ليس المحرم هو الجنس فقط خارج الزواج وإنما مقدماته وممهداته أيضا

12 أكتوبر 2019 11:36
هل يخطو المغرب خطوات جريئة في مقاومة الإثراء غير المشروع؟‬

هوية بريس – د.محمد بولوز

ما يسمح به في اطار شريعتنا بين الرجل والمرأة الاجنبيين عن بعضهما هو الكلام بالمعروف عند الحاجة في المكان المفتوح أمام الناس، في غير خلوة ولا ريبة ولا شهوة، ومن غير تماس ولا تقارب انفاس ولا مصافحة ولا ما فوق ذلك، الى بلوغ الجماع.

تحريم اتخاذ الأخدان

فتحرم الصداقة التي يقصد بها استمتاع بعضهم ببعض من غير عقد شرعي وما سماه كتاب الله اتخاذ الاخدان، قال الله تعالى :
( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) النساء 25
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :
“وقوله تعالى “محصنات” أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه ولهذا قال “غير مسافحات” وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة – وقوله تعالى “ولا متخذات أخدان” قال ابن عباس : ومتخذات أخدان يعني أخلاء، وكذا روي عن عدد من السلف، وقال الحسن البصري يعني الصّديق وقال الضحاك أيضا “ولا متخذات أخدان” ذات الخليل الواحد المقرة به نهى الله عن ذلك يعني تزويجها ما دامت كذلك ..
وقال تعالى بخصوص الرجال ايضا : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (5) سورة المائدة
قال ابن كثير رحمه الله :
فكما شرط الإحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذي أخدان أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن.
ومن القصص التي تبيّن حرمة اتّخاذ العشيقات وحرمة الزواج بهنّ قصّة مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَكَانَ رَجُلا يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ قَالَ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْهُ فَقَالَتْ مَرْثَدٌ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ قَالَ قُلْتُ يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا .. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَلا تَنْكِحْهَا . رواه الترمذي 3101 وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وكذلك جاء عن عبد الله بن مغفل أن امرأة كانت بغيّا في الجاهلية فمرّ بها رجل أو مرّت به فبسط يده إليها فقالت : مه ، إن الله أذهب بالشرك وجاء بالإسلام فتركها وولّى وجعل ينظر إليها حتى أصاب وجهه الحائط ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : أنت عبد أراد الله بك خيرا ، إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا عجّل له عقوبة ذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة . رواه الحاكم 1/349 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي . يُنظر صحيح الجامع رقم 308 .
فهذه الآيات والأحاديث تدلّ دلالة واضحة على تحريم إقامة علاقة أو صداقة بين الرجال والنساء الأجنبيات.

تحريم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيين

ومن ذلك تحريم الخلوة أخرج الترمذي وأحمد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان . وصححه ابن حبان والحاكم .
قال المناوي : (إلا كان الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم .اهـ. من فيض القدير .
وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب، إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم» أخرجه مسلم .
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: «لا يدخلن رجل، بعد يومي هذا، على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان» أخرجه مسلم .
وفي هذه الاحاديث تحريم الخلوة كما قال ابن حجر : فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع .اهـ.
وقال النووي : وفي هذا الحديث – حديث جابر – والأحاديث بعده تحريم الخلوة بالأجنبية، وإباحة الخلوة بمحارمها، وهذان الأمران مجمع عليهما .اهـ.

تحريم اللمس بغرض الشهوة ومقدمات الجماع

وتحرم مقدمات الجماع من لمس واحتكاك وتلذذ بجسد الاخر، روى الطبراني والبيهقي ولفظه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. وقد حسنّه جمع من أهل العلم منهم العلامة الألباني رحمه الله تعالى، وأيدّ ذلك فعله صلى الله عليه وسلم، فقد كان لا يمسّ امرأة لا تحلّ له. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، وما بايعهن إلا بقوله. صحيح البخاري.
وعنها قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه و سلم يد امرأة إلا امرأة يملكها.
وعامة المذاهب السنية المعتبرة على هذا:
فمن المذهب الحنفي: قال ابن نجيم: وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِوُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَلِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ. البحر الرائق .8ـ 219.
ومن المذهب المالكي قال عليش: ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل. منح الجليل.1 ـ 222.
و قال الشافعية: ومتى حرم النظر حرم المس. قاله الشربيني: مغني المحتاج .3 ـ 132.
ومن المذهب الحنبلي . قال البهوتي: قال محمد بن عبد الله بن مهران: سئل أبو عبد الله عن الرجل يصافح المرأة؟ قال: لا. وشدّد فيه جدا.

الزنى أبشع ما يقع بين المراة والرجل الأجنبيين

ويعتبر الزنا جريمة عظيمة فيها الحد الشرعي الذي بينه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بشروطه، قال تعالى في سورة النور:الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) وفي الحديث
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) رواه مسلم (1690) .

ويتوب الله على من تاب

وباب التوبة مفتوح لمن ستره الله ولم يصل امره الى الحاكم بشرع الله. سواء تعلق الامر بالزنا او مقدماته، ففي الشرع حدود وتعزيرات وصغائر تكفرها الصلوات والاستغفار ونحو ذلك
عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِن امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فأَخبره، فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، فَقَالَ الرجل: أَلِي هَذَا يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: لجَميعِ أُمَّتي كُلِّهِمْ متفقٌ عَلَيهِ.
ولا ينبغي التوسع في هذا لان السيئة تستدعي اختها وربما اكبر منها، فيحتاط لان معظم النار من مستصغر الشرر، وقد يصل الانسان الى مرحلة يصعب فيها السيطرة على شهواته فيقع في المحظور ومن الحزم القطع مع المقدمات الممهدات، فهناك ما يتولاه القضاء وهناك ما يعالج ديانة ومروءة واخلاقا.
والله الموفق للصواب.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. بارك الله فيك استاذنا العزيز و زادك الله علما وحكمة و تبصرة.واكثر من أمثالك حراسا على حمى الإسلام.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M