عاشوراء.. بين فضيلة الاتباع وضلالة الابتداع

08 سبتمبر 2019 16:13

هوية بريس – د. يوسف فاوزي

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد:

فإن من محاسن هذا الدين وجود مواسم للطاعات، فلا تمر السنة مرور حساب الليالي والأيام والشهور فحسب، بل تمر بمناسبات خصها الله تعالى بالطاعات الجالبة للحسنات والأجور، وهي رحمة من الله بعباده في طريقهم للدار الآخرة، ومن بين هذه المناسبات الخيرة مناسبة العاشر من محرم عَاشُورَاءْ، وهي مناسبة ورد في فضلها نصوص شرعية، غير أن الناس أحدثوا فيها مظاهر وعادات بدعية وجب التنبيه عليها لمن أراد الفوز بالأجر الجزيل وفقا لسنة سيد المرسلين المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم.

فضائل مناسبة عاشوراء:

مما ورد في فضائل هذه المناسبة الكريمة:

1) أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده: فعن ابن عباس رضي الله عنهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة، وجدهم يصومون يوما، يعني عاشوراء، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال «أنا أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه)، رواه البخاري (رقم:3397).
2) الصوم: لفعله صلى الله عليه وسلم الوارد في الحديث السابق، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل»، رواه مسلم (رقم:1163).
3) أن صوم يوم عاشوراء كفارة للسنة التي قبله: لحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (…وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)، رواه مسلم (رقم:1162).
4) يستحب تشفيع يوم عاشوراء باليوم التاسع: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» وفي رواية أبي بكر: قال: يعني يوم عاشوراء)، رواه مسلم (رقم:1134)، والسبب في رغيته عليه الصلاة والسلام صيام التاسع مع العاشر رغبته في مخالفة أهل اليهود في إفرادهم لعاشوراء بالصيام، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ما نصه (قلت ويقوي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضا من وجه آخر عنبن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن بقيت إلى قابللأصومن التاسع فمات قبل ذلك، فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليهوسلم كان يصوم العاشر وهَمَّ بصوم التاسع فمات قبل ذلك، ثم ماهمَّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بليضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهودوالنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد منوجه آخر عن بن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوااليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده، وهذا كان في آخر الأمروقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لميؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان،فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتابأيضا كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك فوافقهم أو لا وقالنحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليهيوم قبله ويوم بعده خلافا لهم) 1.
هذا وليعلم أن هذا الصوم مستحب وليس بواجب وعلى هذاإجماع علماء الأمة2.

بدع الناس في عاشوراء:

ما سبق بيانه هو عن فضائل شهر الله المحرم الثابتة في السنة النبوية وعليها كان عمل الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، إلى أن خرجت في الأمة فرق مارقة أحدثت في هذه المناسبة ما لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة ولا عمل الصحابة رضوان الله عليهم.

1) البكاء والنياحة ولطم الوجوه وجلد الظهور حزنا على مقتل الحسين:
وعلى رأس هذه الفرق الضالة الشيعة قبحهم الله إذ يرون في هذه المناسبة فرصة لإثارة العداوة والحقد ضد أهل السنة والجماعة باعتبارهم هم قتلة الحسين رضي الله عنه، فيعقدون لهذا اليوم –عاشوراء- مآتم للعزاء والنياحة، بله تطور الأمر عندهم إلى لطم الوجوه وجلد الظهور حزنا على الحسين.. !!!، وكان أول من أحدث هذه البدعة الدولة الفاطمية بمصر وبني بويه في العراق في المائة الرابعة من الهجرة، ولا زالت للأسف هذه البدعة حاضرة إلى يومنا هذا، إذ اجتهد الشيعة الروافض بكل السبل إلى إحياء هذه البدعة وترويجها في وسائل الإعلام التابعة لهم مستغلين جهل الكثير من عوام المسلمين في العالم جلبا لتعاطفهم وشحنا لصدورهم بالعداوة والبغضاء ضد أهل السنة والجماعة (النواصب الوهابية) تمهيدا لتشييعهم.

يقول أحد مراجع الشيعة وهو مهدي محمد السويح في كتابه (مائة مسألة مهمة عن الشيعة) ما نصه (ولهذا ترى اللاَّطمين في ذكرى مأساة الحسين عليه السلام إنما يعبرون عن العواطف الجياشة، والمودة الصادقة من جانب، كما يعبرون من جانب آخر بنفس لطمهم يعبرون عن السخط على الظالمين ابتداء من هناك وصولاً إلى هنا، وامتداداً حتى النهاية، ففي كل الأزمان يزيد وابن زياد، وفي كل زمان ضعفاء يعبرون عن ذلك باللطم ونحوه)3.

وتأمل أيها القارئ الكريم قوله (وامتداداً حتى النهاية، ففي كل الأزمان يزيد وابن زياد، وفي كل زمان ضعفاء يعبرون عن ذلك باللطم ونحوه)، فهم –الشيعة- يعتبرون أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان سلالة قتلة الحسين، فالثأر لا زال قائما عندهم وهذا ما يفسر جرائم الشيعة الرافضة تجاه المسلمين اليوم في بؤر الصراع في رقعة العالم الإسلامي.

وهذا الصنيع من الشيعة مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» رواه البخاري (رقم:3331) ومسلم (رقم:165).

2) لبس السواد حزنا على الحسين:
وهذه أيضا من عادات الشيعة القبيحة التوشح بالسواد إظهارا للحزن على مقتل الحسين، والأصل في لون الثياب الإباحة إلا ما دل النص الشرعي على تحريمه، ولم يرد في السواد نص، لكن لما كان شعارا لأهل البدع الشيعة الروافض في هذه المناسبة خاصة وجب اجتنابه وتركه فيها تجنبا لتكثير سوادهم.

3) إظهار الفرح والسرور:
وهذا وقع فيه بعض المنتسبين لأهل السنة ظنا منهم مخالفة الرافضة في حزنهم، وهذا خطأ من جهتين: من جهة إحداث أمر للاحتفال به لم يرد له تشريع من الكتاب والسنة، ومن جهة مآل المفسدة فيه، إذ يكون مدخلا للشيعة الرافضة في التشهير بأهل السنة والتدليل على شرعية حزنهم ومظاهره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه، يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثي.. وبدعة السرور والفرح.. فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة.. وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا)4.

4) اعتقاد فضل التوسعة على العيال يوم عاشوراء:
من الأحاديث المنتشرة في فضائل عاشوراء ولا تصح، حديث التوسعة على العيال في النفقة، وهو حديث حكم عليه أكثر أهل الصنعة الحديثية بالضعف، وهو الحديث المروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من وسع على عياله يوم عاشوراء لم يزل في سعة سائر سنته)5، ولم يؤثر عن الصحابة عمل بهذا الحديث، والأولى تجنبه حتى لا يكون مدخلا للرافضة في اللمز بأهل السنة والله أعلم.

5) الاغتسال والكحل والخضب بالحناء:
وهذا تابع لما سبق، وكل هذه المظاهر تدخل في دائرة إظهار السرور المبتدع في مناسبة عاشوراء، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (…عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء والمصافحة، وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك إلى الشارع: فهل ورد في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش، وغير ذلك من الندب والنياحة، وقراءة المصروع، وشق الجيوب. هل لذلك أصل؟ أم لا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة، ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا، لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة، ولا التابعين، لا صحيحا ولا ضعيفا، لا في كتب الصحيح، ولا في السنن، ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة)6.

6) القفز فوق لهيب النار:
وهذه من العادات الهمجية التي نلحظها في بعض المناطق بالمغرب، إذ يعمد الصغار إلى إشعال النار في كومة حطب أو تبن، ثم يتحلقون حولها، وبعدها يبدؤون بالقفز عليها، وهذه الظاهرة فضلا عن بدعيتها، ففيها تشبه بالمجوس عبدة النار، وهي سيلة مضرة بالبيئة والأفراد، فالبيئة تتضرر من جهة قلع الأشجار لإشعال النار بها، وتلويث الشوارع والأماكن العامة، والتسبب في الروائح الكريهة، والأفراد يتضررون بهذا كله، ولربما أدت هذه الحرائق الى حوادث مميتة، أو هتك الأعراض نسأل الله السلامة والعافية.

7) الألعاب النارية:
وهي صورة من صور الاحتفال المبتدع بعاشوراء، ومعلوم لدى العقلاء ما تتسبب فيه هذه الألعاب النارية من مآسي.

8) التراشق بالمياه:
وهي ظاهرة منتشرة في بلادنا المغرب صب الماء على المارة في الشوارع، يسمونه كذبا (زمزمة)، وهي ظاهرة تنمُّ عن تخلُّف حضاري لا نجد تحركا للجهات المعنية لمحاربتها.

9) زيارة الأضرحة والمواسم والزوايا والسحرة والمشعوذين:
وهذه أخطر المظاهر الشركية الجاهلية المنتشرة في مناسبة عاشوراء، فهي فرصة للدَّجاجلة من السحرة والمشعوذين وأرباب الكذب بدعوى الزهد والتصوف للاحتيال على الناس وسلب أموالهم، ولا أدري ما العلاقة بين عاشوراء وهذه الطقوس؟، إذ ينبعث أصحابها من سباتهم ليلصقوا بكذبهم فضيلة الزمان، ولا يرون بأسا باختلاق الكذب عن فضيلة للمكان، زيادة في التمويه والدجل، وأنبه القارئ الكريم إلى خطورة هذا الأمر للتشنيع الخطير على مرتكبه في الشرع الإسلامي.

قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) رواه أبو داود (رقم:3904).

وفي رواية للأربعة والحاكم: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).

​وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما))، رواه مسلم(رقم:2230)  .

​فأي خسران هذا ؟؟؟ أن تفقد دينك ولا تقبل لك صلاة أربعين يوما…!!!

​وعلى العلماء أن يتقوا الله في أنفسهم حتى يجنبوها إثم السكوت عن هذه المناكير، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فعلى العلماء أن يبينوا للناس أمر دينهم وتوحيد ربهم، وأن يحذروهم من إثم هذه التصرفات الشركية الخطيرة، وبالله التوفيق.

نسأل الله جل في علاه أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا وأن يرزقنا اجتنابه، آمين آمين والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) فتح الباري لابن حجر (4/245-246).
2) ينظر بداية المجتهد لابن رشد (2/70)، وفتح الباري لابن حجر (4/246).
3) مائة مسألة مهمة عن الشيعة (ص168-169).
4) منهاج السنة النبوية (4/554).
5) تنظر السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله (14/738).
6) الفتاوى الكبرى (1/194-195).
آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M