د.الريسوني: الفتوى مشكلة عند المشتكين منها وما يخشى اليوم هو تقديم المفتين أو حجبهم بناء على المزاج السياسي

02 مايو 2018 14:22
صحيفة "مكة" السعودية تضع د. الريسوني ضمن لائحة 40 إرهابيا.. وتقول بأنه "انتقد الحكومة المغربية ووصف الفرنسية بأنها لغة ميتة"!!!

 نبيل غزال – هوية بريس

– هل الفتوى تسبب فعلا مشكلة مجتمعية؛ أم أن هناك من يريد أن يجعل منها مشكلة؟

طبعا هي مشكلة عند المشتكين منها. فالفتوى كما يُعرِّفها الأصوليون هي تبليغ حكم شرعي وبيانُه في مسألة أو نازلة. فكل من لا يريد أصلا بقاء شيء اسمه الحكم الشرعي، فلا بد أن تكون عنده مشكلة مع الفتوى. وقد قرأت مرارا تصريحات لبعض الحزبيين العلمانيين يقولون: أوقفوا عنا منطق الحلال والحرام.

أما الفتوى في حقيقتها ووظيفتها فهي حاجة مجتمعية وخدمة اجتماعية لا غنى عنها، ولولا أنها كذلك لما كان الناس هم الذين يسألون عنها ويبحثون عن أهلها ومصادرها، وإذا لم يجدوا مبتغاهم في بلدهم طرقوا أبواب الفتوى والمفتين في أي بلد آخر.

وللتذكير فإن البرنامج التلفزيوني الذي كان يبث على التلفزة المغربية تحت اسم (ركن المفتي) كان يصنف الأول في عدد المشاهدين، لكنهم مع ذلك أعدموه.

الفتوى الشرعية مطلب شعبي، لكونها خدمة دينية تربوية توجيهية، تهدي الحائرين وترشد المسترشدين وتصلح بين المتخاصمين. وكم من أحد صلح حاله وزال غمه واستقام سلوكه بسبب الفتوى الرشيدة.

وكثيرا ما أوقفت الفتوى طلاقا كان قادما، أو عقوقا كان قائما، أو انحرافا كان مستحكما. وكم من متعاطٍ للمخدرات أو التدخين تاب وتحسنت حاله بسبب الفتوى.

وتحضرني في هذا السياق فتوى ابن عباس رضي الله عنهما، حين جاءه رجل متأبطا سيفه، وسأله هل لِقاتلِ المسلم عمدا من توبة؟ فتفرس فيه ابن عباس وأجابه: لا، إلا النار. فلما مضى الرجل تساءل أصحاب ابن عباس عن سرّ هذه الفتوى التي سبق له أن أفتى بخلافها، فقال: أما هذا الرجل فقد رأيت الشر في عينيه…، أي أنه فهم من حاله أنه يريد أن يقتل، ويسأل عن إمكانية التوبة بعد القتل؟ فابن عباس أغلق عليه الباب وأبعده عن عزمه على القتل، فأنجى بفتواه الطالبَ والمطلوب من جريمة كانت على وشك الوقوع…

– بعد الحرب على الإرهاب ارتفعت مطالب بتقنين الفتوى في عدد من الدول؛ بدعوى أنها تحولت إلى خطاب ينتج الكراهية ويحرض على التكفير والقتل والعنف. ما تعليقك؟

ضبط الفتوى وأهلها من حيث المبدأ لا غبار عليه، وليس شيئا جديدا، لكن من يقوم به: العلماء أم السياسيون؟ من سيميز المؤهلين وغير المؤهلين للفتوى؟ ومن سيميز المفسد من المصلح والمسيئ من المحسن؟ ومن يميز المفتي العالم من المفتي الجاهل؟ والمفتي النزيه من المفتي الماجن…؟

ما يخشى اليوم هو ما يقع من تقديم المفتين أو حجبهم بناء على المزاج السياسي أو الولاء الحزبي…

 ومن جهة ثانية فإن الضبط والتحكم في الفتوى والمفتين أصبح اليوم عسيرا أو متعذرا، وقد حاولته عدة دول وفشلت فيه، بسبب الوسائل الحديثة للإعلام والتواصل، العابرة للأقطار والقارات، من قنوات تلفزية وإذاعات ومواقع إلكترونية وغيرها. ولذلك فالحل إنما هو بتوفير الإفتاء الرشيد السليم، وتقريبه من عموم الناس بجميع الوسائل والأشكال، وعدم ترك أي فراغ أو خصاص في ذلك.

– المغرب من الدول التي قننت الفتوى وأحدثت لها جهازا خاصا وهو الهيئة العلمية للإفتاء، التي تنتسب إلى المجلس العلمي الأعلى الخاضع إداريا وتنظيميا إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ فهل حققت هذه الهيئة المنتظر منها وهل استطاعت أن توحد الفتوى وتدرأ ما أسمته بفوضى الإفتاء؟

لو توجهنا بالسؤال إلى الناس في المساجد وغيرها، لوجدنا أنها ليس لها أثر ولا خبر، ولو عند واحد بالمائة منهم.

 – ينتقد بعض المختصين بطء تفاعل الهيئة الإفتائية الرسمية مع قضايا المجتمع والأمة؛ وغياب صوتها في قضايا من اختصاصاتها من مثل حكم الربا، والخمور، والشذوذ، وما يقع في عدد من البلدان الإسلامية، وبالمقابل تتحلى الهيئة ذاتها بالسرعة في الرد على أشخاص عبروا عن مواقف لا تساير التوجه الرسمي للدولة. هل ترى أن ذلك يؤثر في استقلاليتها ومصداقيتها لدى المجتمع؟

 مشكلة الهيئة الرسمية للإفتاء متعددة الأوجه؛ فهي عموما غائبة أو مغيبة، وإذا ظهرت وتكلمت قيل: يا ليتها لم تظهر ولم تتكلم. فالمشكلة ليست فقط في المصداقية، بل في الوجود والعدم أولا. هيئة الإفتاء هذه يجب أن يكون لها برامج دائمة ومتنوعة للإفتاء، على القنوات والإذاعات العمومية والخاصة.

 – هل الفتوى في منأى عن التوظيف السياسي؟

التوظيف السياسي للفتوى ليس مشكلة جديدة أو طارئة. ولذلك يجب على عموم العلماء أن يتكلموا ويعبروا عن آرائهم ومواقفهم. وحينئذ إذا وقع أي توظيف أو تحيز سياسي، فسيجد من يرده ويبطل مفعوله.

 – لماذا يهاجم العلمانيون الفتوى؛ ولماذا يركزون وبشكل فج على بعض الآراء الشاذة والمعزولة من مثل فتاوى مرتبطة بالجنس؛ وأخرى ملفقة وغير صحيحة تماما؛ مثل فتاوى ميكي ماوس وجواز أكل لحم الجن وحرمة أكل الشباكية وغيرها؟

أولا، من جاء على أصله فلا سؤال عليه. فلا تنتظر ممن يكرهون الدين من أصله أن يرحبوا بالفتاوى الدينية ويحسنوا التعامل معها.

وهم حين لا يستطيعون وقف جريان الماء، يعمدون إلى تعكيره وتلويثه، هذه هي القضية باختصار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* الدكتور أحمد الريسوني: رئيس مركز المقاصد للدراسات والبحوث.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M