حين تفرق السياسة بين الشيخ وتلميذه

03 أكتوبر 2021 22:45

هوية بريس – أنور الحمدوني

كان شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي (1880-1964) من رواد السلفية الوطنية في النصف الأول من القرن الميلادي الماضي، اعترف له الجميع بدوره في تنوير العقول والارتباط بالأصول وتحرير الناس من الأوهام والخرافات التي علقت بالدين وهو منها براء، فكان أبرز تلامذة الشيخ أبي شعيب الدكالي حامل لواء النهضة العلمية والتحررية التي بدأ ظهورها بالمشرق، وهو الذي نشر مبادئ السلفية الوطنية على أوسع نطاق، الأمر الذي نتج عنه بروز تيار اجتماعي وسياسي جديد حمل لواء الحركة الوطنية وأسهم بفعالية في تحرير البلاد من الحماية الأجنبية، ولذلك سماه البعض “أب الحركة الوطنية”.

وقد كان من تلاميذ هذه المدرسة النجباء مؤسس حزب الاستقلال الزعيم علال الفاسي رحمه الله الذي تشرب أفكار هذه المدرسة وعمل على تنزيلها واقعيا من خلال عمله السياسي والفكري، وفي كتابه “الحركات الاستقلالية في المغرب العربي” يتحدث علال الفاسي عن شيخ الإسلام ويعتبره الداعي الأساسي للسلفية في المغرب والمخرج لرجالها لما كان له من الجرأة والإقدام والثبات في مواجهة المستعمر وأذنابه من رجال بعض الطرق الصوفية المتحالفة معه.

ومن حدب الشيخ على تلاميذه أنه أفشل محاولات بعض الحاقدين الذين سعوا لتأليب السلطان على الأستاذ علال الفاسي بسبب دروسه التي كان يقدمها في جامع القرويين والتي حمل فيها على الخرافات وأصحابها من الأدعياء، فتدخل الشيخ العلوي بصفته عضوا بالمجلس الأعلى لجامعة القرويين ودافع عنه وبين حقيقة الأمر للسلطان منعا لأي إذاية تلحق طلبته القائمين بنشر العلم الصحيح.

هكذا كانت العلاقة بداية علاقة ود وتقدير بين الشيخ وتلميذه، يعترف التلميذ للشيخ بسابقة فضله وعظيم دوره في نشر الوعي وتصحيح المفاهيم وفي نشأة الحركة الوطنية، ويدافع الشيخ عن تلامذته في المحافل ومراكز القرار، حتى أنه كان الوحيد من أعضاء الحكومة السلطانية الذي أيد عريضة المطالبة بالاستقلال المرفوعة من طرف الحركة الوطنية، رغم تهديدات المقيم العام الفرنسي، وشجع محمد الخامس على تبنيها، مما جر عليه نقمة الاستعمار البغيض وتسبب في نفيه لسنوات.

لكن ما شهده المغرب من أحداث وتحولات بعد الاستقلال دفعت إلى التفرقة بين الرجلين، الشيخ وتلميذه، في المسار والمواقف. فبينما عارض الشيخ محمد بن العربي العلوي مشروع دستور 1962 وانضم إلى حملة الحزب الذي قاد المعارضة وهو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المنشق عن حزب الاستقلال، اختار الأخير تأييد مشروع الدستور ورأى أنه أقرب إلى تحقيق رؤاه مما يهدف إليه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يدعو إلى فصل السلطات والحد من صلاحيات المؤسسة الملكية، وهو ما وجد فيه شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي مجالا للتعبير عن أفكاره في بناء المغرب الجديد.

بلغ الشقاق مداه، حين كتب علال الفاسي في جريدة العلم بتاريخ 31 ماي 1962 مقالا تحت عنوان: “عندما تنتصر الشيخوخة على المشيخة” والمقال موقع باسم: “سلفي” ! وكأنه يلمح إلى أن موقف شيخ الإسلام فيه مخالفة لأصوله نهجه السلفي، وفي المقال حمل الكاتب على موقف الشيخ وعاتبه على التحاقه في شيخوخته بخصوم حزب الاستقلال الذين لا يحترمون حسب قوله لا دين ولا وطن ولا عرش! رغم أن الدور الذي قام به شيخ الإسلام لا ينكر في اضفاء البعد الشرعي على مطالب المعارضة وربطها بالأصول الدينية، ومما نقل عن المرحوم المهدي بن بركة:” لولا الشيخ العلوي لأصبح جل سياسيي الاتحاد ملاحدة”!

هكذا ترى المواقف السياسية تفرق بين المتحابين والمتماثلين، وهو أمر مطرد عبر التاريخ، وواهم من يظن أن دخوله معترك السياسة، سيبقي علاقته مع الناس على حالها، فقد خلق الله عباده مختلفين في مداركهم واجتهاداتهم وتقديراتهم للظروف والنوازل، وتلك سنة الله التي لا تتخلف، والكياسة التماس الأعذار وحفظ الود والإقرار بالاختلاف المشروع، أما إن اخترت مثلي البعد عن ميدان تدبير شؤون الناس وسياسة أمورهم، فاحمد الله على أن نظر إلى ضعفك فرحمك، ولا تقل فيمن ابتلي بها قول سوء، فإنها شر لابد منه، وكل ميسر لما خلق له.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M