رأي العلامة المغربي ابن المواز (ت1922م) في الخلافة العثمانية

17 يناير 2019 18:26
رأي العلامة المغربي ابن المواز (ت1922م) في الخلافة العثمانية

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

هو أبو العباس أحمد بن عبد الواحد الشهير بابن المواز، تقلد عدة مناصب في عهد الملوك الحسن الأول وعبد العزيز وعبد الحفيظ ويوسف، وتوفي عام 1341-1922 بالرباط، وقد ترك عدة تآليف من أشهرها “حجة المنذرين على تنطع المنكرين”، حلاه بعضهم بشاعر المغرب وكاتبه الوحيد.

وهذا الجواب جاء ردا على طلب من الحماية الفرنسية حول عدم شرعية الخلافة العثمانية.

وقد تم تعريف ابن المواز من قبل مجلة العالم الإسلامي التي نشرت الرأي، بأنه من عائلة مهمة، ومثقف البرجوازية الفاسية، أبوه من حاشية السلطان، كان قاضي المحلة ومقدمها، وكاتبا أول ببنيقة سي فضول بن غبريط (الذي كان الناطق الرسمي باسم الحماية في القصر السلطاني بفاس، وهو من فاوض المولى عبد الحفيظ على توقيع عقد الحماية سنة 1912م) أيام عبد العزيز، وكان سفيرا بمدريد.

ولم تشر المجلة بأنه كان من علماء فاس المرموقين الذين أفتوا بخلع السلطان عبد العزيز، ومبايعة أخيه مولاي عبد الحفيظ، بل هو كاتب تلك البيعة الفاسية المشروطة بطرد الفرنسيين من المناطق المحتلة بالمغرب، وتحميله ديون السلطان السابق وغيرها، ووصفه بسلطان الجهاد.

نص المذكرة

“الحمد لله وحده

برنامج فصول هذه المقالة المشتملة على ستة فصول وتذييل

الفصل الأول في تاريخ استيلاء تركيا على الخلافة

الفصل الثاني في كون خلافتهم غير جارية على الوجه الشرعي من وجهين

الفصل الثالث في الأدلة هلى خيانتهم للأمة

الفصل الرابع في كون قصدهم بالملك هو الإستبداد وغير اهتمام بالدين ولا بالأمة

الفصل الخامس في تركيب هيأة دولتهم من أخلاط

الفصل السادس في دخول تركيا الحرب الحالية

تذييل في مدرج السياسة الجمهورية والثناء على بعض علمائها

الفصل الأول في تاريخ استسلاء تركيا على كرسي الخلافة الإسلامية، فنقول:

إن عثمان بن أرطغل التركي جد الأتراك كان والي الأمير علاء الدين السلجوقي على رئاسة الجيوش في بلاد أنقورية في أرض الروم عام 668 عربية، وذلك الوقت يوافق زمان يعقوب بن عبد الحق المريني بالمغرب، ثم لما مات علاء الدين السلجوقي فجدد الإقرار لعثمان التركي على ولايته، ثم لما انهزم أرسلان في حربه مع التتار وقتل نفسه، ووقع الفشل في دولته آل سلجوق الذين كانوا أنصارا للعباسيين فعند ذلك اغتنم الفرصة عثمان التركي ودعا لنفسه بالسلطنة الكبرى، فصار يمهد الجهات بالحروب وفتح قونية عام 699 وجعلها دار ملكه، ثم لما فتح برصة انتقل إليها وبقي بها إلى أن مات عام 726، وترك السلطنة في أولاده وعائلته، وكان تاريخ موته موافقا لأيام أبي سعيد المريني بالمغرب؛ هذا هو سبب استيلاء الترك أولا.

الفصل الثاني في كون خلافتهم غير جارية على الوجه الشرعي، فنقول:

إنها غير موافقة للشرع من وجهتين:

أحدهما أن ابتداء استخدامهم كان في زمان العباسيين الذين جلبوهم من التركمان وطال العهد بخدمتهم حتى تداخلوا مع أبناء العباسيين وصاروا يتوظفون في المناصب، والسبب في جلبهم هو أن العباسيين الأولين كانوا يتمشون على المنهاج القديم، واتباع الشرع الكريم في العدل والإصلاح والمشاورة مع أعيان الأمة من بني هاشم، وإسناد الأعمال لأهل الثقة والدين، والشفقة على الناس وبسط الكرم على أهل العلم والأشراف، وإغناء الشعراء، والتفضل على الفقراء، وصيانة الدين والبلاد والعباد، كما لا يزال المثل يضرب بأيامهم.

ولكن بعد ذلك جاء المتأخرون من العباسيين غير متمسكين بالأوصاف التي كانت في آبائهم فصاروا يميلون إلى الإستبداد والإستئثار بمنافع الأمة، والركون إلى الشهوات والأغراض الشخصية، وتركوا العمل بالمشورة المطلوبة شرعا، وانفردوا بأفكارهم، وبسبب ذلك تجرأت عليهم قلوب الأعيان من بني هاشم، ووقع التباعد بينهم وبين العرب أبناء عمهم، فلما شعروا باتساع الخرق صاروا يجلبون الأتراك وأصنافا من العجم، ونظموهم في المناصب والأعمال، ليأمنوا بذلك من ثورة العرب، وما زال الأتراك يتقوون ويتغلغلون في ساداتهم بني العباس حتى انقرض أمراء بني سلجوق، فعند ذلك انتهز الفرصة عثمان التركي واستبد بالكرسي الأعظم كما ذكرنا.

والوجه الثاني أن الشرط الشرعي في الخليفة الأعظم أن يكون من قريش وأن يكون موصوفا بالأوصاف الكاملة حافظا لأمانة التكليف الشرعي حتى لا ينحرفوا عن أحكامه، وساعيا للأمة في جلب المنافع ودفع المضار، واحترام شعائر الديانة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعاملة بالرحمة والمحبة، واحترام العلماء ومشورتهم، وامتياز الشرفاء وقبول شفاعتهم، فيما ليس فيه حد شرعي.

الفصل الثالث في أمور صدرت من الأتراك تدل على خيانتهم، فنقول منها:

أن السلطان محمد الفاتح هو الذي توافق سرا مع سلطان راغون، وشغل الأسطول الذي كان بشرق إفريقيا حتى أن أهل إفريقيا لم يجدوا قوارب لنجدة إخوانهم المسلمين بالأندلس وبنو الأحمر من غرناطة وضاعت بسبب ذلك ما بقي من المسلمين في الأندلس، وهم حوالي خمسة ملايين، وأفرغت غرناطة.

ومنها أن السلطان سليم التركي هو الذي غدر ببقية العباسيين وقبض على أميرهم محمد بن يعقوب ووجهه لسجن اسطنبول، ثم بعد مدة سرحه ورده إلى مصر ونفذ له خراجا لمونته ومونة أولاده وذلك عام 926.

ومنها أن السلطان سليمان التركي هو الذي ضيق مملكة أمير الأفغان حيث كانوا تابعين للشرع وطريقه القويم، وسعى في إبدالهم بالأمراء الذين على مذهب الروافض.

ومنها أن السلطان سليمان أيضا هو الذي وجه بعض الأتراك السواحيل إلى سلطان المغرب محمد الشيخ السعدي فاتصلوا بخدمته، وصاروا يلازمونه حتى وجدوا الفرصة وقتلوه، وهربوا برأسه إلى إسطنبول على طريق الجزائر، وحصلت في المغرب بسبب ذلك فتنة عظيمة سفكت فيها دماء لا تحصى وكان ذلك عام 964.

ومنها أن الأتراك هم الذين حركوا الفتن الطويلة بين قبائل العرب في اليمن حتى هلكت منهم ملايين.

الفصل الرابع في كون قصد الأتراك هو الإستبداد بالملك لأغراض دون محافظة على الدين ولا على أمة الإسلام، فنقول:

ما زالت الأخبار قديما وحديثا متواترة عنهم بهذه النوايا، ويدل على ذلك أمور منها:

أنهم سعوا في انقراض خمسة عشر حكومة إسلامية وتركوا الأمة بدون خليفة شرعي أربعة قرون.

ومنها أنهم كانوا خدعوا المسلمين أهل جاوى حتى استولت عليهم هولاندا.

ومنها أنهم خدعوا الفرق التي أسلمت من التتار حتى تمكنت منهم الروسيا.

ومنها أن السلطان عبد الحميد التركي هذا الذي أعلن بإباحة الخمور ومعاملة الربا وإبطال الحدود الشرعية، وأهمل نفوذ النقباء، وأهان أشراف العرب، قال في مجموعة مكة: أن الأتراك لا يحترمون فيما بينهم دينا ولا أخوة ولا مروءة ولا إنسانية، حتى أن العسكر العثماني كان هجم بالحراب على جم غفير من المسلمين حالة كونهم يصلون صلاة العيد واقفين بين يدي الله سبحانه، وذلك في بلاد صنعاء وزبير من اليمن، ويكفي في حالة الأتراك أنهم لا زالوا إلى الآن لم يقدروا على ترجمة القرأن بلغتهم التركية.

ومعلوم أن من لم يعرفوا القرآن وأحكامه، كيف يتصور فيهم أن يحترموا الدين أو يتبعوه على حقيقته، بخلاف العرب فإنهم معروفون بالوفاء وصدق النيات والمجاملة والألفة مع جميع الأمم، كما هو مقتضى الأخلاق الشرعية والأصول الإسلامية.

ولأجل هذا يتنصلون من مساعدة الأتراك ولم يشتركوا معهم في المذابح الإرمينية الأخيرة، وأمثالها من الأفعال العدائية.

الفصل الخامس في تركيب دولة الأتراك من الأخلاط، فنقول:

قد ذكر العلماء في مجموعة مكة أن الأتراك ليس من شأنهم تقديم الإهتمام بالدين والأمة، وإنما همتهم في الإستبداد بالملك، والظروف الحالية لا تساعدهم على الإهتمام المذكور، حيث أن دولتهم مؤلفة من لفيف أهل أديان مختلفة، كما أن هيأة وزرائهم ورؤسائهم مركبة من أشكال مختلفة الجنسيات، ومعلوم أن الدولة إذا كانت متشكلة من الأخلاط لا تقوم لمصلحة الأمة ولا بمتابعة الدين ومن هذا يعرف كل عاقل أن سياستهم لا تجري على منهاج مستقيم.

وأما بغضهم للعرب فأمر مشهور، حتى أنهم حرموهم من الوظائف والمناصب، فهذا دليل على بغضهم للإسلام، حيث أبغضوا أهله الأصليين الذين هم العرب.

قال في كتاب الروضة للزياني “قد كان علماء العرب كتبوا شكايتهم في اسطنبول ووجهوها لشيخ الإسلام علي أفندي عام 1151 لما حصل لهم من القهر والإهمال المخالف للشريعة، فأجابهم شيخ الإسلام بجواب يوافق غرض الأتراك ولم تحصل به نتيجة”.

الفصل السادس في دخول تركيا في الحرب الحالية، فنقول:

الأولى منها تحرير المسلمين ورجوع لطبيعة التركمان الأصلية في وقف رعاية البرابرة أهل الشمال على أوربا، وأما شريعة الإسلام فلا توافق على سفك دماء المسلمين في أغراض الغير عبثا وبلا طائل، وميز في الدين الإسلامي، ما يتيح ذلك أصلا، وإنما مصوغ القتال في الشرع الإسلامي إذا كان مدافعة عن البلاد أو عن النفوس والأموال أو هو مدفعة المحركين للفتنة بعد خمودها وما سوى هذا كله ممنوع في الشريعة.

وكذلك من جهة العقل فإنه لا يعقل أن يسعى أحد في سفك الدماء وإهلاك الناس على غرض ضميرهم والحالة أنهم لم يظلمهم أحد ولم تلجأهم ضرورة، وإذا قال قائل إن الروسيا كانت وما زالت تطمع في الإستيلاء على تركيا لأجل ذلك بادرت تركيا لحربها في الحالة الحاضرة، فالجواب أن هذا أمر موهوم فقط ولم يظهر منه عمل في الخارج لأنه مقيد بالمعاهدات وشروط السلم المبرمة ومجرد الأوهام لا يسوغ جواز الدخول في الحرب على وجه الخوف والفضول لاسيما وإن المقرر أن دولة فرنسا طالما نفعت تركيا وأعانتها بمد المساعدة فرارا وليس ببعيد ما أقرضته لها من السلف.

فالواجب على تركيا أن تعترف بشكرها ومجازاتها لا أن تقابلها بالغدر الذي لا يجوز شرعا ولا طبعا، وإذا قال قائل أيضا أن تركيا بعدما كانت إلى فرنسا وأنكلترا لكن حصل لها الخوف من جهتها فأما إنكلترا فقد كثرت التي تقضي على تركيا فلذلك تنصلت منها، وأما فرنسا فإنها اتحدت مع الروسيا المعادية لتركيا وكان ذلك سببا بنفرة تركيا.

إن هذه الأوهام كلها تضم بها حجةً لتركيا.. وأما مجرد الشك فليس فيه صحيح لاسيما مع التقيد بالشروط السلمية.

ومعلومً إن الدولة الفرنسوية هي أحرص على الوفاء بالعهد وحفظ الأوفاق ومراعاة الحقوق الإنسانية ومحبة السياسة السلمية على حسب ما تقتضيه، المشهورة في العالم بكمال التمدن، ونشر المعارف وتقرير الراحة والحرية قولا وفعلا، وعدم إهمال حقوق الإنسانية، مع رفقها بالرعايا والمحميين وبناء قوانين الإستعمار على حفظ قواعد الأهالي وعوائدهم وديانتهم على حسب أقدارهم ومراتبهم ومزاياهم، ومتى وقعت من الأهالي شكايات بضرر تسمع شكواهم وتسعى في رفع ضررهم وتوسيع ضيقهم وتخفيف الشغل عنهم.

فالأمة التي تكون موصوفة بهذه الأوصاف كيف يسوغ لغيرها أن يظن بها تقصير أو جحود للحقوق في معاهداتنا؟

وبناء على هذا فاستعجال الأتراك للدخول في الحرب إنما هو غدر يعود عليهم بالضرر ولا يسوغه عقل ولا شرع بوجه من الوجوه.

تذييل:

في جريان السياسة الفرنسوية على العدل الذي لا يمس الحرمة الإسلامية، فنقول:

لا شك أن أفكار علماء فرانسا قد اطلعت على أخلاق المسلمين وطبيعة الدين الإسلامي، وعرفت تطهيره من التعصبات التي كان الأوائل يظنونها بالتوهم، مثل الفاتكان وأحزاب الجزويت، وتبين لهم أنه بريئ من ذلك وأنه -أي الإسلام- جاء بالجمع بين سعادة الدنيا والنجاة في الآخرة، وجاء بمحبة السلم والعرفان بالعهود وتهذيب الأخلاق والحظ على الألفة وعلى تعلم العلوم وصفاء النيات، وإقامة العدل وتأسيس الخلافة على المشورة من الأمة، وتحريم الأفعال الرذيلة والخيانة والنميمة والغدر.

وجاء بحب النصيحة والمعاونة على الخير، والتحفظ على الطاعة والتنزه عن النميمة، والتمسك بالصبر والصدق والرفق وعدم النفاق، وسائر الأوصاف الكاملة.

كما أن الإسلام يحض على حسن الألفة والمعاشرة مع كل أمة، والمجاملة مع كل جنس، قال تعالى في القرآن العظيم “لا يحب الله الجهر بالسوء”، وقال تعالى “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”، وقال تعالى “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”، وقال تعالى “ولتجدن أقربهم مودةً من الذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى”.

ومن تحضيض الإسلام على المودة مع النصارى الكتابيين أنه أباح للمسلمين أن يتزوجوا منهم ولا يخفى أن التزوج من القوم يستلزم الألفة والمحبة معهم، ولأجل هذا لم تكن في العرب نفرة في سائر المستعمرات لأن الألفة من طبيعة الدين وبسببها يبقون في أوطانهم عند تأمينهم واحترام شؤونهم بخلاف الأتراك فإن طبيعتهم النفرة والمجافاة، وكذلك طبيعة الإسلام أن كل قوم ينضافون لأهله من أي دين كانوا.

يجب على المسلمين المحافظة وإبقاء عوائدهم وإقرارهم على دينهم، قال تعالى “لا إكراه في الدين”، وقال النبي عليه الصلاة والسلام في شأن أهل الذمة “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”، وقال أيضا “من آذى ذميا فليس منا”، وقال أيضا “من ظلم معاهدا فأنا حجيجه يوم القيامة”، إلى غير هذا من واجبات الإسلام التي لا يخفى عن علماء افرانسا اطلاعهم عليها، ويدل هذا أن المسيو هانوتو العالم الفرنسي بعدما كان في الأول ينشر أفكاره بالتحذير من تعصب المسلمين، قد رجع عن فكره في الأخير حيث اضطلع على الحق، وتبين له الخطأ في الأول كما هو شأن العالم المنصف، ولأجل ذلك صرح في الأخير بأن الواجب الذي يلزم سلوكه مع أهل إفريقيا هو الأمن والسلم.

ثم قال إننا ملزمون للمسلمين بالعدل والسلم، كما أننا ملزمون لهم بالتساهل الديني وليس التساهل بكاف وحده بل الواجب علينا أن نطلع على دين الإسلام، ونعمل جهدنا في فهمه، كما يجب علينا أن نحترمه ونحميه من كل سوء، فلأجل هذا صرح العلماء في المجموعة المكية، بالتشكر والثناء على المسيو هانوتو الذي عرف الحق ورجع إليه، وأرشد أمته للسياسة في الإستعمار التي هي الأمن والسلم واحترام الدين وأهله، وحفظ حقوقهم، جزاه الله خيرا، وأبقى الجمهورية الفرنصوية ناصرة للحق والعدل تدفع عن الإنسانية كل ضرر، وتمنع عباد الله من كل خطر، ولا شك يكون النصر حليفها لقول الله تعالى “إن تنصروا الله ينصركم”، وفي هذا كفاية وإقناع.

احمد بن المواز

مجلة العالم الإسلامي.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M