عن الوزير خالد الصمدي وقانون “فرنسة التعليم”.. د. الودغيري يكتب: تمنَّيتُ لو قالها غيرُه

23 أغسطس 2019 18:26
عن الوزير خالد الصمدي وقانون "فرنسة التعليم".. د. الودغيري يكتب: تمنَّيتُ لو قالها غيرُه

هوية بريس – د. عبد العلي الودغيري

لا يكاد يمر علينا يوم إلا ونُصفع صفعةً قوية توقظنا من غفلتنا، وتؤكد لنا كم كنا مخدوعين عندما اعتقدنا أن رجالاً من الحزب الذي طالما رفعَ شعار الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية والمرجعية الإسلامية، هم الذين سوف يعزِّزون هذه الهوية ويعملون على التمكين للغة الأمة العربية الإسلامية وتقوية وجودها.
آخر هذه الصفعات ما جاء على لسان الأستاذ خالد الصمدي الذي أجرت معه صحيفة هسبريس حوارًا نشر يوم 22/ 8/ 2019، ووردت فيه جمل وعبارات كنتُ أتمنى أن لا تأتي على لسانه هو شخصيّا لاعتبارات كثيرة. أولًا: لكونه في الأصل أستاذًا جامعيًّا متخرجًا من شعبة الدراسات الإٍسلامية المعرَّبة وهذا تخصُّصه. فهو أول من كان يُفترَض فيه الدفاع عن العربية لا الاحتفال بفشلها كما يقول. ثانيًا. باعتباره من الأًصدقاء الشباب الذين كنتُ أُمنّي النفس بأن يجري كثير من الخير لهذه البلاد على أيديهم. ثالثاً: باعتباره قياديّا في حزب كبير طالما رفع شعار الهوية العربية الإسلامية والدفاع عن حضارة لغة الأمة العربية الإسلامية، وطالما انتظرنا منه، بعد أن آلت إليه قيادة الحكومة لمدة طويلة، أن يترك بصماته الواضحة التي تُترجِم صدقَ شعاراته إلى أقوال وأفعال، لا أن يتخلى عن كل ما عاهدَ عليه المغاربةَ ويحتمي بحجة إكراهات السلطة ويدافع عن أطروحات كان يهاجمها ويتظاهر ضدها بالأمس القريب.
فمما نقلته الصحيفة المذكورة عنه أنه قال: «إن سياسة التعريب فشلت، عقب اكتفاء السياسات العمومية باعتمادها في الأقسام الأولى فقط، وعدم إيصالها إلى مُدرَّجات الجامعة».
وأنا أستغرب كيف يقول الأستاذ الصمدي إن التعريب فشل مردِّدًا بذلك خطاب أعداء العربية وخصومها الألِدَّة، ولا يقول الحقيقة وهي أن التعريب أُفشِل عن قصد وتعمُّد. أفشلَه الذين رفضوا مواصلة تعريب الجامعة بشكل تدريجي من الحكومات السابقة، وأفشلَته الحكومةُ الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بتواطؤ سافر مع التيار الفرنكفوني وحُلفائه. بل لقد ذَبَحته من الوريد إلى الوريد حين قرَّرت الرجوع بالمغرب أربعين سنة إلى الوراء ومحو تجربة التعريب التي اكتسبت فيها البلادُ خبرة جيدة كان يمكن أن تستفيد منها دولٌ عربية وإسلامية كثيرة، َوتكوَّنَ خلالها جيلٌ من الأساتذة القادرين على تدريس كافة المواد العلمية بالعربية والتأليف بها وإغناء العربية بالمصطلحات المناسبة، وكان من السهل تطويرها ونقلها إلى التعليم العالي بشكل تدريجي ومدروس ومخطَّط له بعناية. بل لقد تخلَّت الحكومة التي لا طعم لها ولا لون، عن كل الكفاح المرير الذي خاضه الصادقون من زعماء هذا البلد وكبار علمائه ومفكّريه واللامعين من مثقفيه من أجل إعطاء لغة البلاد مكانتَها المرموقة في كل المجالات. ولست أدري كيف يمكن تصوُّر تطوير اللغة العربية في المغرب بعدما تقرَّر قصُّ أجنحتها وتقليصُ دورها لينحصر في تعليم المواد الدينية والأدبية والاجتماعية بالمدارس الابتدائية والثانوية (وحتى هذه المواد يمكن التراجع عن تعريبها في يوم من الأيام بمقتضى الصياغة الملتبسة التي وردت في القانون الإطار)؟ وإذا كان الذي أفشل التعريب هو عدم إيصاله إلى مدرَّجات الجامعة كما قال السيد كاتب الدولة، فمَن الذي يُحاسَب على هذا التقصير في إيصال التعريب إلى الجامعة، سواء في الفترة السابقة لكم أم في هذه الفترة التي تقودون فيها الحكومة منذ أكثر من سبع سنوات، رغم أنه كان بإمكانكم استثمار الميثاق الوطني للتعليم(1999) الذي ينص على إمكانية فتح مسالك لتدريس المواد العلمية بالعربية في التعليم العالي؟ ثم على أي أساس حكَمتم على فشل تجربة استعمال العربية في تدريس المواد العلمية، ونحن لم نطلّع ـ لا منكم ولا من غيركم ـ على حجة علمية ولا دراسة ميدانية واحدة ذات مصداقية ما تقولون وتثبت صحة هذا الفشل المزعوم؟
أسئلة كثيرة تتقاطر عليّ في هذه اللحظة، وكلها تجعلني أقول: لو كان هذا الكلام للسيد أمزازي أو السيد بلمختار أو مَن على شاكلتهما ممن نعرف مرجعيتهم الفكرية والثقافية وتوجّهاتهم السياسية لما أثار فينا أي نوع من الاستغراب. ولكن أن يصدر عن مسؤول عن التعليم العالي، معرَّب ومتخصّص في الدراسات الإسلامية، وقيادي في حزب (الهوية) و(المرجعية الإسلامية) فذلك هو العجبُ العُجاب.
ومما جاء به الأستاذ الصمدي فيما نقلته الصحيفة عنه، قوله: «إن اللغة التي لا يُمارَس بها البحث العلمي وتُعاني الفقر على المستويين المعجمي والمصطلحي، لا يمكن أن تنجح في فترة ما قبل الجامعة ».
وها هنا مربط الفرس كما يقولون: فالتعريب لم يفشل فقط لأنكم والحكومات السابقة رفضتم إيصاله ومدَّ قنواته تدريجيًا إلى التعليم العالي، ولكنه أُفشِل بإرادة وعزم من حكومتكم ومن كل مَن يؤمن بمثل هذه الحجة الواهية القائمة على فكرتين:
الأولى تقول: إن العربية فقيرة في المعجم والمصطلح وعدم وجود المراجع وعدم قدرة الأساتذة… وهلم جرًا مما تعوّدنا على سماعه من الأراجيف. وهذا حكم قيمة كان يمكن أن يُنظرَ فيه حين كانت العربية في بداية عصر نهضتها الحديثة أوائل القرن التاسع عشر، أما اليوم فوضعُ العربية من كل النواحي مختلف تماماً عما كانت عليه قبل قرنين من التطور الإيجابي والنهضة الحثيثة التي لا يلتفت لها الكثيرون. وكأن الذين يقولون مثل هذا الكلام لا يعلمون كم راكَمَته تجربةُ العربية خلال الفترة السابقة من آلاف المصطلحات ومئات القواميس العلمية في كل التخصُّصات الدقيقة وقد وضعها وأشرف عليها علماء متخصّصون ومجامع لغوية كبيرة ومراكز أبحاث وجامعات ممتدة على طول خريطة العالم العربي، ولا أحد يريد أن ينظر فيها أو ينفض الغبار عنها، وفي مقدمتهم وزراء التعليم العالي ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات.
والثانية: تقول: إن العربية غير صالحة لتدريس العلوم في الابتدائي والثانوي لأنها لا تُستعمَل في البحث العلمي الجامعي (ويقصد البحث في مجلات العلوم الدقيقة). مع أن التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية لا علاقة له بالبحث العلمي. وعندما يصل الطالب إلى مرحلة ممارسة البحث العلمي إذ ذاك يمكننا مناقشة ما هي اللغة أو اللغات الصالحة لذلك. ولو سلمنا جدلاً بأن العربية لم تصبح بعد لغةً للبحث العلمي في الجامعات، فهل الفرنسية التي تفرضونها على المغاربة بمقتضى القانون هي لغةُ العلم؟ ثم كيف يمكن للعربية أن تصبح لغة بحث وعلم وهي تُطردُ ويُرمى بها بعيدًا عن كل المجالات العلمية والتقنية منذ المراحل التعليمية الأولى، وعن كل إمكانية لتطويرها وتنميتها وإغنائها؟ وما الذي كان عليكم أن تفعلوه ولم تفعلوه في سبيل خدمة مستقبل هذه اللغة وجعلها قادرة على أن تكون لغةَ بحث علمي جامعي؟ وهل يُنتظَر منكم شيءٌ إيجابي بعد الذي فعلتموه في حق لغة أمتكم وحضارتكم؟
ومما أثار استغرابي فيما نقلته الصحيفة عن الأستاذ الصمدي انتقاده لمن يتحدث عن (فَرْنسة التعليم) « مؤكدًا أنه لا توجد أي إشارة إلى لغة ضمن القانون سوى العربية».
أنا لا أدري كيف استوعب عقلُ الأستاذ الصمدي تقبَّل هذه الديماغوجية التي حاول بها نفَى تهمة (فرنسة التعليم) بحجة عنكبوتية وهي أن القانون لم يتحدث عن الفرنسية؟ هل يكفي تَغييب جملة (فرنسة التعليم) عن نص القانون لكي يفهم الناس براءةَ مقصدكم وسلامة نيتكم بأنكم لم تقرّروا الفرنسة؟ وما هي اللغة التي قرَّرتم استعمالَها في تدريس المواد العلمية بعد أن أخذتموها من العربية إذا لم تكن هي الفرنسية؟ ولماذا ظل السيد أمزازي طوال الشهور السابقة لتمرير القانون يكرر التصريح العلَني في كل المنابر ووسائل الإعلام بأن المواد العلمية لا يمكن تدريسُها بالعربية ولا بالإنجليزية وإنما بالفرنسية والفرنسية فحسب؟ ولماذا تقول في هذا الحوار مع هسبريس إن العربية بحكم كونها لا تستعمل في البحث العلمي الجامعي لا تصلح لاستعمالها في تدريس العلوم؟
والله لا أدري هل حِجاجكٌم هذا موجَّه لإقناع كل ما خلق الله من البهائم فحسب أم للعقلاء من البشر أيضًا؟

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. العجب العجاب والتعجب العجيب خو من تعجبكم أستاذنا الودغيري من هذا ” المسؤول” وأمثاله من حزبه وغيرهم…

  2. استسمح الاستاذ الودغيري انه ربما لحسن نيته، لايعرف طوية وحقيقة المقدسين للكرسي، وفي سبيله خلقوا لحاهم، وتنكروا لمبادئ سوقوها إلى أن أسندت لهم السلطة، فتسلطوا على هوية وثقافة الشعب الذي خدعوه وخذلوه.
    بل والادهى والأمر ان الكثير من المناصب أسندت في حزب يدعي المرجعية الإسلامية واسناد المسؤولية إلى من هو ليس اهلا لها. وهو من ذلك، علميا ومبدئيا.
    اعتقد بأن كاتب الدولة في التعليم العالي ليس مؤهلا ابدا، وإنما تكليفه بالمهمة راجع إلى الولاء لاصحاب القرار في الحزب.
    كما أنه لايهمه لاتعريب ولا اي شيئ يهمه فقط الكرسي.
    ربما ماصرح به للجريدة الاكترونية هو سبق لإظهار الطاعة والولاء لخدام الد ولة بأن تسند اليه بعض المهام في الحكومة الجديدة المنتظر ترقيعها.
    ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل في مثل هؤلاء الذين لايهم الا المنصب، وينسون بأن التاريخ لن ينسى هذا الخذلان للغة القرءان.
    فمن أراد أن يعلو شانه بمحاربة لغة القرءان اذله الله ولو إلى حين.
    وتحية للمخلصين المدافعين عن اللغة العربية.

    6
    1

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M