د. صفية الودغيري تكتب: مغالبة الشدائد والمحن

26 سبتمبر 2019 21:31
د. صفية الودغيري تكتب: مغالبة الشدائد والمحن

هوية بريس – صفية الودغيري

أنت لا تحتاج إلى مَن يُقاسِمك معاناتك، أو مَن يحملها عن كاهلك؛ لأنك وحدَك مَن تشعر بأنينِ ألَمِك المزروع بصدرك، ومخاض أوجاعك حين تشتد ولا تهدأ، ولن تجد مصطلحاتٍ تحتوي معانيها العميقة كما تحتويها في رفوف ذاكرتك، ولن تجد لغةً تُفصِح عنها إلا لغة إحساسك الصادق، ولن تجد في استعمالات البشر حسابًا يقيسها بالعدد، أو ميزانًا يَزِنُ حجمها ويقدر مثقالَها الحقيقي، إنما هي جرعات مِن كأس الحياة تسقيك الحلو والمر.
وحين تصل إلى مرحلةٍ من الألم العميق والوجع الشديد، وتفقِدُ معها الرَّغبة في البكاء، وتَركَن إلى الصَّمت الطويل، فاعلَمْ أنَّ المحنَ قد حصدَتْك حصدًا بمِنْجَلها الحاد، واقتلعت بَراعِمك الصَّغيرة من المنبت والجذر، واجتثَّت سنابل زرعِك الفتيِّ وتركتك خاويًا على عروش أمجادك..
ثم طحنَتْك طحنًا مكرَّرًا، وغربَلَتْك في غربالها الدَّقيق، وعجنَتْك وعرَكَتْك بقوة وجهاد طويل، فأخرجت من فراغات مساحاتك الفسيحة إنسانا قويًّا صلبًا، شديد الشَّكيمة جَلَد المِراس، لا ينكسر أمام الأهوال والخطوب..
فإنَّ توالي الشَّدائد والمحن، وتتابع الانكسارات والهزائم، تنجب للحياة بطلاً مِغْوارًا، مجاهدا مناضلا لا يضعف ولا يخنع، فقد تعلَّم من تجاربه وخِبرات أيامه كيف يفكِّر ويدبِّر في إيجاد الحلول الممكنة لكلِّ المشكلات والمعضلات التي تواجهه، وكيف يتصدَّى للخيبات بنفس عاليةٍ شَمَّاء، وكيف يواجه الإخفاق والفشل بنفس راضية بأقدارها خيرها وشرِّها، وكيف يروِّض عقله وقلبه وسائر حواسّه على التحدِّي، والسُّقوط إلى القاع ثم الوقوف صامدًا في ساحات الخطوب والحروب.
فلتردِّد معي أيها الشَّاكي الباكي على رفاث اللآلام بضع كلماتٍ يجود بها رفيف الآمال المزهرات على سطورٍ تأبى أن تحيا في ذبولٍ وشحوب وانهزام، وتأبى أن تحيا الفصول الربيعية في فصلٍ واحد خريفيّ الإحساس، يكسر فيها عزيمة الصمود والنِّضال:

بينــي وبينــك..
ـــــــــــــــــــــــــ
بيني وبينك أيها الفرح المنسيُّ في ذاكرتي..
حضــورٌ وغِيــاب
ووطــنٌ ومنفــى
يعيــد إلى دفاتري
هــويَّةَ الماضـي السَّحيق
وعُبــورَ الحاضــر السَّعيد الأمجاد
..
وبينــي وبينـك أيتها البسمات المورقات..
حصونٌ وسدودٌ شامِخات
تعيـدُ لذاكرتــي ما كان لي هناك
وحنيني للتَّاريخ المَنْسِـيِّ
والأشواق المشرقات
..
وبينــي وبينـك أيتها الدمعات النَّازفات..
عيونٌ دافِقات
ودِفْءُ الصَّيف وفرحَةُ اللِّقاء
وضحِكاتٌ مُسْتَبْشِرات
تتحدَّاك في شموخٍ وإباء
وتَهْمِسُ للنَّدى والصَّباح
فيغرِّد الشَّادي وشادِنُ الأرواح
..
وبينــي وبينـك أيتها الأحلام المُزْهِرات
قصصُ، وذكرياتٌ ورسائل تشِم ثغر الرَّبيع
وعطورٌ تُبَلِّل الفصول والزَّهرات
وآمالٌ تحدِّثني بعَذْبِ اللِّقاء والمناجاة
ومناديل الأعيادِ المُطَرَّزات
بخيوطِ الشمس تنسُج الأحلام
على امتداد الشُّروق وفطام الغروب
وتروي حكاياتنا
وحكاياتِ الجدَّات
تحت الشموعِ الموقدات
والظِّلال المورقات

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M