رسالة إلى مغرد

22 مارس 2019 16:28
من بينها نسخة للحواسيب.. تحديثات كبيرة قادمة لفيسبوك ماسنجر

هوية بريس – عبدالله بن محمد سرور زين العابدين

التغيير سُنّة كونية، وتحوُّل طبيعي في حياة البشر، فضلاً عن كونه واجب شرعي منوط بكل غيور يسعى لنهضة الأمة، والرقي بالمجتمع من كل مظاهر التقهقر والتخلف، ليكون في عداد الشعوب المتقدمة على جميع الأصعدة، الدينية والسياسية، والثقافية والسلوكية.
وإدراكاً لهذا المفهوم، فقد منينا بكوكبة من الدعاة، والمصلحين، والنشطاء والمغردين ذائعي الصيت، ما فتؤوا يرشدون الأعداد الغفيرة من المتابعين إلى معالم الطريق، في شتى المجالات، وفي مراحل حرجة تشتد فيها الحاجة إلى جهودهم الخيرة، لتصحيح المفاهيم، والذود عن حياض الدين، والذب عن أعراض الدعاة والمصلحين.
إلا أن المتابع لمجريات الأمور، يلاحظ أن سلوكيات البعض تناقض أحياناً ما يدعو إليه على نحو مثير للدهشة والحرج معاً، ويزداد الأمور سوءاً عندما تمسي هذه السلوكيات مادة خصبة للإعلام المغرض للتنفير من القوم، ومما يروجون له من قيم، برأيهم لو كانت نافعة لظهرت آثارها على أخلاقياتهم وممارساتهم.
إذ لا ينقضي العجب عندما يشغل وسائل الإعلام تفاصيل محاكمة بعض المفكرين بتهم متنوعة من الاغتصاب والتحرش، لفترة من الزمن، وعلى نحو بالغ في الإساءة والمهانة.
وبصور مختلفة يتكرر الأمر مع غيره سواء في بلاد الغرب أو في بلاد العرب.
ذلك أن البعض لا يكاد يتمالك نفسه كلما تواصلت معه معجبة، فلا يرى غضاضة في إقامة علاقة بريئة مزعومة، سرعان ما تنحو منحى آخر، مصبوغة بغطاء يضفي الشرعية على اللمم المعفو عنه، كلما سولت له نفسه كسر الحواجز التي طالما حث الآخرين على التزامها، متجاهلاً بمكر “أن لا صغيرة كذلك مع الإصرار“.
أما غيرهم فقد غدا منبره مرتعاً للشائعات، لا أزمّة له ولا خطم، حيث فقد المصداقية خلال انهماكه في حشد أعداد الرعاع على حساب النخبة المؤثرة.
ولا تسل بعدها عن تبدل المواقف، وتناقض الرؤى، كلما استحكمت الأهواء وغلبت الرغبات والشهوات لدى الآخرين.
ولا شك أن حساسية طرح مثل هذه القضايا هو السبب الرئيس للإحجام عن طرقها، كما الحرج الناجم عن معالجتها.
كما أنّ طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة اليوم تستدعي تظافر جهود الجميع لمواجهة هذا المد العارم من الظلم والاستبداد والانتهاك لحقوق الإنسان في العالم العربي، على نحو يجعل طرح مثل هذه القضايا ثانوياً، دون ادراك أنّ حقيقة التغيير الداخلي تعدّ هي الأولوية لمن رام التغيير على الصعيد العام مصداقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وكما عبر عنه بعض أهل العلم: (أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم في أرضكم).
وفي هذه العجالة، أحببت أن أشير إلى بعض القواعد الضرورية، والإرشادات التربوية، لمن اختار التصدّر للإصلاح والتغيير، سواءً عبر المنابر العامة، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أهمها ما يلي:
1- ضرورة التحلي بالإخلاص، ليبارك الله عز و جل في الجهد، واستحضار قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي و محياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، فليس العطاء ولا العمل الدؤوب إلا لتحقيق غاية واحدة، وهي رضى الباريء سبحانه: (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على ربّ العالمين)، ومما ينافيه بالطبع طلب الشهرة ونيل مكاسب الدنيا، بحيث يصبح كل حدث عالمي موسماً لحصد الأرقام الجديدة بغض النظر عن جودة مضمون الخطاب.

2. مراعاة الآداب العامة في كلا العالمين، الحقيقي و الافتراضي! فينبغي لمن اختار أن يخاطب عموم الناس ويخالطهم، أن يتحلى بالخلق السليم، والسلوك القويم، بما في ذلك حفظ الجوارح عما قد يخدش الحياء (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) على نحو يتجلى فيه جانب القدوة في منطقه، واختياره للكلمات، واقتصاره في الحديث على ما تدعو الحاجة إليه، وبما يفي بالغرض، فالكلام ما قل ودل.
3. التفاعل مع المتابعين هو اختيار شخصي، إذ باستطاعة المرء أن يقتصر على نشر ما لديه من دون الحاجة إلى فتح باب الأخذ والرد، لذلك فإن الحديث في هذا الجانب لا يبعد عن حكم العزلة والخلطة، وأنها تختلف بحسب الشخص ذاته ومدى أهليته، فمن الناس من يزيده اختلاطه بالآخرين قوة وثباتاً، ومنهم من يتأثر سلباً فالأولى في حقه ضبط النفس والاقتصار على المنبر الذي يؤدي من خلاله المقصود.
4. اعتاد البعض على دوام التغريد في كل شاردة وواردة، دون التفريق بين الشأن العام والشأن الخاص، وما ذلك إلا لكونه يجد في متابعيه “العزوة” للتعبير عما يختلج في صدره دونما تريث تجاه موقف شخصي ما، أو أمر عاطفي مثلاً، أو قضية عائلية، أو مهنية، ونحو ذلك مما لا يعني الجمهور بتاتاً، فلكل مقام مقال، وقديماً قيل: (المؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح)، ومن هنا يبدأ التحول في مضمون الرسالة التي يحملها المغرد بما تحويه من قيم ومباديء، إلى شخصه وذاته وآخر أخباره، ويصبح دافع المتابع له هو الفضول أكثر من الاستفادة.
5. كثرة التعليق على كل حدث، وفي كل مناسبة، لا ينبي عن غزير علم أو واسع اطلاع بقدر ما ينم عن التعالم وإظهار الرغبة الحثيثة في زيادة عدد المتابعين، ومن المعلوم أنه من كثر لغطه كثر غلطه، والحري بمن نهج خط الإصلاح أن يعنى بالتوثيق، وأن يحيل دقائق الأمور إلى أهل الاختصاص، ويتحلى بالتريث والأناة، فالحكمة والاتزان هو ما يفتقر إليه اليوم المتسابقون إلى الشهرة وبريق الأضواء، مهما كانت التبعات، وحتى لو وصلت إلى الترويج لمنتج تجاري كالدجاج المثلج، ممن سبق لهم أن سكبوا الدموع قبلها عند الكعبة سائلين المولى في ذلك المقام كثرة المتابعين! ولا يتردد غيرهم أن يستثمر حضوره الواسع في الترويج لأجود أنواع العود والبخور، أو تشجيع السياحة حتى ولو كانت في الأماكن المنهي عن زيارتها، والنتيجة الدنيوية تمثلت في حجب موقعه بالكلية، أما في الآخرة فيرجى له الأوبة والرجوع إلى المسار الذي أوصله هو و غيره إلى تلك المكانة والسمعة، عندما كانت الدعوة إلى الله غاية همه وجلّ قصده.
6. وأخيراً، فإن الكلمة أمانة، والشهرة سلاح ذو حدين، والدين لا ينبغي أن يكون مطية لحظوظ النفس ولنيل الجاه و السمعة، أو للإكثار من عدد المتابعين تعليقاً واشتراكاً مع الآخرين، فإن ثقلت هذه الأمانة على حامليها فعليهم أن يراجعوا حساباتهم، وأن يُنقوا سرائرهم، ومن المعيب حقاً أن يتفاعل بعض البارزين سلباً مع من يتابعهم، فيشهر بمن يخالفه تارة، أو يبادل الشتيمة بمثلها، أو ينساق خلف غزل رخيص، أو يبادر بنشر معلومة لا أساس لها من الصحة ليكون له السبق فيها، وعندها ينهمك في التعديل والحذف، وتراه يطلب نادماً من غيره أن يمحو ما دار بينهما من محادثات خاصة جانبية، تولدت نتيجة لنزوة عابرة، في لحظة فراغ عاطفي، ربما استحكمت عند البعض حتى غدت عادة، لا تعود على صاحبها غالباً إلا بالحسرة عندما يتناسى قول المولى جلّ و علا (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس).
إنها دعوة صادقة لكل من ابتلي بالتصدر والشهرة، وكتب له القبول لدى الأمة، أن يستذكر عظم الأمانة، وقدر المسؤولية، وطبيعة المرحلة، فيمتثل دور “القدوة” في زمن عز فيه الإخلاص، وتغلبت شهوات النفس لدى بعض من يحسن الناس الظن بهم، فتكون رسالته لهم:
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له***فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
والسعيد من اتعظ بغيره، فحمد الله على ستره، ونقى سريرته، وواصل مسيرته.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. مبدعة.
    جزاك الله خيرا اخي عبدالله ونفع بكم الاسلام والمسلمين ودمتم في سمو ورفعة وجعله في ميزان حسناتك..
    ارجو المزيد من المقالات حول هذا الموضوع الحساس

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M