قضية الشافعي.. في الحاجة لحماية الفاضحين للفساد

16 أغسطس 2018 03:58
خطة ترامب للسلام.. وعد بلفور جديد

هوية بريس – عبد الله النملي (كاتب وباحث)

انتهت منذ أيام محاكمة الدكتور الشافعي، “طبيب الفقراء”، الأخصائي في جراحة الأطفال بالمركز الاستشفائي الحسن الأول بتزنيت، والذي أجرى 560 عملية جراحية للفقراء مجانا في ظرف لا يتجاوز 6 أشهر، أي بمعدل 3 عمليات في اليوم، مما يعد سابقة في المغرب كله. ليصير هذا الشريف محاربا من قبل لوبيات المصحات الخاصة والفساد في منطقة سوس تزنيت، لإخراس صوته ودفعه إلى مغادرة مهنته، حيث قضت المحكمة الابتدائية بتزنيت يوم الاثنين 6 غشت 2018، بالحكم عليه بتعويض وغرامة مادية قدرها 3 ملايين سنتيم لفائدة مدير المستشفى الإقليمي الحسن الأول، في تناقض صارخ مع مبدأ حماية الضحايا والشهود والمبلغين في جرائم الرشوة وفضح الفساد.

هذا الطبيب النزيه كان يتابع مرضاه في كل وقت مانحا إياهم رقم هاتفه الخاص، تعرض للعديد من المضايقات منذ بداية عمله جراحا للأطفال بمستشفى تزنيت، بدءا بعرضه على المجلس التأديبي للوزارة، وانتهاء بتقديم شكوى ضده من مدير المستشفى بتهمة السب والقذف، ليعلن الشافعي منذ أسابيع أنه سيعتزل مهنة الطب في المغرب، نظرا ” للمشاكل الإدارية والتعسفات غير القانونية التي واجهته منذ استلامه لمهامه الجراحية مما انعكس سلبا على أوضاعه العائلية والصحية”.

وعرف عن الدكتور تفانيه في عمله وحبه له، إضافة إلى كفاءته في مجال تخصصه، حيث اختار العمل مجانا في الظل ورفض التجارة مع بني البشر، وقرر أن يتعاقد مع الله عز وجل، لأنه وجد الربح أوسع وأوفر، فحج إليه المرضى من الأرياف والحضر، وفي زمن كثرت فيه الشكاوي ضد أصحاب الوزرة البيضاء، خرجت ساكنة تزنيت والنواحي بأطفالها ونسائها ورجالها في وقفات تضامنية مع طبيبها الشهم الذي أعاد البسمة للعشرات من أطفالها، كما أطلق نشطاء من مدينة تزنيت مبادرة لجمع مبلغي التعويض والغرامة، الذي قضت بهما ابتدائية المدينة.

ولازالت عبارات التنديد تتناسل بشأن هذه القضية التي أشعلت فتيل غضب كبير، حيث عَبّر العديد من الحقوقيين والسياسيين عن استغرابهم من محاكمة الدكتور فاضح الفساد، في تضييق بَيّن على فاضحي الفساد، في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة فتح تحقيق في الفساد الذي كشف عنه الدكتور الشافعي، ووضع حد للإفلات من العقاب في جرائم الفساد والرشوة. وخلافا لما ذهب إليه القضاء من محاكمة فاضح الفساد، بحجة السب والقذف، بات من المسلم به أن مهمة فضح الفساد أصبحت في بلادنا محفوفة بالمخاطر، ذلك أن اطلاع الرأي العام على فضائح فساد ليس جريمة، ولا يُعَدُّ من قبيل الوشاية والسب والقذف، ويخرج عن نطاق الأسرار التي يتعين كتمانها وعدم إفشائها، بل إن السر المهني ذاته يتعين إفشائه إذا كان القصد منه الحيلولة دون وقوع جريمة، علما أن المُبَلغين والفاضحين للفساد يجب أن يستفيدوا من الحماية ما داموا يعملون بحسن نية، وبناء على اعتقاد مُعَلل بأن المعلومات التي أفشوها كانت صحيحة، ووضع ضمانات في القانون لحماية الشهود والمبلغين عن قضايا الفساد، لما يمكن أن يتعرضوا له من إجراءات عقابية، قد تتسبب في قطع أرزاقهم أو اعتقالهم أو عرضهم على مجالس تأديبية، قد تكون سَبَبا في منع غيرهم من الإبلاغ عن وقائع فساد.

وتحرص المواثيق الدولية المتعلقة بمكافحة الجريمة والفساد على إلزام الدول الموقعة عليها، على تضمين تشريعاتها الداخلية نصوصا قانونية تلزم الموظفين والمواطنين الإبلاغ عن جرائم الفساد التي يكتشفونها أو تصل إلى علمهم بحكم قيامهم بواجباتهم الوظيفية أو معاينتهم لها في محيطهم، ووضع الضمانات القانونية لحمايتهم من عواقب الإبلاغ عن جرائم الفساد، ومن ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لسنة 2000، كما تتجه العديد من الدول إلى تَبَنّي سياسة تشجيع الإبلاغ عن الفساد، كإحدى وسائل مكافحة الفساد، وحماية المبلغين والشهود مما قد يَلْحَقُ بهم نتيجة قيامهم بأعمال التبليغ. وغير خاف أن الإبلاغ عن جرائم الفساد يرقى إلى مصاف الواجب في كثير من الأحيان، وذلك عند ممارسته من قبل الموظفين العموميين، أو المواطنين، إذ قد يَحُول التبليغ عن الجريمة دون وقوعها، وتفادي النتائج الخطيرة التي قد تَنْجُم عنها، ويؤدي إلى تعزيز مشاركة الأفراد والمجتمع في مكافحة الإجرام.

ولو أن ما حصل للدكتور الشافعي، حصل في ثمانينات القرن الماضي، هل كانت هذه القضية لتحصل على هذا القدر من اهتمام الناس وردات فعلهم؟، أم أن قضيته كانت سَتُطوى بسرعة مع غيرها من قضايا الذين حوكموا ظلما وغرقوا في بطء روتين القضاء؟. لقد شهدنا في هذه القضية مسارا مختلفا في العصر الرقمي، بعد أن وجد القضاء نفسه محكوما بسلوك الضغط الشعبي والجهود التي بذلتها القوى الحقوقية، وحركة التضامن الواسعة بالمغرب وخارجه، ودعم الإعلام والآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي مَكّنت الناس من أن يفرضوا ما يجب أن تتم تغطيته، وما يجب أن يُعْطى أولوية، بدلا من تَحمُّل المحتوى الرسمي. وقد أثبت الغضب الجماهيري، أن بإمكان وسائل التواصل الاجتماعي أن تعيد التوازن، وأن تمنع أي تعتيم، وأي شطط في استخدام السلطة. وكذلك بَرْهَنَ التفاعل الشعبي مع القضية، أن وسائل التواصل الاجتماعي تستطيع مع الإعلام التقليدي والمجتمع المدني، أن تكون سندا للمظلومين ومصححا لبعض هفوات الإدارة والقضاء، كما تبقى أداة شديدة الفاعلية، لها تأثير كبير على آراء الناس وخياراتهم، ويمكن استخدامها في مواجهة السياسيين والمسؤولين الفاسدين، ورصد التجاوزات لحقوق الإنسان وفضح حالات الفساد، وتحويلها قضايا رأي عام، بما يحقق ربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن محاكمة فاضح الفساد، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، أننا بعيدون عن ثقافة محاربة الفساد، حيث تطالعنا الجرائد يوميا عن مسؤولين يتصرفون في بعض الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات الصحية بمنطق الضيعة والبقرة الحلوب، وهو المنطق الذي كان يتصرف به السُّياب في خزينة الدولة إبان العصور الخالية، حتى أصبحت عبارة ” دار اعْلاش يْوَلي” مثلا سائرا، مما جعل حركة 20 فبراير ترفع شعارا مركزيا في كل مسيراتها ” الشعب يريد إسقاط الفساد “. فمنذ حصول المغرب على استقلاله ” استغلت طوائف من الناس فرحة المغاربة في المستقبل، كما استغلت جهل الأغلبية وسذاجتها لتعوض الفرنسيين والاسبان في مراكز الاستغلال والاستنزاف، وبطريقة أكثر بشاعة وأقل رحمة من الاستعمار نفسه (..)، وابتدأ التأسيس للخلل والفساد والنهب، في مغرب ما بعد الحماية منذ سنة 1956، وتفاحش في مغرب الستينات من القرن العشرين، ليصبح حالة طبيعية في مغرب السبعينات، وذكاء ومفخرة في الثمانينات، وليتورط فيه مطلع التسعينيات وبداية الألفية الثالثة عناصر سياسية ونقابية (..)، ومن تبعات الخلل أصبحت بعض المهن والمهام في المجتمع، لا تُحيل عن المهنة في حد ذاتها، وإنما تحيل على الغنى الفاحش (..)، وقد نشرت بعض الصحف، الكثير حول حالات الفساد، والكثير حول أرقامه وحجمه، كما نشرت الكثير من أسماء المتورطين فيه. وفرضت بعض التحولات الطفيفة التي يعرفها البلد بضغط خارجي _ وليس نتيجة قناعات حقيقية _ إقامة عدد من المحاكمات لبعض المتورطين، إلا أن النتائج لم تخرج عن إطار اللامعقول الذي حكم الخلل والفساد نفسه..”. (مقدمة مجلة “أمل” / عدد 31/32).

وإذا كان المتابعون في قضايا الفساد المالي يُسَرحون، فإن الأشخاص الذين يفضحون الفساد يتعرضون للمضايقات، بل وحتى المتابعات، كما حدث مع عبد الرحمان المكراوي بجمعة سحيم وقبله أديب وجالطي والزعيم ومفتش القرض الفلاحي ومحاكمة موظفين بتهمة ” إفشاء السر المهني” وانتهاء بالدكتور الشافعي، الشيء الذي يؤكد أن القرار السياسي في البلاد، رغم الشعارات المرفوعة، يقضي باستمرار انتهاك المال العام. واعتبر تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية، أن المغرب مازال متخلفا في محاربة الفساد، سواء في محيطه العربي أو الإفريقي، حيث احتل المرتبة 91 من بين 175 دولة جرى تصنيفها ضمن مؤشر إدراك الرشوة، وهي مرتبة أسوا من مالاوي وزامبيا وبوركينا فاصو. كما خَلُصت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أن المغاربة لا يُبَلغون عن الرشوة، لأنهم لا يثقون في مدى فعالية اللجوء إلى الهيئات الإدارية والقضائية. وإذا علمنا أن للفساد تكلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية باهظة على البلاد، فإن محاربته تصبح مصلحة جماعية.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. المرجو الاهتمام بقضية دكتور الشعب مهدي الشافعي ومتابعة مستجداتها كي لا تدرج طي النسيان لأنها تمس صحة ابناءنا و كل واحد منا ليس في سوس وحدها بل في كل أرجاء الوطن الغالي
    وشكرا

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M