د. عبد الرزاق مقري: السودان الجديد .. التطبيع بالابتزاز

25 أكتوبر 2020 17:15

هوية بريس – د. عبد الرزاق مقري

يسعى ترامب لإنقاذ حملته الانتخابية في أوساط الناخبين الإنجيليين بتعجيل التطبيع مع السودان بالابتزاز.

إما يطبع السودان مع ” إسرائيل” وإما يستمر حصاره. لا شك أن الذين انقلبوا على عمر البشير في الحكم باستغلال الحراك الشعبي متآمرون مسنودون من أمريكا والكيان الصهيوني، غير أن السودان كبلد ونخب وشعب ليس كحال الإمارات المسيطر عليها كلية من أسرة آل نهيان المتآمر قادتها أنفسهم على المسلمين وعلى فلسطين مثلهم مثل الصهاينة وربما أكثر.

حتى وإن أُنجِز التطبيع رسميا سيظل مرفوضا شعبيا ومن غالبية النخب، بل سيكون التطبيع معجِّلا لتغيير الموازين السياسية لصالح الأمة وفلسطين.

وما يتوقعه البعض في السودان وخارجها بأن الحكام الجدد سيطورون البلد لا يتصور حدوثه، ذلك أن الغرب والكيان الصهيوني لن يسمحوا للسودان أن ينمو ويتطور رغم امكانياته العظيمة، تماما كما حدث لمصر بعد التطبيع إذ كان ذلك من أعظم أسباب تدمير مصر وجعلها بلدا فقيرا متخلفا رغم عمقها الحضاري وإمكانياتها البشرية والمادية والجيوستراتيجية الجبارة.

إن مشكلة الغرب والكيان الإسرائيلي إنما هو مع الأمة ودينها وحضارتها وليس مع حكامها حين يرفضون الخنوع والخضوع كما كان حال النظام السابق قبل الحراك السوداني.

إنهم يدركون بأن تقدم البلدان الإسلامية وتحولها نحو التنمية والتطور والديمقراطية سيصنع لها دولا قوية غير متحكم فيها وأن الأنظمة العميلة عندئذ ستلفظها الشعوب التي تدرك التطور.

فالحكام العملاء يُستعملون لتدمير بلدانهم وليس لتطويرها.

وكل ما يتحقق من انفراج سياسي أو اقتصادي ظاهري إنما هو بالقدر الذي يعمق التبعية للمنظومة الغربية الاستعمارية الرأسمالية وليس للوصول لمستويات التطور الحقيقي، على النحو الذي وصلت إليه تركيا على سبيل المثال حين قرر شعبها التمسك بالديمقراطية الحقيقية ومغادرة زمن الانقلابات العسكرية وسيطرة النخب العلمانية التي ربطت هذا البلد العريق بالغرب والكيان الصهيوني منذ قرابة قرن من الزمن فأفلسته، والتوجه نحو العودة التدريجية بقدر الاستطاعة لحاضنة الأمة الإسلامية.

إن ما يحدث في السودان يجعلنا نوجه تحية تقدير وإجلال لعمر البشير و قادة الحركة الإسلامية، على ما كان بينهم من اختلافات سياسية، على ثباتهم مدة ثلاثين سنة في وجه الإغراءات والحصار المطبق، و أمام مخططات الإفقار الشامل وقطع الطريق على أي جهد تنموي ومنع أي تحويل مالي من وإلى السودان، واستحاله نقل المواد الأولية والبضائع التجارية وجعل أي تنقل للأشخاص إلى السودان شبهة يُلاحق أصحابها في المطارات الغربية، وتهديد أي مستثمر يتجه إلى هذا البلد رغم الفرص العظيمة المتاحة فيه.

وكل هذه الإجراءات القاسية الظالمة كان الهدف منها إما إخضاع النظام السابق ليلتحق بركب الاستسلام أو صناعة أوضاع اجتماعية سيئة تجعل الشعب يثور على حكامه. وهي نفس الخطة التي استعملت مع العراق، وتستعمل اليوم في غزة.

إنه مهما كانت الأخطاء السياسية لنظام عمر البشير فإنه لم يتهم يوما بالتزوير الانتخابي، ولا نرى اليوم محاكمات له في السودان عن حالات فساد معلومة أو كبيرة أو معممة على نحو ما رأيناه في الجزائر بالنسبة لمسؤولين كبار سابقين أو ما هو موجود ومعلوم في الدول الخاضعة للغرب والمطبعة مع الكيان الصهيوني وعلى رأسها مصر والإمارات، كما أن النظام السوداني السابق لم يتهم بقتل المخالفين السياسيين أو حالات سجن واعتقال معممة وممنهجة، وإنما ما يُتهم به من الغرب والمؤسسات الدولية التي يسيطر عليها يتعلق بمواجهات عسكرية لا ندري ما وقع فيها مع حركات انفصالية مشجّعة ومسلحة ومدربة من الغرب والكيان الصهيوني.

وما يُفقِد مصداقية هذه الاتهامات أن حكام السودان الحاليين المرحب بهم من ترامب والكيان الصهيوني عسكريون وكانوا في جبهات القتال في دارفور وفي مواجهة الانفصاليين الجنوبيين سابقا.

إن ما يعاب على عمر البشير، وهو أمر معيب ولا شك، هو طول بقائه في الحكم ومحاولته الحصول على عهدة أخرى قبل الحراك السوداني، وعدم القدرة على التجديد السياسي والتطوير الإداري وعدم الصرامة في محاربة حالات الفساد التي ظهرت في عدد من المسؤولين.

ولكن نقارن ما نعيبه على هذا النظام الصامد لعقود في وجه الحصار الغربي الصهيوني مع حالة الأنظمة الفاسدة العميلة وما يتجه إليه حكام السودان الحاليون لشعرنا بكثير من التعاطف مع البشير وهو في سجنه ومع الحاضنة الإسلامية الثابتة التي رغم التضييق والملاحقة لا تزال تتمتع بتأييد كبير من شرائح اجتماعية سودانية واسعة.

ولعل المحنة التي يتعرضون لها هم وبلدهم ستجعلهم يتجددون وينطلقون انطلاقة جديدة موفقة نافعة، لهم ولبلدهم ولأمتهم ولفلسطين، وعندئذ لا ينفع الابتزاز من أجل التطبيع بل يصبح السودان قوة تعتمد عليها فلسطين فعلا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M