تقاسم القوامة، بل ينبغي عليه أن يعدل كل تمييز وتفاضل في أحكام الأسرة، وإلا فهو ينظر من زاوية ضيقة، وإن زعم أنه يراعي أوضاع المجتمع، وأنه يتبنى مقاربة شاملة تأخذ المستجدات بعين الاعتبار.

* الإشكال الثالث: تغيير أحكام المواريث: إذا أشركنا المرأة في القوامة شرعا، وجعلنا ذلك علة التسوية بالرجل، فيلزم تغيير جميع أحكام المواريث، لأن الوارث إما رجل وإما امرأة، وكلاهما قد تغير وضعه، وتغيرت علة استحقاقه، فلم يعد ثمة داع للتمييز بين الأشقاء، أو الآباء أو الأبناء أو الأزواج، أو بمعنى آخر يلزمنا نظام جديد لتقسيم التركات.

خاتمة:

إن نظام الإرث في الإسلام، نظام إلهي متكامل محكم، شرعه العليم الخبير، الذي يعلم ما تصلح به أحوال العباد في الزمان والمكان، ومن أمعن النظر في أحكامه واستحضر متعلقاته أدرك حكمة الحكيم سبحانه في تشريعه، ومن كان قاصر النظر حصره في صورة ذهنية تحصره في صراع الورثة على فتات الدنيا، ومرافعات المحاكم..

لذلك فالدعوة إلى فتح حوار يناقش قضايا المواريث، أراه بالغ الأهمية، حتى تدرك الأمور على حقيقتها، ولعل الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي قد أدرك شيئا من ذلك، فقد غير من نبرة الخطاب، وأشار في بعض المناسبات عن كون الموضوع معقدا ومشتبكا ومحاطا بمجموعة من القضايا الأخرى، كما صرح –أخيرا- بأنه لم يدع إلى التسوية بين الذكر والأنثى، بقدر ما دعا إلى فتح نقاش وحوار في الموضوع.

أسأل اله سبحانه وتعالى أن يهدينا سبل الرشاد، وأن يجنبنا سبل الغواية والفساد، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  – سورة النساء من الآية 11

[2]  – سورة النساء الآيتان 13-14.

[3] –  الإجماع:  أبو بكر ابن المنذر : دار المسلم للنشر، تحقيق  فؤاد عبد المنعم، ط1: 1425هـ/ 2004مـ، ص 1/69.

[4] – مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات/  أبو محمد ابن حزم: دار الكتب العلمية – بيروت، 1/102-105.

[5] – سورة النساء من الآية 11.

[6] – سورة النساء الآية 12.

[7]  – سورة النساء من الآية 11.

[8]  – بارادايم الحلقة 03.

[9]  – خالد برجاوي: إشكالية الأصالة والمعاصرة في تقنين الأحوال الشخصية بالمغرب ص 200.

[10]  – سورة النساء من الآية 11.

[11]  – أحكام الوصية والميراث: د. مصطقى الزلمي، ص177

[12]  – سورة البقرة الآية 180.

[13]  – المحلى بالآثار/ أبو محمد ابن حزم، دار الفكر بيروت، 8/353

[14]  – سورة النساء الآية 34

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    أقول لكاتب المقال:إن هذا النقاش العلمي ينبغي أن يكون مع أهل العلم والفهم وليس مع طلبة العلم.
    هل يعرف السيد رفيقي أصول الفقه والفقه واللغة وباقي العلوم حتى يجتهد ؟ وهل هو من أهل الاجتهاد أصلا، من قال لك يا سيدي: إنه من أهل التأصيل !!!
    لا شك أن هذا الشخص له مسيس بالعلوم الشرعية، وهو بهذا الخرجات الطائشة يظن نفسه أنه يحسن صنعا.
    نسأل الله العصمة في القول والعمل.
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M