لماذا يخافون من فتح نقاش حول “الاختلاط في التعليم”؟!

10 سبتمبر 2019 17:06

هوية بريس – نبيل غزال 

ما أن يثير أحد موضوع الاختلاط في التعليم حتى تسارع جهات ومنابر إلى تكميم فمه، وكتم أنفاسه، ورميه بكل التهم التي يمكنك تخيلها، من وسم بالرجعية والتطرف والإرهاب والدعشنة.. وسبّ وشتم بأقذع الألفاظ وغير ذلك.. ضاربة بعرض الحائط حرية التعبير وحق إبداء الرأي والاختلاف، وغيرها من الشعارات التي يوظفونها حين ينتهكون كل شيء بما فيه حدود الله تعالى وتشريعاته وأحكامه.

موضوع الاختلاط في التعليم بالنسبة للفصيل العلماني يشكل “طابو” لا يسمحون بفتح نقاش عمومي جاد حوله، لأن مجرد مناقشته بالنسبة لهم يعد تمييزا على أساس الجنس ينافي المساواة، وموقفهم هذا مؤسس على مرتكزات أيديولوجية لا علمية تجريبية بحتة، فمادام الموضوع قد طرحه إسلاميون فهم يسارعون، دون إعمال للعقل، لرفضه وشنّ حرب على من يقف وراءه.

لذلك نجد سياسيين وتربويين وجمعويين، من شتى الأطياف، لا يجرؤون على فتح نقاش حول “الاختلاط في التعليم”، لعلمهم المسبق أنهم سيكونون ضحايا آلة إعلامية مغرضة ستحرف كلامهم وتضلل الرأي العام لخدمة الفكرة السائدة التي يستصنمونها ويعتبرونها حقيقة مطلقة؛ وهي وجوب الخلط بين الجنسين داخل الفصول الدراسية.

في الغرب الذي يتخذه هذا الفصيل قدوة، خاضت الكنيسة الكاثوليكية معارك ضارية ضد العلمانيين حول الاختلاط دامت أكثر من قرن، وبسبب التحجر الفكري والغلو وتزمت الكنيسة الكبير حول موضوع المرأة، بات الاختلاط في التعليم واقعا مفروضا أواخر القرن العشرين في فرنسا “الأنوار”، وبعد تغلغل العلمانية في باقي بنيات المجتمع، وتسرب مفاهيمها إلى الحقل السياسي والثقافي والفكري، أصبح من الصعب جدا، بل من المستحيل، الحديث عن الاختلاط في التعليم من زاوية الحقوق والحريات.

وبعد أن أخضعت هذه الأفكار لواقع التجربة، وفسح المجال للنقد بتجرّد وحرية، أثار متخصصون في مجالات مختلفة تأثير الاختلاط على العملية التعليمية من جهة التحصيل والجودة، والسلوك والاستقرار النفسي والاجتماعي للمتمدرسين.

ففي دراسة عن كتاب فرنسي تحت عنوان “مصائد المدارس المختلطة” نشرتها صحيفة “ليكسبريس” الفرنسية أعلن عالم الاجتماع الفرنسي “ميشال فيز”، الباحث بالمركز القومي للدراسات الاجتماعية بفرنسا، أن الاختلاط في المدارس الأوروبية لا يدعم المساواة بين الجنسين، ولا المساواة في الفرص.

وقد “صدرت الدراسة بعد تجربة اختلاط تعليمي دامت 45 سنة، كشفت عن سوءات عملية الاختلاط في الغرب، وبخاصة فرنسا، التي شهدت ارتفاع معدلات الاعتداءات الجنسية ضد المراهقين داخل المؤسسات التعليمية، فضلا عن زيادة نسبة الرسوب التعليمي عند الأولاد، برغم تفضيلهم عن البنات في المدارس بصورة تعلن عن عنصرية المعلمين أنفسهم”.

وفي 2017 أظهرت البيانات الصادرة عن قوات الشرطة في إنجلترا وويلز أن مئات من تلاميذ المدارس طردوا بشكل دائم أو مؤقت من الفصول الدراسية خلال السنوات الأربع الماضية بعد تورطهم في أعمال جنسية، بما في ذلك مشاهدة المواد الإباحية وتبادل الصور غير اللائقة.

أخصائي علم الأحياء الأمريكي، د. ليونارد ساكس Leonard Sax، وردا على فرضية عالمة الاجتماع “نعوم فايشتاينNaomi Weisstein ” بكون فروق الجنس البشري تنشؤها الظروف الاجتماعية، لم يكتف برد الانحرافات العلمية البينة في طرحها، كنحو إثبات الفروق العضوية والإحيائية، وكالتباين بين الكروموزومات، بل ناقش مسألة أبعد من ذلك وهي إثبات الدراسات الحديثة لكون اختلاف الجنس يؤثر في طريقة التعلم والتفكير، وآلية عمل العقول، بل في تكوين العقول نفسها*.

ثم بعد نقاش ساخن في أوروبا وأمريكا وغيرهما، سمح بالعودة نسبيا لنظام التعليم غير المختلط، وفَتحت مئات المدارس في أمريكا وأوروبا وأستراليا التي تفصل بين الجنسين أبوابَها.

فبالرغم من التأثير الكبير للأيديولوجيا على هذا الموضوع إلا أن الغرب براجماتي، لذلك فقد سمح بفتح نقاش وعقد مناظرات عمومية حول هذا الموضوع، وتساءل هل التعليم المختلط مصيدة أم لا؟ أما من ينتسب عندنا للتنوير والفكر الحر و”منع المنع”، فهو يخشى من مجرد تدوينة لأستاذ أو حديث عابر لمتخصص حول موضوع الاختلاط في التعليم، ظنا منهم أن ذلك يمس بالحقوق والمكتسبات التي سبق وتحصلوا عليها.

وهذا ليس تنويرا؛ وإنما تقليد أعمى وتعصب واستصنام لأفكار ماضوية، وتجاهل كبير لمعضلات أفرزها واقع الاختلاط في التعليم، لذلك فهم بحاجة إلى النزول إلى المجتمع والاستماع إلى معاناة الأسر مع أبنائها، ورجال ونساء التعليم مع التلاميذ والطلبة، والوقوف على تأثير الاختلاط في نسبة التحصيل الدراسي لدى الجنسين.

ـــــــــــــــــــــــ

*  Sax: single sex education ready for prime time

انظر: الاختلاط في التعليم النشأة والآثار، مركز باحثات لدراسات المرأة.

 

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. 1- (أما من ينتسب عندنا للتنوير والفكر الحر و”منع المنع”، فهو يخشى من مجرد تدوينة لأستاذ أو حديث عابر لمتخصص حول موضوع الاختلاط في التعليم، ظنا منهم أن ذلك يمس بالحقوق والمكتسبات التي سبق وتحصلوا عليها.)
    2- كلاّ، بل إنّهم يُحبّون أنْ تشيع الفاحشة والفساد في المجتمع، وعلمانية العرب أشدّ كفراً من علمانية الغرب!
    2- إنّنا كثيرا ما نضبط -أثناء شرح الدرس- تبادل الرسئل الغرامية بين التلاميذ والتلميدات؛ ونشاهد بكثرة التحرشات الجنسية داخل الفصل؛ وخارج المؤسسة تبادل القُبُل أصبح عاديا، بل إنني أرى في بعض الأحيان جسدين ملتصقين، التصاقا كاملا، مع تبادل القبل الحارة أمام التلاميذ!! وما خفي أعظم! وكثير من الآباء لا يعلمون شيئا عما تفعله بناتهم!!

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M