د.رشيد بنكيران يكتب: كلمة حول الوصية الواجبة

17 يناير 2023 18:49

هوية بريس – د. رشيد بنكيران 

هذان الكتابان لعالمين من كبار علماء الأمة في العصر الحديث، أحدهما هو العلامة محمد أبو زهرة من مصر، والثاني هو العلامة محمد التاويل من المغرب، رحمة الله عليهما.
تناول العالمان مسألة فقهية في غاية الأهمية، التي تعرف في الفقه المعاصر والقانون الجاري بالوصية الواجبة.

✓ مفهوم الوصية الواجبة:
الوصية الواجبة هي: “الحصة الواجبة للأحفاد المحرومين من الإرث في تركة جدهم، أو جدتهم، في حالة وفاة أصلهم قبل أصله، أو معه حقيقة أو حكما.
فإذا مات الابن في حياة أبيه، أو أمه، أو معهما، وترك أبناء، فإن هؤلاء الأبناء يستحقون نصيبا مقدرا في تركة جدهم، أو جدتهم، باسم الوصية الواجبة، إذا كان معهم من يحجبهم عن الميراث(1).

قد تكون صورة ‏نصب تذكاري‏

قلت: من المهم جدا أن نشير إلى أن الوصية الواجبة بمفهومها السابق لم يأت ذكرها في مصادر التشريع الإسلامي، ولا عمل بها المسلمون منذ فجر الإسلام إلى غاية القرن 15 الهجري (2)، وكان بداية العمل بها إبان استقلال الدول العربية، وقد اختلف العلماء المعاصرون في مشروعيتها بين مجيز لها وبين مانع..

ويمثل أبو زهرة نموذجا لمن قال بمشروعيتها، فقد بسط القول فيها في كتابه الماتع: “#شرح_قانون_الوصية”، وذكر المستند الشرعي الذي بنيت عليه حسب رأي المجيزين، وإن كان رحمه الله قيدها الجواز بوجود أحفاد فقراء (3)، وهذا ما لا تنص عليه مادة قانون الوصية الواجبة في الدول التي تبنتها.

والعجيب الغريب؛ أن المصلحة التي علل بها من جوز الوصية الواجبة واستحسنها، هو الفقر أو الضياع الذي يصيب الاحفاد عند وفاة جدهم أو جدتهم، لكن لم يعد يلتفت إلى هذه المصلحة المدعاة، وأصبحت تلك الوصية عامة في الأحفاد؛ أغنيائهم وفقرائهم على حد سواء. بل أحيانا يكون الحفيد أحسن حالا حتى من الابن الصلب، والله المستعان.

في المقابل، يعد محمد التاويل نموذجا للعلماء الذين قالوا بعدم مشروعية الوصية الواجبة، وأن الاسس التي بنيت عليها غير صحيحة، وقد بسط القول فيها في كتابه النفيس: “الوصية الواجبة في الفقه الإسلامي”، أنصح المهتمين بقراءته، وقد خلص رحمه الله إلى أنها مهجنة وملفقة من أقوال علماء، أفضت إلى وجود صورة لا يمكن أن تنسب لأي أحد منهم- فضلا أن تنسب إلى الشريعة الإسلامية- وهذا ما ينكره علماء أصول الفقه(4).

ثم قرر قائلا رحمه الله:
“لقد داست الوصية الواجبة كرامة العقل، والعدل، والشرع، ولم تعترف إلا بالسلطة التي فرضتها على الناس، رغم أنوفهم ودينهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (5)” .
✓ والقول الصواب الذي يطمئن إليه القلب بعد تأمل مستند الفريقين ، أن الأدلة التي بني عليها القول بمشروعية الوصية الواجبة مستندها ضعيف، ومنهجها تلفيقي ركيك ، لا يصمد أمام الإرادات التي ذكرها المانعون، كما أنها ليست من جنس ما يقال فيه إن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
ويغلب الظن أنه فُرض أولا العمل بها وقرر إلزام الناس بها، ثم بُحث بعد ذلك عن أدلة أو بالأحرى شبه تصبغها بالطابع الشرعي.

هامش ………………….
(1) الوصية الواجبة في الفقه الإسلامي لمحمد التأويل ص 16. وفي مدونة الأسرة المغربية مادة 386:
“من توفي وله أولاد ابن أو أولاد بنت ومات الابن أو البنت قبله أو معه وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشروط الآتية”.
(2) يقول أبو زهرة: “هذا الحكم قد جاء به القانون، ولم يسبق بمثله، وقد وجدت الأحوال الداعية إليه”. من كتابه شرح قانون الوصية ص:190.
(3) والحق أننا إن أخذنا بالوجوب (أي وجوب الوصية) يجب أن نعتبر الاحتياج… والوصايا شرعت لأجل الصدقات… ولا يتم ذلك إلا اذا جعلنا الوصية الواجبة للأقارب في فقرائهم دون أغنيائهم.
(4) قال محمد التاويل: “أما الجمهور فلا يرون وجوب الوصية أصلا، ويكتفون بالوصية للواحد ولأكثر من الأقارب والأجانب، وبذلك يكون موقف القانون في هذه النقطة مخالفا لمذهب الجمهور، ولمذهب ابن حزم في آن واحد، ولكنه #موقف_مهجن، أخذ عن ابن حزم وجوب الوصية، وعن الجمهور الاكتفاء بالوصية لواحد وأكثر، وهذا ما ينكره الأصوليون؛ لأن مثل هذا الرأي المولد لا تصح نسبته لأحد من الفقهاء، ولا يقبل أن يتبناه أي مذهب، لمخالفته لأصوله ومبادئه”. من كتاب الوصية الواجبة في الفقه الإسلامي ص 176 – 177.
(5) الوصية الواجبة في الفقه الإسلامي ص 200.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. الشرع الاسلامي فتح باب الوصية من اجل تدارك مثل هذه الحالات التي يدعى فيها العوز والفقر، ولكنه اناط الوصية بارادة المالك الذي سيورث، ولم ينطها بارادة السلطة
    وعلى ذلك فإن الجد اذا لم يوص لاحفاده فهذا لانه يراهم مكتفين اغنياء ليس بهم حاجة ضرورية الى المال، واذا وجدت بهم حاجة ولم يوص فعدم وصيته تدل على خطأ الظن باحتياجهم.
    وهؤلاء الذين اتوا بقانون الوصية غاب عنهم أن هؤلاء الاحفاد حين مات ابوهم، لم يشاركهم اعمامهم في ميراثه، وقد يجوز انه غني صاحب مال وخير، فكيف يشاركهم الاحفاد في ميراث ابيهم ؟ هذا ظلم بين وشطط وتعسف
    فالقول بهذا القانون من ابطل الباطل، وفيه افتيات على الشرع

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M