د. رشيد بنكيران: أخطاء تتعلق بمقصورة المسجد وجب التنبيه عليها

23 سبتمبر 2019 15:30
د. رشيد بنكيران: أخطاء تتعلق بمقصورة المسجد وجب التنبيه عليها

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

تعرف مقصورة المسجد في كتب الفقه بمبنى صغير محاط بجدر، يخصص في مكان معين من المسجد، الغرض منه أن يصلي فيه الحاكم الذي يخشى أن يتلقى طعنة غدر ممن وراءه من المصلين، ويروى أن أول من اتخذ المقصورة في المسجد معاوية -رضي الله عنه- بجامع دمشق. وسميت المقصورة مقصورة لأنها قصرت على الحاكم وحاشيته.
وقد اختلف العلماء في حكم اتخاذها وحكم الصلاة فيها بين مجوز لها وبين كاره، وهناك من العلماء من عدها كالأرض المغصوبة واعطاها حكمها.
لكن في عرف المغاربة اليوم تطلق مقصورة المسجد على غرفة تكون خارج المسجد ملاصقة لحائط المحراب، لها بابان؛ باب إلى المسجد، وآخر يفضي إلى الطريق الذي يمر منه عموم الناس.
وقد أنشئت هذه المقصورة لعدة أغراض منها؛
ـ أن يُرفع منها أذان الصلوات الخمس بواسطة مكبر الصوت؛
ـ أن توضع فيها الجنازة لأجل الصلاة عليها؛
ـ أن يستريح فيها الإمام الراتب والمؤذن والقيمون على المسجد؛
ـ أن يستقبل فيها بعض الضيوف أو الأشخاص الذين لهم ارتباط بالمسجد كخطيب الجمعة مثلا أو عموم الدعاة أو المرشدين؛
ـ كما يكون في بعضها مكان خاص للوضوء ومرحاض خاص.

ومن خلال تأمل الأغراض آنفة الذكر التي لأجلها شيدت هذه المقصورة يتضح أن من شيدها لا يعدها من المسجد؛ أي المكان المخصص للصلاة، وإن كانت من مرافقه كمراحيض المسجد وغيرها من المرافق التابعة للمسجد، ويكون تسميتها بمقصورة المسجد من باب أنها غرفة قصرت خدماتها على المصالح الخاصة بالمسجد.
* وإذا كانت مقصورة المسجد ـ بعرف المغاربة ـ ليست من المسجد، فإن هناك جملة من الأخطاء تقع لبعض من يلج إليها، ومن بين هذه الأخطاء:
لا يشرع لمن دخل إلى مقصورة المسجد أن يصلي ركعتين أو ما يعرف بتحية المسجد، فإنما يشرع للداخل أن يصلي ركعتين بتلك النية إذا دخل إلى المسجد، لما جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»، والمقصورة ليست من المسجد. ولهذا، فمن الخطأ ما نراه من بعض أئمة المساجد أو المؤذنين أو الدعاة أنهم يدخلون إلى المسجد فيجلسون ولا يصلون ركعتين، اكتفاء منهم بأنهم صلوها في المقصورة، فالصلاة في المقصورة لا تجزئهم عن تحية المسجد؛ لأنها فعلت في غير محلها. والإمام أو المؤذن هو مطالب كسائر الداخلين إلى المسجد بتحية المسجد، إلا إذا كانا يترددان على المسجد بشكل كثير حيث يشق عليهما أن يصليا ركعتين كلما دخلا إلى المسجد، وما نعرف من أحوالهما العادية أن هذه المشقة منتفية عنهما.
ما نراه من بعض الخطباء، أنهم عندما يدخلون إلى المقصورة أول ما يفعلونه هو أن يصلوا ركعتين، والمبادرة إلى الصلاة ركعتين مؤشر على أنهم يعتقدون أن المقصورة من المسجد، وأن ما قاموا به يتنزل منزلة تحية المسجد، وهذا خطأ كما سبق بيانه. ومن المحتمل أن يكون الخطيب لا يصلي تلك الركعتين بنية تحية المسجد، وإنما بينية التنفل المطلق، يسأل ربه سبحانه وتعالى المدد والعون والتوفيق والسداد في خطبته، وإن كانت هذه النية تبعده عن الوقوع في الخطأ آنف الذكر؛ لأن الأعمال بالنيات، إلا أنه خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكن يصلي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين في حجرته قبل دخوله إلى المسجد يوم الجمعة وصعوده إلى المنبر، فهديه -عليه الصلاة والسلام- أولى.

ومن أراد أن يسأل الله التوفيق والسداد في خطبته فليقتصر على الدعاء بآدابه المقررة، ومن صل ركعتين بنية النافلة المطلقة متقربا فيها إلى الله جل جلاله وسائلا منه التوفيق في الخطبة فله ذلك، إلا أنه خلاف الأولى. ولا ينبغي أن يجعل هاتين الركعتين راتبة، كلما أراد الخطبة صلى ركعتين في المقصورة ثم صعد إلى المنبر، فإن في هذه الحالة ستكون مخالفته لهدي النبي عليه الصلاة والسلام أوسع.
لا يصح الاعتكاف في تلك المقصورة لأنها ليست من المسجد، والاعتكاف لا يكون إلا في المساجد كما هو مجمع عليه عند العلماء في حق الرجال. وأما في حق المرأة، فوقع الخلاف في ذلك، ولكن جمهور العلماء على عدم جواز اعتكاف المرأة خارج المسجد، ولو في مسجد بيتها. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/452): “لا يصح اعتكاف المرأة إلا في المسجد. خلافاً لأبي حنيفة في إجازته أن تعتكف في مسجد بيتها؛ لأن كل من أراد الاعتكاف لم يجز له في غير المسجد، أصله الرجل، ولأن كل موضع لم يجز للرجل أن يعتكف فيه لم يجز للمرأة، كالحمام وسائر الطرقات، ولأن كل ما كان شرطا في الاعتكاف للرجل، كان شرطا في اعتكاف المرأة، أصله الصوم؛ ولأنه موضع يجوز لها اللبث فيه مع الجنابة والحيض كسائر المواضع”. اهـ، وقال النووي في المجموع شرح المهذب (6/480): “لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد، ولا يصح في مسجد بيت المرأة ولا مسجد بيت الرجل وهو المعتزل المهيأ للصلاة” اهـ.
قلت: ومقصورة المسجد أولى بعدم صحة الاعتكاف فيها، سواء للرجل أو المرأة؛ لأنها ليست معتزلا مهيأ للصلاة، بل لها وظائف مختلفة ومتنوعة كما سبق بيانها، والنية في تشييدها واضحة أنها ليست من المسجد. والله أعلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M