د. رشيد بنكيران يكتب: حكم الإعدام وقاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف..

07 ديسمبر 2021 10:21
وقفات مع طائفة القرآنيين أو أصحاب كفاية القرآن (ج1)

هوية بريس- رشيد بنكيران*

بثت القناة الأولى M1 يوم الأحد موضوعا يتناول حكم الإعدام للقاتل للمتعمد، ونقلت ٱراء المؤيدين للحكم وٱراء المعارضين له .
ومن خلال طريقة استجواب المشاركين والمدة الزمنية الممنوحة لكلا الفريقين يبدو واضحا أن القناة الإعلامية M1 ليست مجرد ناقل لما يجري في الساحة الفكرية ولا لسجالات المجتمع المدني، وإنما هي شريك في صناعة رأي معين ومؤيد لفريق المعارضة : لا للإعدام.

ذُكرت في الاستجوابات المنقولة مغالطاتً كثيرة تؤيد رفع حكم الإعدام، لكن سأقف عند واحدة منها؛ لأنها تحدثت بلسان الشرع، والحديث بلسان الشرع ليس كالحديث بلسان البشر، فالأول وحي معصوم ينسب إلى الشرع والثاني رأي مبتور ينسب إلى قائله، وكذلك لأن تلك المغالطة وقعت في الكذب على الدين، والكذب على الدين ليس كالكذب على الناس، فالأول تزوير للحقائق الشرعية، والثاني تزوير للمجريات الواقعية، وشتان بين الأمرين، ولهذا فرق النبي ﷺ بين الكذب على الناس والكذب عليه، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر: ” إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ “.

المغالطة التي أريد الوقوف عندها هي قولهم: “حكم الحاكم يرفع الخلاف”. وهذه قاعدة فقهية شرعية مقررة عند العلماء. انظر مثلا كتاب الفروق للقرافي.
والمقصود ب “الحاكم” هنا مؤسسات الدولة أو الملك أو الرئيس. والنزاع الذي سيُرفع هو الخلاف الحاصل بين المؤيدين لحكم الإعدام والمعارضين له، فإذا اختار الحاكم قولا منهما سيصبح ملزما شرعا وديانة وفق ما يقتضيه ظاهر القاعدة الفقهية.
لكن الاستدلال بتلك القاعدة الفقهية في هذا الموطن يعد تزويرا للحقائق الشرعية وتدليسا على الرأي العام، وذلك من وجهين:

الأول منهما : أن الخلاف الحاصل بين الفريقين (المؤيدين لحكم الإعدام والمعارضين له) لا قيمة له شرعا ؛ لأنه بين مرجعيتين مختلفتين؛ مرجعية دينية شرعية تستند إلى شرع الله، ومرجعية حقوقية تستند إلى شرع البشر المعبر عنها بمؤسسة حقوق الإنسان الوضعية، وبعبارة أخرى تقريبية: بين مرجعية إسلامية وبين مرجعية علمانية!!؟ بين قول الإمام مالك بن أنس وبين قول فيكتور ماري هوغو!!؟ ، فالخلاف الحاصل بين هذين المرجعيتين في ميزان الشرع في حكم العدم.
وعليه، فلا مناسبة تدعو للاستدلال بقاعدة شرعية تفصل في الخلاف في موطنٍ النزاع الحاصل فيه معدوم شرعا أو في حكم العدم.

والثاني: أن إعمال قاعدة “حكم الحاكم يرفع الخلاف” لا يكون في المسائل القطعية المجمع عليها، وهذا باتفاق جميع العلماء، فحكم القصاص (قتل القاتل عمدا) مقرر في القرٱن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومجمع عليه بين جميع مذاهب الأمة، فهو قطعي الثبوت والدلالة، ولا يحق لأي حاكم أيا كان أن يغير هذا الحكم ويستند في ذلك إلى القاعدة الشرعية “حكم الحاكم يرفع الخلاف”، فمجال تلك القاعدة في الخلاف المعتبر بين علماء الإسلام حيث الأدلة متكافئة وظنية والمصلحة الشرعية العامة تدعو إلى رفع النزاع، فيأتي الحاكم ( القاضي أو السلطان على قول) فيفصل في الأمر المتنازع فيه، وحكم القصاص مجمع عليه لا نزاع فيه ، مع أن تطبيقه يجلب مصلحة عامة ورحمة شاملة، والتحاكم إلى غيره تحاكم إلى الطاغوت كما هو منصوص عليه في القرٱن الكريم.
وإني لأدعو العلماء الكبار المرموقين والمشهورين في هذا البلد إلى قول الحق في مسألة القصاص ورفع الصوت عاليا وعدم السكوت، فإن السكوت عند الحاجة لا يجوز، بل يعد تأييدا لهذا المنكر العظيم.

وأخيرا، نحن المغاربة شعب مسلم ودستور دولته إسلامي، ويفترض في دولة إسلامية أن تُحكِّم قول الله فيها:
﴿وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٧٩]
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا﴾ [النساء ٦٥].
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلࣰا مُّبِینࣰا﴾ [الأحزاب ٣٦].
حكم القصاص شريعة رب العالمين وأرحم الراحمين.

*باحث في العلوم الشرعية والفقه المالكي

(المصدر: الحساب الخاص للدكتور رشيد بنكيران على “فيسبوك”)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M