خالص جلبي والفهم الخاطئ للقرآن الكريم

24 مايو 2019 14:39
خالص جلبي والفهم الخاطئ للقرآن الكريم

هوية بريس – د. يوسف فاوزي*

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ابتليت الأمة قديما وحديثا بدعاة زور راموا تفسير الشريعة على أهوائهم الخاصة ظنا منهم أنه اجتهاد محمود، ناسين أو متناسين أن الاجتهاد مرتع الراسخين في العلم وليس مجال كل من هب ودب، ضاربين بأصول الاجتهاد فضلا عن شروطه عرض الحائط، ليتبعوا فيه عقولهم وما تشتهيه أنفسهم، فصرنا نسمع بتفسيرات جديدة للشريعة ما تلفظ بها عالم من علماء الأمة ولا سند لها من كتاب وسنة.

وقد راموا –حسب قولهم- بهذه التفسيرات الجديدة تحرير العقل المسلم وتنويره، ومواكبة مستجدات العصر، وتقديم الإسلام في صورة حضارية تتماشى ومقتضيات العيش المعاصر بين الأديان والثقافات الأخرى، حتى ولو كان هذا الاجتهاد مناقضا لأصول الدين ويقينياته الكبرى التي أجمع عليها المسلمون خلفا عن سلف وصارت من المعلوم من الدين بالضرورة عند العامة قبل الخاصة.

ولقد أسهم الإعلام بقنواته الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي في تشهير هذا الصنف الجديد من الدعاة والترويج لأطروحاتهم الخاصة حول الدين والتدين والفهم الجديد للنص الشرعي، مستغلا بذلك جهل الكثير من المسلمين بأمور دينهم، وانبهارهم بالألقاب والمصطلحات الرنانة التي يقدم بها هؤلاء (المفكرون).

ومن بين هؤلاء (المفكرين) الذين رأوا في نصوص القرآن أغلالا للعقل المسلم حسب زعمهم المدعو خالص جلبي، الذي أطلق العنان لهواه في إعادة تفسير آيات القرآن وفق منظوره الخاص، بعيدا كل البعد عن تفاسير علماء الأمة وأصول النظر العلمي في كتاب الله، وعليه تأتي هذه الوقفة لبيان تخبط الرجل في قراءته لمعاني آيات من القرآن الكريم لتكون –حسب زعمه- تفسيرا جديدا تنويريا يواكب الواقع الحالي للأمة.

سخريته بآيات القضاء والقدر وأن القرآن الكريم لا يحل كل المشكلات: يقول خالص جلبي في جريد الشرق الأوسط العدد 8009 ما نصه (إن النصوص لم تحل مشكلة في يوم من الأيام، وإن القرآن بذاته تم توظيفه لحياكة أكبر خدعة سياسية في التاريخ…ومن سخرية الأقدار أن نرى في النهاية أن من حل المشكلة لم يكن النصوص). ا.هـ.

فأنت ترى أيها القارئ الكريم كيف يعتبر خالص جلبي قضاء الله وقدره سخرية تعالى الله علوا كبيرا عن هذا، وكيف يرى عدم جدوى تحكيم القرآن في نوازلنا الحياتية كما أنزل من قبل على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم، وبهذا الكلام يضرب جلبي في مصداقية هذا الكتاب ليحل له بعد هذا تقديم رؤيته الجديدة في تقسيره.

سخريته بالحديث عن الجنة والآخرة وعن قصص القرآن الكريم، ودعوته لنقد الحكَّام على المنابر.. يقول خالص جلبي في جريدة الشرق الأوسط العدد (8611): (كل يوم جمعة يجتمع المؤمنون للصلاة وسماع الخطبة، ويُستنفر نصف جيش من المخابرات لتسجيل الكلام ورفع التقارير… ويتلقَّى الموجة جمهور أخرس.. ليسمعَ حديثَ واعظٍ في قضايا لا تستحقُ الاجتماع، فلا يزيد الحديث فيها عن فواكه الجنة في الوقت الذي لا يجد فيه المواطن رزق عياله، وعن الآخرة في الوقت الذي يحتضرُ فيه المواطن كل يوم مرتين، وعن فرعون ذي الأوتاد في الوقت الذي طغى فيه الحاكم في البلاد فأكثرَ فيها الفساد).

فآيات الأمم السابقة في القرآن في نظر جلبي مضيعة وقت، وآيات الجنة ونعيمها ملهاة من العلماء للعوام عن فقرهم وجوعهم، فعلى الخطباء –حسب رؤية جلبي التنويرية- الإعراض عن هذا والانكباب على نقد الحكام وتهييج الشعوب ضد الأنظمة فلا مكان للقرآن في هذه القضية.

-زعمه بأنَّ الصوم شُرع من أجل إيقاف الحروب: يقول خالص جلبي في جريدة الرياض العدد (10790): (لماذا نصوم؟… كان الصيام إحدى أدوات التحرير الكبرى في الهند أيام غاندي وأهم ما في التحرير تحرير النفس من كراهية الإنجليز قبل رحيلهم، لأنَّ العنف شجرة خبيثة).

وأين أنت يا جلبي من قوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، أم أن غاندي أرفع مقاما عندك؟؟.

– استهتاره بآيات القرآن الدالة على عظمة الله تعالى: يقول خالص جلبي في جريدة الشرق الأوسط العدد 8177: (إذا كان الحاكم ينفخ في الصور فيقول للعباد: ما علمتُ لكم من إله غيري فإنَّ الزوج في البيت يُعلن أنه الأعلى لا مُعقِّبَ لحكمه وهو سريع الحساب.. واحتكار فهم النصوص بيد طبقة الكهنوت وخنق التعبير تحت دعوى الخيانة أو الرِّدة.. خاشعة أبصارهم من الذل.. وخشعت الأصوات للحاكم فلا تسمعُ إلاَّ همساً).

فلعبه بهذه الألفاظ التي جاءت في القرآن الكريم في معرض بيان عظمة الله دليل على استهتار جلبي وامتهانه لنصوص الوحي والله المستعان.

كذبه على الله تعالى: يقول جلبي في جريدة الشرق الأوسط العدد 8695: (والله غير متحيِّز للمسلمين)، وهذا تكذيب لقوله تعالى (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وبحسب رجوع المؤمنين إلى دينهم تكون معية الله لهم.

إنكاره لحدِّ الرِّدة وتجويزه لارتداد المسلم عن دينه: يقول خالص جلبي في كتابه سيكولوجيا العنف (ص:126،148): (الخطأ يحق له أن يعيش ولا يُقتل الإنسان من أجل آرائه مهما كانت)، ويقول: (في المجتمع الإسلامي مجتمع اللا إكراه لا يُقتل الإنسان من أجل آرائه أياً كانت الأفكار، سواءً تركاً أو اعتناقاً… وهذا يُفنِّد الاتجاه العام للمفهوم السائد بقتل المرتد).

فجلبي يقدم لنا هنا تبريرا للردة عن الدين، وتسويغا للطرح العلماني في هذا الموضوع الرافض لحكم الله تعالى في كتابه لما قال (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

إن مثل هذه الآيات وغيرها كثير تشكل لجلبي ومن هو على شاكلته إحراجا أمام جمهوره الغربي العلماني، فلا يجد مفرا من التأويل الفاسد والإعمال العقلي الهالك في تحريف نصوص الوحي تحريفا ينسجم مع رؤيته التي يراها تنويرية مناسبة لواقعنا الجديد، وما هي إلا فرار من الحقائق الشرعية التي يراها أغلالا تثقل كاهله، وبعدا عن شرف العبودية لله سبحانه.

هذا فيض من غيض وإلا فإن تتبع ضلالات الرجل سيطيل بنا المقام، وأحيل القارئ الكريم على الشبكة العنكبوتية إذا أراد التوسع في معرفة المزيد، وآخر ما أوصي به نفسي وإخواني هو التمسك بحبل الله المتين، والرجوع إلى أهل العلم في كل صغيرة وكبيرة لاسيما الأموات منهم فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدكتور يوسف فوزي: كلية الشريعة، جامعة ابن زهر، أكادير.

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. أستاذي الكريم يوسف الفوزي حفظك الله من كل مكروه وجزاك الله عنا كل خير عن كل ماقدمتوه للعلم وما قدمتوه لنا من دروس في كلية الشريعة

    2
    1
  2. لم أعتر على تعليقي ،مع التعليق الوحيد ،المرفق أسفل الصفحة ،لذا أتمنى الحصول على جواب مقنع ،من طرفكم يبرر تَعْلِيقَ تَعلِيقِي ،وحجبه عن الظهور على صفحتكم ،لقد غنت أم كلثوم أغنية زْوِينَةً ،عنوانها ـــــ أنا في انتظارك ـــــ سأقتبس منها الختم ــــ أن في انتظار التوصل بجوابكم ،الكافي والشافي ـــــ والسلام عليكم

    1. تم تعليقه لأنه تضمن سبا وأحكاما شديدة.. مثل..
      1- سرقوا اسم العلماء ،ليضللوا به أمة!!!
      2- حسب توصيفكم الوثني والمشرك بالله!!!

      1
      1
      1. أشكركم على ردكم ،خير ما سأختم به مداخلتي هو التأكيد على أن المسلمين في طريقهم ،للسكن على صفحات مجلدات ،تاريخ الأمم التي سادت ثم بادت ،وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

  3. لا أبرئ الرجل و لا أتهمه بموجب اقتطاعات من كلاهه مبعثرة هنا وهناك يمكن تأويلها تأويلات غير محدودة و ظفها الدكتور يوسف للحكم على خالص جلبي ومع احترامي لغيرة الدكتور يوسف إلا أن المنطق العلمي وهو أهل لتحكيمه لا يقبل هكذا محاكمة ، فلتأخذ ياأخي مقالة للرجل ] خالص[ و تحاكمها وعندها تكون قد أنصفت و أفدت

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M