شهر رمضان يصنع أمة الحق والعدل والإنصاف

29 مايو 2018 23:58
شهر رمضان يصنع أمة الحق والعدل والإنصاف

هوية بريس – دة. صفية الودغيري

الصيام يهدينا كل عام مولد حياة جديدة، وفصولا جديدة، ومشاعر فياضة بحب فريد نتذوق حلاوته في كل الساعات والأيام والشهور..
إنه يذكِّرنا بالحق والواجب، فنحن نصوم تنفيذا لأمر الخالق الذي جعل هذا الكون يقوم على الحق، فنتعلم كيف نفصل بين ما لنا من حقوق وبين ما علينا من واجبات، ونتعلَّم كيف نحافظ على حقوقنا وندافع عنها، وكيف نتحمل المسؤولية بصدق وإخلاص، والتزام في أداء أمانة التكليف والواجب المنوط بنا ومن له حقٌّ علينا.

ويذكِّرنا الصيام بالعدل والإنصاف والمساواة، وأن لا تفاضل ولا تفاخر ولا عزة ولا رفعة بيننا إلا بالتقوى، وأن لا نتعالى ونتسامى إلا بما حصَّلناه من رصيد حسناتنا، وأن لا نتباهى إلا بما أدركناه من الثواب والجزاء..
لنتعلم كيف نحكم وكيف نحتكِم للحق، فنعدل الميزان بالقسط في علاقة الزوج بزوجه، وعلاقة الآباء بالأبناء، والرفقاء مع رفقائهم وإخوانهم وأصدقائهم، والجيران مع جيرانهم، والأقارب مع أقاربهم وأهليهم وذويهم وعشيرتهم، والأحبة مع أحبائهم وخلانهم، والأصفياء مع أصفيائهم وأعدائهم، وبين من تجمعهم المودة والوفاق وبين من لا تجمعهم رابطة ولا صلة ولا قرابة، ولا عهد ولا ميثاق ولا وداد..
ونعدل الميزان بالقسط في علاقتنا بالخالق وعلاقتنا بالمخلوقين، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، والرئيس بالمرؤوس، والمدير بالموظف، وعلاقة الشعوب والقبائل والعشائر والحكومات ببعضهم البعض، والأفراد بالجماعات، وعلاقة الأجناس ببعضها على اختلاف ألوانها ومللها ونحلها ولغاتها ومذاهبها..
ويذكِّرنا الصيام بقِيَم الحرِّية الحقيقية، فنحن نصوم اختيارا حرا للجنة، واختيارا حرا لعبودية الله التي تفك عنا الأغلال والقيود، وتحطم أوثاننا وأصنامنا وما نعبده في دنيانا التي ضجَّت وصاحت من خنوعنا وتذللنا وخضوعنا لغير الله، وعبوديتنا لسواه..
ونحن نصوم خضوعا لجلاله وعظمته وكبريائه، وطمعا ورغبا فيما عنده، وزهدا فيما جمع بين أيدي الناس، ورجاء وأملا في القرب منه ونيل رضاه، والتمتُّع بجلال نوره والأنس بحضرته.
ونحن نصوم ارتقاء بالنّفس، والروح والجسم، والعقل والفهم والفكر، وارتقاء بكل جارحة من جوارحنا وكل حاسة من حواسنا، فنتحرّر من كلِّ الأغلال والأثقال المادية، لنتعلم بعد الصيام معنى التلذُّذ بالحرية في الحياة، حفاظا على مقاصد الشريعة والكليات الخمس، التي هي: الدين، والنّفس، والعقل، والنسل، والمال، وحفاظا على الأرض والعرض، والذَّود عن الأوطان، وحماية الثوابت والأصول والفروع، والكرامة الإنسانية جمعاء..
وهذا الفهم العميق لفلسفة الصيام لا يحتوي إلا بعضا من كل، وغيضا من فيض ما يمنحنا شهر رمضان في أيامه ولياليه، وما نغرِفه من غَرفاته، وما نتلذَّذ به بعد العطش والجوع، والإمساك، وبعض ما يهدينا إياه القيام والتعب، والصبر والمجاهدة …
وهذا الفهم العميق لفلسفة الصيام، يصنع منا أمة الحق والقوة والحرية، فلا ترى صائما من أمتنا إلا مدركا لعايات ومقاصد وحكمة الصيام، ولا ترى صائما إلا بطلا قويًّا في معركة الحياة، مناضلا عن الحق، منافحا عن القيم ومكارم الأخلاق، جريئا جسورا لا تلين له قناة، ولا تلين له شوكة، ولا ينكسر له سلاح، وجبلا شامخا، وقمة عالبة، وعلما مرفوعا في الآفاق، وحرًّا أشم لا تُذلُّ كرامته، وعزيزًا لا تُهان شهامته، وشريفًا لا يُنتهك عرضه، وأمينًا لا يخون من استأمنه وأمَّنه، وصادق الوعد والمقال والفِعال، فلا يكذب ولا يخون ولا ينكث مواثيق العهود والبنود، ورابط الجأش، أنِفًا أبِيًّا، وشديد الشَّكيمة، ومخلصا لأهدافه السامية ومقاصده النبيلة، ومدافعا منافحا عن دينه ورسالته العظيمة، ومنتصرا لمبادئه وأخلاقه الكريمة التي تستحق أن يكون لها وجدود ويكون لها حياة، وعبدا حرًّا بكل ما تحمله العبودية من معاني الحرية الحقَّة، التي وهبه إياها من خلقَه وسوَّاه وأقامه حرًّا بعبوديته وخضوعه لخالقه فلا عبودية لسواه..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M