خرف علماني وحكاية «آدم الثاني المخلوق من بكتيريا»

04 مايو 2016 21:35
صناعة القدوات بين ماضي البناء وحاضر الهدم

ذ. محمد بوقنطار

هوية بريس – الأربعاء 04 ماي 2016

إن من الإنصاف الإقرار بأن لنا وظيفة ومقصدا ما من خلال ما نكتبه وندافع عنه ونذود عن حياضه ونتشبث بعراه ونستسلم لحقه وحقيقته ونرفع به الرأس ونرجو به ثواب خالقنا جل جلاله.

كما من الإنصاف الإقرار بأن في الجهة المقابلة، هناك أيضا أشخاص لا يمكن أن ننكر أن لهم دورا ووظيفة فيما يكتبون ويدافعون عنه ويذودون عن حياضه وحماه ويتشبثون بعراه ويستسلمون في التزام لما يرونه ويزعمون أنه الحق وما دونه الباطل ويرجون من أسيادهم منزلة القرب وتأشيرة الرضى.

ولا شك أن وضع هؤلاء في الجهة المقابلة له ما يبرره من جهة التقابل والتضاد وطبيعة النشاط ونوع الفكر المحشور بين صنفي الإقرار وضرب الوظيفة والمدافعة التي يزاولونها أناء الليل وأطراف النهار، ويصدق هذا التقابل ويشرعن الذهاب مذهبه علمنا علم اليقين أن الإسلام لو نهى عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهانا عنه إلا وفيه خير للإنسان وفلسفة كونيته وحريته ومساواته وعدله المنشود، ولو أمر بما نهى عنه وينهى للاتزموا الحسنة وجميل العمل.

 ولا يغرنك منهم إظهار حالة الانفكاك في دواخل الوجدان وزيف المقولة بين الدين والتدين، وبين الدين وأهله، وبين من يرضونهم من أهله ومن هم في صك الاتهام وكبير الرمي ممن دأبوا على التفنن في صياغة وسوغ مسمياتهم وألقابهم وأنواعهم وأضرابهم بدء بالظلاميين؛ ومرورا بترادف معطوفات؛ ووصولا للرمي الثقيل ونعني به مسمى “الإرهابيين”.

ولا ريب أنها مجرد أستار وأقنعة وأصباغ فاقع لونها يفزعون إليها من قلة ويدفعهم إليها بسلطان إكراه علمهم أن جماهير الشعوب المسلمة تبقى عصية عليهم بغير تدليس ولا نفاق تدبير وتلبيس سلوك، فهي لا تزال منيبة مستسلمة في إخبات وصدق انتماء إلى هذا الدين العظيم، وربما علم هؤلاء أو لزم أن يعلموا أن عصاة الأمة وهم يقتحمون عقبة المحرم لا يقتحمونها بنية استحلال أو تحلل من مكرهة وقيد الحلال والحرام، وإنما اقتحامهم لا يكون ولا يُقارف إلا بإحساس المخالفة المتلوة بالندم وحرارة الانكسار وإدمان الاستغفار وطول تضرع وبكاء بين يدي الله ولعلها حقيقة لم يشذ عليها إلا نفر قليل قلة إغراب واستقذار.

والمتتبع لوظيفة هذا الصنف لابد أن يقف على نوع التشغيب المنوط بهم، المؤدى عنه ببخس الأجنبي وسحت الرضاعة في غير فصام، فصنعة الاستدراك لمجرده، والضجيج لمجرده، واعتراض السبيل وقطع الطريق وتسجيل الحضور ببصمة التحامل والتداعي ضد كل ما فيه ملحظ إسلامي ونفس ديني، بزعم ودعوى التصدي ومقاومة نمط من أنماط التشدد والتطرف والغلو في الدين وكل ما من شأنه الإساءة إلى سماحة إسلامهم السمح المعتدل في مغلوبية والمتصاغر في تفريط، ليست في الواقع الذي يشهد بالسطر والصوت والصورة إلا تحاملا وتجريحا الباعث عليه تجدر عداوتهم ولجاجة خصومتهم لهذا الدين، مع واجب التنبيه على أنه الدين في ثوبه الحقيقي المواطئ في معناه وتجلياته لمراد الله ورسوله، وربما كان من التغابي التفصيل في مقومات الدين المقصود عقيدة وفقها وسلوكا ومعاملة ويغني عن هذا التفصيل ويكفي معرفة أنه الدين الذي يناقض ويسعى في غير مسعى مناهم ومبتغاهم المتواطئ في خيانة وعمالة، والساكت عن خرافات تدين الخرافيين والقبوريين والشيعة الروافض.

وفي هذا السياق وما يلزم من بلاء أمره ثارت حفيظة أحد هؤلاء الكسور ممن أتاح لهم الفضاء الأزرق استيطان فضائه وتفريغ شحنات شعبويتهم ونقل ركزهم الذي عجت به جنبات الحانات وظلماتها الفاقعة السواد ولا تزال وتحملت أدرانه أسمال الجرائد الورقية التي تتغذى على نقيصة الإباحية ونشر الرذيلة وتصوير المجتمع وكأنه ماخور يعج بكل تسفل وفاحشة، قلت ثارت حفيظته من مقالي الأخير الذي حاولت من خلاله في دائرة التخبير التأسيس للأصل العظيم في قضية الخلق وأمانة نسبته إلى الخالق جل جلاله، وربطه بقضية الاستخلاف وأساسه المقاصدي وغايته الشرعية والكونية، وما طبع مسيرة عيشه التاريخية منذ الإهباط المصاحَب بنبوة آدم عليه السلام وما عرفه هذا السير المحاط برعاية الله وسلطان قهره بترادف حجة إرسال ورحمة تنزيل، واستيعاب يشمله الاطراد المؤشر عليه وحيا وصدقا بقول الله تعالى “وإن من أمة إلا خلا فيها نذير”، وتفنيد للزعم المتشدق به في غير برهان ولا سلامة معرفة بخصوص نشأة الخلق من خلال قول ربنا جل في علاه: “ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم”، ونقض لفرضية البدائية والتوحش من خلال إخبار الله تعالى: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم” وقوله سبحانه: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”، وقول نبينا عليه الصلاة والسلام: “خلق آدم عليه السلام وطوله ستون ذراعا”… ثم قال عليه الصلاة والسلام: “فلم يزل ينقص الخلق حتى الآن”.

وربما كان مثار حفيظة الصاحب اعتقاده وإيمانه في دائرة معتقل منظوره أن الكلمة ليست للإسلام ولا لنصوصه وفهم المنتسبين إليه في هذا المقام، كما إيمانه بأن مسؤولية التبرير ومشقة إقامة الدليل ووجه الاستدلال به من الناحية العلمية نُطالب به وحدنا، ولا يقع ثقله ولا مجرد الإحساس بالحاجة إليه بين يدي الوافد الخرافي على من يعبثون اليوم والأمس قبله بمصاير نصوص الوحي وقطعيات أدلته.

سيما إذا علمنا أن الغاضب المنافح عن نظرية التطور وشواكله من المجددينات ينسبون أصحاب هذه الفرضيات أو الافتراضات أو الخيالات إلى درجة من القداسة والعصمة التي يستكثرونها على كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الوحي عند من سلمت نفوسهم واطمأنت أفئدتهم هو أعلى مكانة وأسمى منزلة وأولى من خرص الظنون بمزيد حفاوة وتقدير وتوقير وطلب منفعة ورفع ظلمة الجهل المكعب الذي تشكوه هذه الرخويات المتعالمة في عمى بصيرة.

 وهكذا عندما فسر صاحبي آية الاستخلاف في ظل ما يعانيه من هلوسة ورِق فكر قال: “أنا أعتقد أن هناك مرحلتين للخلق… مرحلة آدم الذي طرد من الجنة، ومرحلة آدم المتطور عن البكتيريا كما خلقها الله”، استدركت على خرفه قائلا: “ما تتكلم به هو مجرد فرضيات تنحني لها رقاب المفتونين بعقدة الأجنبي يقابلها من وجهة نظر إسلامية حقائق أخرى… وبهذا الخصوص يقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: “كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جند من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور”.

ثم نبهته رافعا عنه الاستشكال بكون كلام الصحابي في أمور الغيب يحكم له بالرفع أي نسبة المتن إلى من تنزل عليه الوحي، فحصن الغيب لا يملك مفاتحه إلا هو سبحانه وتعالى، فاستدرك مستفهما غاضبا الغضب المنتظر من جنسه ونوعه: “وهل عبد الله ابن عمر معصوم من الخطأ ومنزه حتى تأخذ بتفسيره للآية دونا عن تأويل البشر في ظل العلم الحديث؟ أم أنك تصر على رهن عقولنا بأزمة لا علاقة للعلم بها”، ولست أدري ولا أملك إلا أن أستفهم في عفوية وسلامة قصد: ومتى كانت عقول البشر والعلم الحديث له الحظوة والاعتبار في ما هو في طبيعته محض غيب لا طاقة لنا به ولا يؤتى إلا من وحي نبي أو رسالة رسول.

ثم هل من المعقول في شيء الدفاع عن افتراضات أثبت العلم والواقع والتجربة أنها لم تتجاوز قنطرة القبول وأن سراب مائها كان دون القلة لا القلتين، فماتت في المهد لكنها لم تدفن، إذ تم تحنيطها وطال الأمد فجاء بعد النسيان من صورها أنها نظريات قطعية الثبوت والدلالة، ومع هذا الفصام وتصوره لم يكن من المستغرب طول نفس صاحبي في منافحته عن نظرية التطور، والاسترسال في استفسارات تجرنا بما نحمل إلى تهمة الجهل والبساطة والتقليدية في التعاطي مع هذه الأمور عالية الجرعة العلمية حسب الزعم والدعوى، ولربما كان من الشكر باللسان قولنا نِعم الجهل ونِعم الزهد والتورع عن حمل وقر نظرية تقوم على اعتبار الإنسان حيوانا من جملة الحيوانات على هذا الكوكب، وصل إلى صفته الإنسانية عن طريق النشوء والارتقاء، ونظرا لتشابهه مع القرد يفترض أن يكون انحدارهما من أصل واحد، وعند التفصيل في مسيرة هذا التحول المزعوم نجد أن نقطة الانطلاق كانت عن طريق الانتخاب الطبيعي، حيث تتكفل عوامل الفناء بإهلاك الكائنات الضعيفة الهزيلة، فلا يبقى إلا الكائنات القوية وهو ما يسمى بقانون أو مبدأ البقاء للأصلح، ثم هذا الأصلح السليم سيورث في مرحلة لاحقة صفاته القوية لذريته ومع مرور الزمان تتجمع هذه الصفات منشئة صفة جديدة في الكائن، وذلك هو النشوء الذي سيؤسس لعملية تطور وتحسن تلك الصفات الناشئة التي تقود حسب الافتراض إلى كائن أعلى وهذا هو ما يسمى الارتقاء… سبحانك هذا بهتان عظيم، لا نملك خيرا منه بعد هذا التنزيه غير قول الله جل في علاه: “ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين”.

ولست أبالي بعد قول الله باستدراكات تُستحلب من عقول نواصيها كاذبة خاطئة، ولا شك أن الإبقاء على الحق نقيا صافي الجوهر كامل النور، في إطار ما تمت الإشارة إليه من طبيعة وظيفة، هو جهاد ومجاهدة أشق وأقسى من رفعه وإظهاره في وجه الجاهلين الغافلين من صنف صاحبي نسأل الله العفو والمعافاة.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M