رسائل إلى من يهمهم أمر الأمن الروحي بالمغرب

03 يونيو 2020 17:40
مجلس النواب يصادق على مشروعي قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

يتعرض هذا المقال إلى أحداث بدأت تتكرر بين فينة وأخرى، وتفرض نفسها بإلحاح نظرا لموضوعها؛ فهي ترتبط بأمر مقدس لدى عموم المغاربة، وتفرض نفسها كذلك نظرا لتداعياتها؛ فهي من شأنها أن تربك استقرار المجتمع وأمنه، ذلك:

أنه توالت أحداث تمس بمقام النبي عليه الصلاة والسلام والدين عموما؛ إذ تعرض مقامه للإساءة والقدح والاستهزاء وتم وصفه بما هو منه براء؛ وليس غرضي أن أرد عمّا جاء في تدوينة امرأة يقال إنها أستاذة لمادة الفلسفة، أو امرأة أخرى كذلك يتابعها على صفحتها أكثر من ربع مليون شخص مغربي، أو شاب آخر يستهزئ بالدين، وغير هؤلاء كثر؛ لأن ما صدر من هؤلاء هو سب وشتم، والسب والشتم لا يقابل برد علمي، لأن ليس لهما مورد واحد أو موضوع واحد، فالعِلم شيء والسبّ شيء آخر لا يُرفع بالمناظرة  ولا علاقة له بالعلم، فلم يذكر هؤلاء المسيئون شبها حتى نطالب أهل العلم بمناقشتها والرد عليها، فما تلفظوا به هو سباب وشتم، والسباب والشتم لمقام النبي عليه الصلاة والسلام إنما يقابل بعقوبة رادعة وقوية.

ولهذا، فكلمتي أو مقالتي هي موجهة إلى الجهات المسؤولة وإلى المؤسسات الرسمية التي تمتلك هذه السلطة الرادعة امتلاكا قانونيا مباشرا أو غير مباشر، والتي يفترض فيها أنها قد أنيط بها حماية ثوابت هذا البلد وأركانه التي يقوم عليها، ومن بينها مقدساته الدينية وأمنه الروحي.

تتضمن كلمتي أربع رسائل:

الرسالة الأولى:

موجهة إلى المؤسسة القضائية؛ هذا القضاء الذي أساسه العدل ورفع الظلم وإحقاق الحق، فلا قيمة لقضاء لا يرفع الظلم عن المظلومين، ولا ظلم أشد وقعا على النفس من أن تهان كرامتها ويستهزأ بمقدساتها؛ فالجرم سافر والظلم شديد ممن يَستهزئون بمقام النبي عليه الصلاة والسلام ويسيئون إليه، وما صدر من هؤلاء من كلام في غاية السوء هو مخالف للدستور المغربي ويعاقب عليه القانون باعتبار أنه حق عام.

وعليه، فيفترض في أسرة القضاء وخصوصا النيابة العامة أن تدافع عن الحق العام عند وجود من ينتهكه، وكل تأخير في تطبيق القانون للدفاع عن الحق العام هو دعوة لمزيد من الإساءة لمقام النبي عليه الصلاة والسلام، لأن جناية المسيئين على هذا المقام لا يمكن معالجتها إلا بعقوبة رادعة تناسب حجم الجرم الذي ارتكبوه.  

ولا أظن أن النيابة العامة كانت ستتأخر إذا بلغ إلى سمعها أن مواطنا مغربيا صرح بأن الصحراء الغربية ليست مغربية، وبدأ ينشر أكاذيبه وأراجيفه وسط المغاربة، ولا أراها إلا مسرعة في مساءلته وعقوبته إذا ثبتت إدانته؛ وهذا شيء محمود منها ونشجعها عليه، وإذا كان ذلك كذلك فليس قضية المساس بمقام النبي بأقل من قضية مغربية الصحراء لدى المغاربة مثلا، بل لا مجال للمقارنة بينهما، فقضية مقام النبي وما يترتب على المساس بمقامه أعلى حرمة من كل شيء، فتبذل دونه النفوس والأموال والأوطان.    

أما رسالتي الثانية:

فموجهة إلى المؤسسة الدينية بشقيها العلمي والتنفيذي؛ العلمي والمتمثل في المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء، والشق التنفيذي؛ والمتمثل في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فقد وقع مساس بالأمن الروحي للمغاربة ومعتقداتهم، يسب نبيهم في وطنهم ويوصف بأقبح الأوصاف وينشر ذلك في شبكة التواصل الاجتماعي، فمن الواجب على تلك المؤسسات الدينية حماية الأمن الروحي للمغاربة ودينهم، فهذا مساس بأعظم الحرمات الدينية والمقومات الروحية والمتمثل في مقام النبي عليه الصلاة والسلام، الذي يعدّ المساس به مساسا بالذات الإلهية، فلولا الرسول عليه الصلاة والسلام ما عرفنا الله ورسالته، والطعن في الرسول هو طعن في الذي أرسله، تعالى عمَّا يقول الظالمون علوا كبيرا.

وعليه، فالمؤسسات الدينية مطالبة اليوم بأن تقوم بواجبها في حماية الأمن الروحي لدى المغاربة، ودفع ما يمكن أن يسبب تدنيسا لمقدساتهم واحتقارا يعظمونه.

هذا، وحمايةُ الأمن الروحي لا تكون فقط بنشر العلم الشرعي وتزكية النفوس وإلقاء المواعظ في المساجد وخارجها، بل تكون كذلك بمدافعة المسيئين للمقدسات الدينية؛ {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}، فالمسيئون لمقام النبي وللمقدسات الدينية عموما يهدفون إلى أمرين اثنين:

الأول منهما: إضعاف تعظيم المقدسات في نفوس المؤمنين بها وإعدام الشعور بالعزة  نحوها، من أجل صرف الناس عن امتثال أحكام الدين، واتباع الرسول الأمين.

والثاني: السعي إلى كسر الحاجز النفسي للشباب والنشء للوقوع في شراك احتقار المقدسات الدينية والمروق من الدين، ومن ثم الخروج عن سلطان الدين وامتثال ما يروجه اللادينيون.      

ومن صور الحماية المطلوبة من المؤسسة الدينية لمقام النبي عليه الصلاة والسلام والدين عموما، أن تهتم  بقضايا الإساءة بإدانتها واستنكراها، وكذلك بالمرافعة ضدها؛ لأن المؤسسة الدينة هي لسان الشرع وضمير الأمة، فتراسل مؤسسة القضاء، رسالة علنية تطالب فيها بتفعيل القانون في حق المعتدي، وتتابع تلك القضايا عن كثب؛ ولها في علماء الأمة قدوة وخصوصا علماء المالكية الكبار، فقد كانوا رحمهم الله سدا منيعا أمام المستهزئين بالدين وبمقام النبي عليه الصلاة والسلام على وجه الخصوص، ومن الكتب الخالدة على مر العصور كتاب القاضي عياض “الشفا بتعريف حقوق المصطفى”، فقد نقل حكم الإمام مالك فيمن سب او استهزئ بمقام النبي عليه الصلاة والسلام وهو عقوبة القتل، وهذا الحكم مُجمع عليه، وما لا يدرك جله لا يترك بعضه، وهو المطالبة بأقصى العقوبة الممكنة حاليا وغني عن البيان أن ننبه إلى أن الحدود والعقوبات التعزيرية هي من اختصاص الإمام ومن ينوب عنه.    

أما رسالتي الثالثة:

فهي موجهة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، هذه المؤسسة التي يفترض أنها تدافع على الإنسان عموما من حيث هو إنسان (حقوق الإنسان!!)، وتدافع عن الإنسان المغربي باعتبار أن وجودها كمؤسسة لها مصداقية مرتبطة بمدى دفاعها عن حقوق المواطنين المغاربة بالدرجة الأولى، وكثيرا ما نسمع المهتمين بالحقوق يقولون: إن حرية الإنسان تنتهي عند بداية حقوق الآخرين، فما هو حق لغيرك لا يحق لك أن تنتهكه بدعوى أنك حر، ولولا هذه الضوابط لعاش الإنسان في قانون الغاب، ولا يمكن بحال القول إن هذا يدخل في حرية التعبير، إذ لا يقبل السب والشتم في شرع أو عرف أو قانون في العالم بأسره.

غير أن الملاحظ على هذه المؤسسة هو غيابها التام عند انتهاك حقوق الإنسان المغربي  المرتبطة بدينه، والمتجسدة في هذا المقال في الإساءة بالسب والشتم والازدراء بمقام النبوة ، فلا تكاد تجد للمؤسسة رسما ولا تسمع لها همسا في الدفاع عن هذه الحقوق.

وقد تكرر من مؤسسة حقوق الإنسان هذا السلوك، مما يجعل كل منصف متجرد أن يضع علامة استفهام كبيرة على حقيقة مشاريعها ومشروعيتها:

فهل المساس بدين المواطن المغربي ليس حقا يجب الدفاع عنه؟    

وهل المسلم المغربي ليس مواطنا يتمتع بما يسمى حقوق الإنسان؟

وهل مؤسسة حقوق الإنسان تشتغل وفق أجندة مناهضة للدين الرسمي المقرر في الدستور المغربي؟ فإن كان لا فلماذا لا تدافع عن حق مكفول بالدستور والقانون؟

أم أن مؤسسة “حقوق الإنسان” في المغرب مؤطرةبإيديولوجية تسمح بازدراء مقدسات المسلمين؟ فإن كان هذا صحيحا فيجب على العلماء والأحزاب والنخبة التي تعتز بدينها أن تفتح نقاشا حقيقيا لتجلية الأمر والوصول إلى فرض تصور ينتصر لأحج أحم مقومات الهوية المغربية.

هذه أسئلة منطقية وغيرها كثير، تفرض نفسها وتنتظر أجوبة تتسم بالإنصاف والعدل من مؤسسة تزعم أنها مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان من حيث هو إنسان.

وآخيرا، تتوجه رسالتي الرابعة:

إلى البرلمانيين المغاربة: فأظن أن الذي انتخبكم وأعطاكم صوته هم مغاربة ومسلمون: وكما المغاربة يطالبونكم بالدفاع عن حقوقهم المادية، فهم يطالبونكم كذلك بالدفاع عن حقوقهم الروحية، وأعظم هذه الحقوق هو دينهم، الذي هم به يؤمنون، وإنني على يقين لو خُيِّر المغربي بين توفير بعض الحاجيات ولا أقول الكماليات في مقابل أن يهان نبيه صلى الله عليه وسلم، فالله لن ينقبل بهذا أبدا ولو أعطيته ملعقة من ذهب.

وقد يقول قائل ـ كما سمعنا من أحدهم ـ إن القضايا الدينية لها مؤسساتها التي تدافع عنها، وهذا حق أريد به باطل، والباطل الذي يراد هو التملص من الواجبات التي هي على عاتق البرلمانين والمتعلقة بحماية دين المغاربة، فمؤسسة البرلمان من وظائفها حسب الدستور المغربي سن قوانين لأجل حماية حق المواطن المغربي أفرادا وجماعات سواء تعلق حقه بالجانب المادي أو الروحي، وكذلك متابعة المؤسسات الوزارية في تطبيقها للقانون، وإذا كانت هناك أحداث مسيئة لمقام النبوة بدأت تتكرر وتزداد كما هو واقع الآن، فإن الواجب الشرعي والمسؤولية التي على عاتق البرلمانيين  يحتمان على الشرفاء منهم والصادقين أن يعالجوا هذه الأحداث قبل استفحالها وشيوعها، وإن تعجب فعجب لجَلَد بعض البرلمانيين -وهم قلة- يطالبون باحترام ما يعتقدونه هم حقوق إنسان؛ مثل الحرية الجنسية والإباحية.. رغم مخالفتها لمرجعية المجتمع المغربي الدينية والعرفية، والمستفزة له مرارا، في مقابل عجز البرلمانيين الآخرين -وهم كثرة- عن رفع الصوت بالدفاع عن المقدسات الدينية لديهم ولدى جميع المغاربة وهو مقام النبوة.        

وأخيرا، نرجو أن تجد هذه الرسائل منصفين وحكماء لقراءتها والنظر في أبعادها، فإن الظلم والاستفزاز أو الضغط يولد الانفجار كما يُقال، ولا نريد أن تقع تصرفات غير مسؤولة، فإن الناس وخصوصا الشباب منهم قد يتحمسون ويقومون بأعمال متهورة غير ناظرين لمآلاتهاغير المرضية إذا رأوا من يُسيء لمقام نبيهم عليه الصلاة والسلام، وقد قيل: إن تفجير النفوس تسبقه تفجير النصوص، والمقصود بتفجير النفوس القيام بأعمال إرهابية تؤدي إلى قتل النفوس، والمقصود بتفجير النصوص هو الاستهزاء بنصوص الوحي والمقدسات مثل مقام النبوة، ونحن نرفض كلا التفجيرين ولا نرضى عن صوت العدل والحكمة بديلا وسلوكا.

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. ذنوب المغاربة في رقبة علماء الدين الذين من الأجدر أن يكونوا هم أول من يتصدى لهذه الوقاحات التي تمس بدين المغاربة بل تعدى الأمر ذلك ووصلوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم أيها العلماء دوركم اليوم تعدى تعليمنا كيفية الوضوء و الصلاة و الطهارة دوركم مواجهة الغلو في الدين ومواجهة الحاقدين على الدين والمتطولين على الرسول الكريم وإن اقتضى الأمر اللجوء إلى القضاء ولا مكان هنا لحرية التعبير لأن الدستور يقول الإسلام هو الدين الرسمي للمملكة فدوركم هو حماية هذا الفصل من الدستور وتطبيقه – أو اللي بغا أحمد التوفيق ايطردو مرحبا – الله الوطن الملك ثلاث ثوابت لا يمكن مسها

  2. جميل أن نسمع مثل هذا الكلام ونقول بوركتم وبورك مسعاكم وجعلكم الله سدا منيعا يصدح بالحق ويقول الحق نفتخر بكم وصلى الله على خير من جادت به الأرض محمد اشرف المرسلين

  3. الزفزافي غير كال الله ما هدا منكر في خطبة الجمعة واتهامه. وزارة الأوقاف وتركت السلطات بكاملها ووضع في السجن .وهده سبت الرسول ص ولم تحرك الدولة ساكنا

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M