د. الريسوني يكتب: الفرائض لا تُلغى بالعرائض

24 مارس 2018 18:51
صحيفة "مكة" السعودية تضع د. الريسوني ضمن لائحة 40 إرهابيا.. وتقول بأنه "انتقد الحكومة المغربية ووصف الفرنسية بأنها لغة ميتة"!!!

هوية بريس – د. أحمد الريسوني

وصلتني عريضة لأجل التوقيع مع الموقعين عليها، تتضمن الدعوة إلى احترام أحكام الشرع وعدمِ المساس بها، وتحثُّ المسؤولين بالمغرب على عدم الاستجابة لعريضة أخرى يسعى أصحابها إلى إلغاء الإرث بالتعصيب…

ورغم أني متفق تماما مع مضمون العريضة التي وصلتني، ولا يسع أيَّ مسلم إلا أن يكون متفقا معها، فإني اخترت عدم التوقيع عليها، وذلك للأسباب التالية:

أولا: لأن العريضة الأخرى المطالبة بإلغاء الإرث بالتعصيب، إنما تطالب بإسقاط ما فرضه الله وأكده بأبلغ العبارات والتنبيهات؛ من ذلك أنه تعالى بعد ذكر أحكام الإرث قال: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:11]، تماما كما قال سبحانه عن الزكاة {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

وفي حديث الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألحِقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأَوْلى رجل ذكر).

ولذلك سُمي علم المواريث باسم “علم الفرائض”.

فهل الفرائض تُلغى أو تُغَير بالعرائض؟

ثانيا: لأن كل المسائل التي تحتاج عادة إلى العلم والعلماء، وتحتاج إلى المختصين والخبراء، وتحتاج إلى البحث العملي والاجتهاد الموضوعي، يكون من العبث والانحطاط والغوغائية إقحامها في منطق العرائض الشعبية والشعارات التحزُّبية والضغوط “النضالية”.

وثالثا، لأن وجود عريضة بتوقيع مائة شخص (100)، من أصل 35 مليون مغربي، هي عبارة عن لا شيء، ولك أن تقول: هي عبارة عن مائة لا شيء. وحتى لو قيل: إنهم مائة من “المثقفين”، فالمثقفون في المغرب يزيدون عن عشرة ملايين. وأنا أستطيع أن أجمع مئات التوقيعات في ساعة واحدة، ومن أشخاص مثقفين أكثرَ وزنا في المجتمع وأصدقَ تعبيرا عن إرادته.

ورابعا، لأن إعداد عريضة مضادة، حتى لو كان فيها مليون توقيع، قد يُؤوَّل على أن المليون موقِّع على العريضة هم فقط المتفقون معها والمطالبون بالتمسك بأحكام الشريعة، بينما الحقيقة التي يعرفها الجميع، بمن فيهم أصحاب العريضة المائوية، هي أن الشعب كله، سوى بعض الخوارج الجدد، يقف في صف الشريعة، ويؤمن بالقرآن والسنة وبكل ما فيهما.

وخامسا، يجب على العقلاء والراشدين، بدَلَ مسايرة الأساليب الغوغائية والردِّ عليها بمثلها، أن يَجُـرُّوا أصحابها إلى ميادين العلم والمعرفة والفكر والبحث والحجة والبرهان. فهذا الذي يفحمهم ويلجمهم. فقبل أسابيع كانوا قد أطلقوا حملة تحريفية تضليلية ضد قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]، فلما ووجهوا بالدلالات القاطعة، والردود الدامغة، انتقلوا إلى السنة النبوية وإلى التعصيب في الإرث.. ظنا منهم أن هذا الحائط أقصر ومسلكه أيسر.

وهذه الحملة الجديدة، تشكل فرصة أخرى، ثمينة ومساعدة على توعية الناس بأحكام دينهم وحكمة شريعتهم، وتعريفهم بالمحاربين والمحرفين وإبطال شبهاتهم، فيصبح الأمر كما قال تعالى: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11]. ورُبَّ ضارة نافعة.

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. جزاه الله خيرا
    لكن ابداء الموقف والرد يجب ان يكون ختى يسمع الصوت وتصل الرسالة هذه هي آليات إيصال الخطاب

  2. ليس غريبا أن يشارك الحداثيون في توقيع هذه عريضة إلغاء التعصيب، ولكن الغريب أن ينضم إلى هؤلاء من كانت بالأمس القريب قيادية بارزة في الحركة الإسلامية. فما كان لزوجها أن ينفرد بادعاء رتبة الاجتهاد حين دعا إلى المساوات في الإرث، بل لا بد أن تلحق به زوجته أيضا وتنضم إلى صفوف المجتهدين بتوقيعها هذه العريضة. إنها النتيجة المنطقية للمنهج التعليمي الذي تبنته الحركة الإسلامية في المغرب وتربى أبناؤها عليه. إنه منهج التعالي على فقه المذاهب الإسلامية. إنه منهج التزبب قبل التحصرم، ومنهج تعلم كبار العلم قبل صغاره. إنه منهج تعليم المبتدئين المقاصد وآليات الاجتهاد. كم وكم سخر أبناء الحركة الإسلامية من ابن عاشر ومنظومته! وكم سخروا من ركن المفتي ومن الفقهاء التقليديين! وكم سخروا من فقه الطهارة والدماء! فماذا كانت النتيجة؟ قيادات إسلامية تحارب دينها وتقف بجهلها إلى جانب من يريد إزالة الدين من حياة الناس.

    1. من فضلك لا تجعل من” الحبة قبة” امرأة واحدة ممن كانت سابقا تنتمي للتيار الاسلامي و انسحبت منذ مدة طويلة من جميع مؤسسات الحركة الاسلامية، فلا تأخذ تيارا عريضا بجريرة امرأة واحدة يجب مناقشتها و ردها إلى جادة الصواب من قبل علماء الأمة الأثبات.

  3. هناك حقول الغام تحيط بكل ما هو مقدس.
    هامش التفكير النقدي في مجتمعنا ضعيف جدا. لا مجال لحرية الفكر المخالف.
    الاجماع المقدس يمتد إلى لائحة كبيرة من الأشخاص و الوقائع و التصرفات البشرية و القوانين ….  
    هالة من الرهبة و التمجيد و القدسية  تحيط بعدة أحداث تاريخية و أشخاص و أفعال بشرية،
    في ظل هده الظروف لن يتمكن العقل من دراستها و تحليلها وفق المناهج الأكاديمية العلمية، لأنها محل إجماع مقدس.
    التعليم العقلاني هو المدخل لمشاركة المواطن في تقرير مصيره، و لترسيخ حقه في الاختيار و تثبيت حقه في التفكير النقدي.

    شروط التمكن من التفكير النقدي العلمي لم تجتمع بعد لمناقشة مقالات الارث او غيره من المواضيع المحرمة، لأن تعليمنا الماضوي مبني فقط على النقل و الاجترار و الشحن…..

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M