الشيخ عمر القزابري يكتب: قلبُك سِرُّك

13 ديسمبر 2015 21:14
الشيخ عمر القزابري: الإِنْسَانُ وَالقُرْءَانْ...!

الشيخ عمر القزابري

هوية بريس – الأحد 13 دجنبر 2015

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه اجمعين، أحبابي الكرام:

المَقْتُ أن تطلب إقامة شيء لا تقيمه ابتداء في نفسك، وأن تعاتب الناس على أمور أنت من السباقين إليها، وأن تحكم عليهم بما يفعلون وأنت تفعل مثله أو أكثر، وأن تطلب إقامة المدينة الفاضلة وأنت لا علاقة لك بالفضيلة، إنها السخرية المغلفة بالجد، إنها الجدية الساخرة، إن من صور العبث أن تتلبس بالخطأ وتَعِيبَهُ على غيرك، وتأتي المنكر وتلوم مرتكبه، إنه الخداع الغامض، والغموض الخادع.. إنه استجلاب المقت (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

إن الإسلام ما جاء لِيُجَمّلَ صورتك، وإنما ليزكي سريرتك، جاء ليبني في نفسك عالم المثل والأخلاق، التي تجعلك تحترم نفسك قبل أن تحترم الآخرين، والتي تجعلك تحتقر نفسك إذا ألممت بذنب ولو كنت في معزل عن نظر الناس، إنه التأسيس والتأثيث، تأسيس المخبر، وتأثيث المظهر، ومن ثم كان القلب هو محل نظر الله.

هو المُحَاسَب والمُعاتَب والمُخاطَب، لأنه هو الجانب المدرك من الإنسان، والعبادات كلها على اختلاف أنواعها وأشكالها تهدف إلى تطهير القلب من أمراضه، وتخليته من اللوثات، وتحليته بالكمالات، وذلك حتى يسمو إلى خالقه، ويسعد بحبه، وينعم برؤيته، فالقلب هو القائد، والجوارح جنود له وخدم، وهو السيد، والأعضاء تَبَعٌ له وحَشَم.. القلب محل نظر الله، ولا تتحقق السعادة إلا بتزكيته، والشقوة متحققة لا محالة بتدسيته.

ما أعجب أمر هذا القلب، تَصلُحُ أوتاره فيَنْدَهِقُ رحمة ولطفا ورقة وحبا وحنانا، وتفسد أوتاره، فينضح قسوة ولؤما وخسة وسوءا وخبثا.. ما أغربه! اتحد شكله واختلفت تجلياته، يَعظُمٌ فيتضاءل أمامه كل كبير، ويَصغُر فيتعاظم عليه كل صغير، فقلب كالجوهرة، وقلب كالجمرة، وقلب كالنجم، وقلب كالفحم، قلب كالنَّهَر، وقلب أقسى من الحجر (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار) قلب كالشهد، وقلب كالصلد، وأفقر الناس في هذه الدنيا من وجد الجاه والمال والنفوذ والأولاد وفقد قلبَه .. أتدري ما معنى أن يفقد الإنسان قلبه؟ يعني: ميت فقد كل مقومات الحياة ومع ذلك يمشي يتسكع في دروب الحياة، حياة المبنى لا حياة المعنى..

ما أعظم الالتزام المنبعث من قلب صادق متوجه لله، ينثر الحب على من حوله أزهار كلم مرصع بحلل الحُسن (وقولوا للناس حسنا) إن أَحَبَّ ففي الله، وإن نصح فلله، لا تسيره أهواء، ولا تحكمه مصالح، ولا تَسْتَرِقُّهُ عصبيات، قد سلِم من علل الحسد والبغض والضغينة، وتمحض لله، يرجو الخير لكل الناس، همه الإسعاد، ومتعته الإمداد، وغايته الإرشاد..

دعك أيها الماجد من وهم الصورة المزيفة، التي تقتنص حسن ظن الآخرين لبلوغ أهدافها، مستعملة في ذلك سمت التزوير، وصمت التغرير، وناصبة الأفخاخ، للإيقاع بالناس سلبا للمال، تحت عنوان صلاح الحال، والعناوين لا معنى لها بلا مضامين، مَضْمُونُكَ جَوْهَرُك.. أما العنوان فعنوان، ما أجمل المخبر والمظهر إذا اتحدا، فتلك غاية الجمال، أما إذا كان الجوهر خيرا من المظهر فتلك غاية الكمال، وغدا في الآخرة لا ينجو العبد إلا إذا جاء يحمل قلبا سليما من كل ما يشين، ابتداء بسلامة العقيدة، ومرورا بالتمسك بالسنة الرشيدة، وانتهاء بسلامة الصدر من كل خبث ومكيدة (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).

أيها الأحباب: كلنا يبحث عن سر الصلاح، أتدرون ما سر الصلاح؟ إنه صلاح السر..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M