د. قطب الريسوني: الدعاء عبادة وواجب من واجبات الوقت

14 أبريل 2020 13:15

هوية بريس – حاوره: نبيل غزال

مع نزول وباء كورونا وإثارت عبادة الدعاء وأهميته في رفع البلاء، استنكرت بعض التيارات هذا الموضوع واعتبرته دروشة، بل منهم من جازف وادعى أنه إحياء للخرافة، وتنويرا للرأي العام أجرت “هوية بريس” هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور قطب الريسوني، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة الشارقة، حتى نبين أهمية الدعاء ومكانته في الشريعة من جهة، ومن جهة أخرى هل فعلا تعارض هذه العبادة الأخذ بالأسباب المادية والبحث العلمي والمخبري.

1. ما رأيكم في الاستِنْقاصِ من شأنِ الدعاء في هذه الأيام العصيبةِ، وما أسباب ذلك؟

الاستنقاصُ من الدعاءِ استنقاصٌ من عبادةٍ شريفةٍ مارسها الأنبياء والأولياء والصالحون، واستنقاصٌ من شعائرَ ناطقةٍ بالتوسّلِ والتضرّعِ والإخْباتِ، كالصَّلاةِ والصيامِ والحجِّ، واستنقاصٌ من الأمرِ الإلهيِّ: (ادعوني أستَجِبْ لكم)[1]، واستنقاصٌ من البيانِ النبويِّ: (الدعاء هو العبادةُ)[2]. ومصيبةٌ واحدةٌ من هذه المصائبِ توبِقُ روحَ صاحبها، فما بالك باجتماعها!

أما أسبابُ هذا الاستنقاصِ فتدورُ -عندي- على أمرين: أولهما: الجهلُ بوظائفِ الدعاءِ ومقاصدهِ الإيمانيةِ والتربويةِ؛ إذ ما شُرع إلا لإظهارِ الافتقارِ وكسرِ الاستكبارِ، وجلبِ النِّعم ودفعِ النِّقم، وفيه من الترويض على الطاعات والخيرات ما يكلُّ اللسان عن استيعابه. والثاني: الظنُّ بأن الدُّعاءَ مُقعِدٌ عن العملِ والسَّعيِ، ومحبِّبٌ في الدعةِ والخمولِ، وهو ظنٌّ بيِّنُ العُوارِ؛ لأنَّ الرجلَ لا يدعو ربه إلا لمباركةِ عملٍ سابقٍ على دعائه، أو مقارنٍ له، أو لاحقٍ به، فيقوم الدعاءُ حافظاً من آفاتِ النِّهايات.

2 . هل ينافي الدعاءُ الأخذَ بالأسباب المادية؟

لا منافاةَ بين الدعاءِ والأخذِ بالأسبابِ؛ لأن الدعاءَ نفسه سببٌ معنويٌّ، يُبارك الأسبابَ الماديةَ، ويشدُّ من أزرها، كالفلاح يكدُّ في حقله باذراً وساقياً وحاصداً، ثم يدعو ربّه بالإزهار والإثمار، فما كان سعيُهُ إلا توكلاًّ على الله تعالى، وما كان دعاؤهُ إلا إحساناً للظنِّ به، وإذا اجتمع التوكلُ وحسنُ الظنِّ والرجاءِ، أثمر ذلك الإجابةَ وتمامَ المقصود.

ولا ينبغي للعبد أن يتضجَّر من الدعاء إذا استطال البلاء؛ فإنه ممتحَنٌ بذلك كما قال ابن الجوزيُّ: (فإياك إياك أن يستطيل زمانُ البلاء، وتضجرَ من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، متعبَّد بالصبر والدعاء)[3].

3. ما المتعيَّن على المسلم إذا نزل الوباء؟

المتعيَّن على المسلمِ إذا نزلَ الوباءُ أن يضطلعَ بواجباتِ الوقتِ الدينيةِ والدنيويةِ؛ إذ بها انتظامُ قوامِ المعاش، وحسنُ عاقبة المعاد. ومن الدينيِّ: الصبر والاحتساب والاستغفار والتوبة وردّ الحقوق إلى أهلها وبذل الصدقات، ومن الدنيويِّ: تمهيدُ الوسائل إلى علاج الوباء وقطعِ دابرهِ، فأهلُ الطب والبحث يستكدّون قرائحهم لصنع الدَّواءِ واللِّقاحِ، والمياسيرُ يبذلون أموالهم لدعمِ المراكز الطبيَّةِ والبحثيَّةِ، والإعلاميون يمدّون يداً في مضمار التَّبصرةِ..أما الاقتصار على الواجبِ الدينيِّ  عند حلول الوباء، فإخلالٌ بواجبِ الوقتِ، وإهدارٌ لمقاصدِ الاستخلاف، وتفريط في مصالح الأمة وهيبتها.

واللهَ نسأل أن يرزقَنا حلاوةَ الدعاء وثمرتَه، ويبصِّرنا بما فيه نَفاع الأمة وسيادتها، إنه وليُّ ذلك والمليء به.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أ. د . قطب الريسوني: أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة الشارقة.

[1] غافر: 60.

[2] أخرجه أبو داود برقم: 1479، والترمذي برقم: 2969، وابن ماجه برقم: 3828. وقال الألباني : (صحيح) (صحيح الترمذي: 3247).

[3] صيد الخاطر، ص 433.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M